Al Jazirah NewsPaper Wednesday  13/01/2010 G Issue 13621
الاربعاء 27 محرم 1431   العدد  13621
 

ايقاعات
المثقف العربي.. ظاهرة كلامية
تركي العسيري

 

- أنت عميل.. ساقط..!

اصمت.. أنت كذاب..!

الحكام العرب خونه مارقون..

لا تقاطعني.. دعني أكمل..!

هذه العبارات لم أستقها من أحد (الحراجات) أو (المقاهي) ولا حتى من (ملهى) ليلي في عاصمة عربية.. لعب (المزاج) برؤوس حرفائه.. فراحوا يطوّحون بعباراتهم الملوثة في كل الاتجاهات.

لا تستعجل يا قارئي الصبر طيب..!

هذه - يا سيدي - نتفٌ من حوارات بعض مثقفينا العرب، والذين برعت في استضافتهم فضائياتنا العربية، وقناة (الجزيرة) - تحديداً - مُقدمة على غيرها في هذا المنحى، وقد أظهر مقدم برنامج (الاتجاه المعاكس) قدرة لافتة في إخراج هؤلاء الضيوف عن (أطوارهم) ليفتحوا خزائنهم الملأى بعبارات الشتم والرزح والتخوين وكلما زاد (الهياج) مدد الوقت.. الدقيقة تصبح عشرا.. لك دقيقة واحدة.. ويستمر الضيف دقائق..!

ترى هل يمثل هؤلاء (الضيوف) الوجه الحقيقي للمثقف العربي؟

بصورة أخرى.. ما الذي يدفع المثقف العربي إلى الارتهان لحالة (السعار) أو فلنقل لحالة (الاحتقان) التي تدفعه إلى أن يلغي من قاموسه كل أدبيات الحوار المثمر والمسؤول رغم تشدقه بها صباح مساء، وبالتالي يصبح مجرد بوق بذيء يطوّح بعبارات تضعه تحت مقصلة القانون.. قلت قانون!؟ وهل لدينا في دنيا العرب قوانين تردع هؤلاء؟ ولعل من حسن حظنا كعرب أن أحداً من مثقفينا الكثر لم يمتط (دبابة) بليل ليعلن البلاغ رقم واحد، ويتسلط على أعناقنا كسيف مغلوم، كما أن من حسن طالعنا وقليل حسن الطالع في (بلاد العرب أوطاني) أنه لم يصل مثقف من هؤلاء إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع والفوز بالنسبة المعروفة 99.99% وإلا لو حدث -لا سمح الله- لذقنا الويلات.. ولازداد ليلنا (اسوداداً) ولترحمنا على ليل جدنا الكبير (النابغة):

(فإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت أن المنتأى عنك بعيد)

من يدري.. لعل الله رحم ضعفنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الأمم.. فأبقى مثقفينا في مقاهيهم، ومنتدياتهم، وأبراجهم الخزفية.

لديَّ إحساس متنام.. أن في داخل كل مثقف عربي يعيش (ديكتاتور) دموي لا يتورع في مصادرة آراء الآخرين، وتسفيه طروحاتهم، وابتزازهم، ولو صحَّ لسحلهم في الشوارع المتربة.

المثقفون منظرون جيدون، ولكنهم حين يتحولون إلى فعل وممارسة يفقدون توهجهم ويتحولون إلى مجرد ظاهرة صوتية تملك حق الشطب والمصادرة وتوزيع التهم على مخالفيهم.

ولعل من الحسنات القليلة لفضائياتنا العربية.. أن نضحت زيف مثقفينا، وأظهرتهم على حقيقتهم.. وكان حريٌّ بهم أن يقدموا للناس الوجه المفترض للمثقف الواعي الملتزم بقضايا أمته عن طريق الحوارات العقلانية بعيداً عن لغة (الكابيهات) والمقاهي والارتهان (للعهر اللفظي) حتى يمكنهم باعتبارهم صفوة الأمة أن يقدموا ما يساعد أصحاب القرار على اتخاذ الخطوات الفاعلة التي تساهم في سعادة هذه الأمة (الغلبانة). بعض مثقفينا العرب (ظواهر كلامية) قابلة للبيع في سوق النخاسة الفكرية، وعلى من يريد أن يستفيد من خدماتهم أن يكون سخياً.. وإلا فإن عليه أن يتقبل سوء المنقلب.. أعاذنا الله وإياكم من سوء المنقلب..!

فيا مثقفونا.. نحن نحبكم، ولكننا نشفق على حبالكم الصوتية.. فاصمتوا يرحمكم الله!!

alassery@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد