Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/01/2010 G Issue 13622
الخميس 28 محرم 1431   العدد  13622
 
بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان
تشخيص واقع العيش الكريم في المملكة 2-2
د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني

 

توفر البيئة الاجتماعية والتنظيمية في المملكة العربية السعودية ما يعرف بالأمن الاجتماعي الذي عرفه بعض علماء الاجتماع بأنه يعني سلامة الأفراد والجماعات من الأخطار الداخلية والخارجية التي قد تتحداهم كالأخطار العسكرية

وما يتعرض له الأفراد والجماعات من القتل والاختطاف والاعتداء على الممتلكات بالتخريب أو السرقة، في حين يرى فريق من علماء الاجتماع أن تفشي الجرائم وزيادة عددها يعني حالة ضعف في الأمن الاجتماعي، فمعيار الأمن منوط بقدرة المؤسسات الحكومية والأهلية في الحد من الجريمة والتصدي لها، وأن حماية الأفراد والجماعات من مسؤوليات الدولة من خلال فرض النظام، وبسط سيادة القانون بواسطة الأجهزة القضائية والتنفيذية، واستخدام القوة -إن تطلب الأمر ذلك- لتحقيق الأمن والشعور بالعدالة التي تعزز الانتماء إلى الدولة بصفتها الحامي والأمين على حياة الناس وممتلكاتهم وآمالهم بالعيش الكريم. في حين يؤكد بعض المتخصصين في علم الاجتماع بأن الأمن مسؤولية اجتماعية بوصفه ينبع من مسؤولية الفرد تجاه نفسه وأسرته، ولذلك اعتبرت الدولة أن توفير الأمن من أولى أولوياتها، ومن أبرز واجباتها، فنصت في المادة 36 على الآتي:

(توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام). وفي هذه المادة حفظ لحقوق الفرد والأسرة بعدم جواز تقييد تصرفاته أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام، وهذا يقتضي منع الاعتقال التعسفي، والمداهمة وتفتيش المنازل دون اللجوء إلى الأنظمة واتباعها في ذلك، وفي هذا حفاظ على كرامة الفرد وأسرته، وكرامة المجتمع، وقد نصت على ذلك المادة 37 من نظام الحكم التي تقول: (للمساكن حرمتها.. ولا يجوز دخولها بغير إذن صاحبها ولا تفتيشها إلا في الحالات التي يبينها النظام).

والعيش بكرامة لا يمكن أن يتم إلا في ظل توافر الاحتياجات الضرورية للإنسان (Basic needs)، فبعد توافر الأمن لا بد للإنسان من توافر الاحتياجات الأساسية التي تضمن له العيش الكريم والمتمثلة في الطعام، واللباس، والسكن، والتعليم، والمواصلات، وغيرها من الخدمات، وكل من عاش على تراب المملكة من أهلها ومن غير أهلها يشهد أن الدولة حرصت على توفير تلك الاحتياجات، بطرق مختلفة منها: مجانية التعليم، وإنشاء الطرق، ودعم المواد الغذاية، وتوزيع الأراضي، وتقديم القروض، وتوفير الكهرباء والخدمات الصحية المجانية وغيرها كثير، وقد استفاد المقيمون من كثير من تلك التسهيلات، والتخفيضات، مثل دعم المواد الغذائية، وخفض أسعار الوقود، واستخدام الطرق والمنشآت المختلفة بدون رسوم، وتلقي العلاج في المستشفيات المختلفة الحكومية والخاصة، وبهذا تحافظ المملكة ليس فقط على كرامة مواطنيها، وإنما كذلك على كرامة من يقيم على ترابها من الأشقاء والأصدقاء.

