المهمة الأساسية للإعلام تتمثل في التوجيه والإرشاد والتوعية وتزويد المتابع بالأخبار والتثقيف، ووسائل التسلية والترفيه، كما تدخل ضمن مهام الإعلام الحفاظ على القيم والموروثات الدينية والحضارية والثقافية والتقاليد الحميدة، فضلاً عن بث الروح الوطنية وروح الانتماء والتماسك بين أفراد المجتمع ومساندة أولي الأمر ومنع الفتن ومراقبة الأداء ونقد أوجه التقصير وتسليط الضوء على المنجزات، وإعلام الناس بالمناسبات والفعاليات وحشد المختصين للمشاركة فيها والسعي لإنجاحها وما إلى ذلك من مهام ظل الإعلام يضطلع بها إلى وقت قريب.
في عصر الفضائيات تغيرت الأوضاع كثيراً لأن الإعلام تحول من عامل مساعد ممول من الدولة إلى تاجر يبحث عن الربح بأي وسيلة، تحول من حام للقيم والموروثات إلى هادم لكل ذلك، بل يدوس على تلك القيم من أجل الوصول إلى المال وكسب أكبر قدر من المشاهدين ومن كعكة الإعلان.
وعلى الرغم من أن التلفزيونات الحكومية مازالت على قدر من الوقار ( على استحياء) ومن أفضلها الإعلام التلفزيوني السعودي الرسمي، لكن أصبح الإعلام الفضائي يلقي بظلاله على الواقع، ويأخذ نصيباً وافرا من زمن المشاهد، معتمداً على البهرجة وأساليب الجذب الحديثة، ويا ليتها تقنيات جذب من شاكلة التصوير والإخراج وجودة الألوان والسطوع وغير ذلك، لكن وسائل جذب رخيصة تعتمد على الإثارة وعرض مفاتن المذيعات بشكل يتجاوز كل ما هو متعارف عليه بهدف جذب المتابعين وخصوصا المراهقين والشباب من الجنسين باعتبارهم رهان المستقبل.
بدل أن يأخذ الطفل جزءا من معلوماته المفيدة من وسائل الإعلام وخصوصاً الإعلام الفضائي أصبح الأطفال هم أكثر المتضررين من هذه الآلة ووسائلها ومنهجيتها وسلوكياتها التي تشكل خطراً على هذا الجيل ومستقبله، لأن الطفل يقتدي بما تقدمه وسائل الإعلام ويعتبره مسلما، وبالفعل كانت وسائل الإعلام إلى وقت قريب تراعي هذه الجوانب وتنقح موادها مما يخدش المفاهيم والحياء والذوق العام، لكن الفضائيات، في غالبيتها - اليوم لا تراعي شيئا من هذا القبيل، بل لم يعد فيها مجال لمراعاة الذوق أو الأعراف أو التقاليد بل أهملت هذه الجوانب، وكذلك جوانب الوطنية والقيم الاجتماعية كلها ألقت بها وراء ظهرها وهي تركض خلف المال والإعلان والانتشار.
الأخطر من ذلك أن معايير المهنية لدى الإعلام الفضائي أصبحت مختلة بحيث لم تعد المهنية والاحترافية والخبرة ذات بال أمام الشكل والنواحي الجمالية صارت سيدة الموقف، وهذا ما أفرغ الإعلام الفضائي كثيراً من محتوياته الجوهرية وأبقى على الجانب المظهري الذي هو عنصر جذب إلى حد ما ولكن على حساب مفهوم الإعلام وعلى حساب المضمون والهدف والرسالة.
بهذه المنهجية أصبح الإعلام الفضائي قدوة سيئة للأجيال، ومسخا شائها لمهمة الإعلام ورسالته خصوصا في البلدان العربية والإسلامية، وقدوة سيئة لكل من يتوهم فيه أداة توعية وإرشاد أو توجيه، وظل يعكس صورة سلبية لمعنى الإعلام ويقدم أداءً محبطاً للمشاهدين الذين لا حول لهم ولا قوة الا أن يتحولوا عن هذه القناة إلى تلك ويجدون نفس المنهج مكرراً إلا في بعض الفضائيات التي مازالت تفسح مجالاً للقيم والمبادئ والأسس والمكتسبات، وتراعي ثقافة المجتمع وأخلاقه وعاداته وتقاليده، ولكن بشكل عام لقد رسب الإعلام الفضائي بجدارة في اختبار المحافظة على الحد الأدنى من الأعراف المهنية، وقواعد رسالته، ومهامه ودوره المناط به.
الإعلام الفضائي وضع نفسه في مواجهة مكشوفة مع القيم الموروثة والأخلاقيات المهنية، وضع مصداقيته في ميزان حساس، حينما أراد أن يتلاعب بمشاعر متابعيه، وظن وهما ان المتلقي - دائما - ساذج، وغير فطن، وأخذ يدس السم في الدسم من خلال محاولة اختراق مناعته الثقافية، واختبار مقدرته على الصمود أمام المغريات المادية، والبهرجة الإعلامية، وظل يقدم نماذجه وأمثلته، لتكون قدوة للأطفال والشباب من خلال برامج صممت في الأصل لملل أخرى تفتقد القيم والموجهات التي تحكم سلوكنا ومنهجيتنا، وصار يقدم الفن الماجن الخالي من أبسط معاني الفن، باعتباره النموذج الذي يجب أن يتعلق به الجيل، وكذلك يفسح مساحات رحبة للساقطين والساقطات في محاولة منه لنمذجة الجيل الصاعد عبر برامج تنمي هذا التوجه في ما يسمى (نجوم الغد) أو (أكاديميات النجوم) وغيرها لتفريخ جيوش من المهجنين فنيا وثقافيا وحضاريا ليكونوا بذرة يراد لها التكاثر على حساب كل ما هو جميل حتى الآن لدينا، فأيقن الناس أن الإعلام الذي يتسابق على مثل هذا التوجه غير جدير بالمتابعة، ولا يصلح أن يكون قدوة حسنة، بل هو قدوة سيئة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
tb787@hotmail.com