ويعتبر نظام الأسرة من أهم الأنظمة الاجتماعية التي تكفل للفرد العيش الكريم، فهي تحتضنه منذ ولادته، وتوفر له الاحتياجات المادية والمعنوية، وتقوم بتهيئته ليكون عضواً فاعلاً في المجتمع، والحياة داخل الأسرة لا يمكن أن تعوض بالحياة في أي مكان آخر في المجتمع مهما توفر فيه من خدمات وإمكانات. وكثير من الباحثين ورموز المجتمع الغربي ينادون بعودة الأسرة للقيام بوظائفها التاريخية، ويعزون كثرة الجرائم ضد الغير، والعقد النفسية، والانتحار وتعاطي المخدرات والمسكرات إلى ضعف دور الأسرة في الحياة، وقد تنبهت المملكة العربية السعودية إلى هذه القضية الحيوية والمهمة في حياة الأفراد وحياة المجتمع، فنصت المادة التاسعة من نظام الحكم على أن (الأسرة هي نواة المجتمع السعودي. ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر.. واحترام النظام وتنفيذه وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد). كما نصت المادة العاشرة من النظام نفسه على التالي: (تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم).

وهناك مجموعة أخرى من مواد نظام الحكم تكفل العيش الكريم للمواطن والمقيم منها:

المادة (17)

الملكية ورأس المال والعمل، مقومات أساسية في الكيان الاقتصادي والاجتماعي للمملكة وهي حقوق خاصة تؤدي وظيفة اجتماعية وفق الشريعة الإسلامية.

المادة (18)

تكفل الدولة حرية الملكية الخاصة وحرمتها ولا ينزع من أحد ملكه إلا للمصلحة العامة على أن يعوض المالك تعويضاً عادلاً.

المادة (19)

تحظر المصادرة العامة للأموال ولا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي.

المادة (20)

لا تفرض الضرائب والرسوم إلا عند الحاجة وعلى أساس من العدل.. ولا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها أو الإعفاء منها إلا بموجب النظام.

المادة (27)

تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة وتدعم نظام الضمان الاجتماعي وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية.

المادة (28)

تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه.. وتسن الأنظمة التي تحترم العامل وصاحب العمل.

المادة (29)

ترعى الدولة العلوم والآداب والثقافة.. وتعني بتشجيع البحث العلمي وتصون التراث الإسلامي والعربي وتسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية.

المادة (31)

تعني الدولة بالصحة العامة.. وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن.

المادة (32)

تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها.

المادة (90)

العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي.

المادة (39)

تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة وبأنظمة الدولة.. وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام أو يمس بأمن الدولة وعلاقتها العامة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه وتبين الأنظمة كيفية ذلك.

المادة (40)

المراسلات البرقية والبريدية والمخابرات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال مصونة ولا يجوز مصادرتها أو تأخيرها أو الاطلاع عليها أو الاستماع إليها إلا في الحالات التي يبينها النظام..

المادة (43)

مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن ولكل من له شكوى أو مظلمة ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض له من الشؤون.

إن المملكة العربية السعودية تحتضن ما يقارب العشرة ملايين عامل من دول شقيقة وصديقة، ينتمون إلى أكثر من خمس وسبعين جنسية، ويتمتعون على أرض الحرمين الشريفين بمقومات العيش الكريم، ويحولون إلى خارج المملكة في كل عام أكثر من ستين مليار ريال. ولو لم تكن المملكة تضمن لهم العيش الكريم لما تكالبوا على القدوم إليها، فمقومات العيش الكريم كما ذكرنا سابقا وافرة للمواطن والمقيم، فالمملكة من أفضل الدول في العالم في توفر الأمن، ومن أفضلها في قلة المحن والقلاقل والحروب، ومن أكثرها في توفير الاحتياجات الأساسية للإنسان، ويكفي إجراء مقارنة ببعض الدول المجاورة التي تعاني من الانقسامات والحروب والقلاقل والتصدعات الاجتماعية، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن المملكة ليس لديها جوانب قصور، وأن هناك من يواجه أوضاعاً بين وقت وآخر لا تتناسب مع العيش الكريم، وهذه طبيعة الحياة في أي مكان من العالم، ولكن المسألة نسبية، فالمملكة أفضل بمراحل مما كانت عليه، وأفضل بمراحل من بلدان سبقتها في التنمية، وتتمتع مثلها بموارد بترولية كبيرة، وعلى الجميع تلمس جوانب القصور ومعالجتها بالتعاون وبفتح الصدر لكل من لديه رأي أو نقد بناء ومفيد.

وفي الختام.. نسأل الله أن يديم على هذا الوطن أمنه ورخاءه واستقراره، وأن يوفق قادته وجميع العاملين فيه إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

* أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية


zabrani111@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد