Al Jazirah NewsPaper Sunday  17/01/2010 G Issue 13625
الأحد 02 صفر 1431   العدد  13625
 
خطر قادم
حمدان الحمدان

 

قد لا يعلم الكثيرون أن للرقابة في المملكة العربية السعودية عدة أنواع وتقوم بها عدة جهات وهي الرقابة السابقة وتقوم بها وزارة المالية من خلال وضع الميزانية التقديرية لجميع القطاعات والأجهزة الحكومية، والنوع الثاني الرقابة الكاشفة أو المانعة وتقوم به هيئة الرقابة والتحقيق على جميع الأجهزة الحكومية (المدنية)، والنوع الثالث الرقابة اللاحقة ويقوم به ديوان الرقابة العامة.

وقد تابعت جلسة مجلس الشورى في 10-1-1431هـ الذي أذيعت عبر التلفزيون والتي نوقش فيها موضوع توحيد الأجهزة الرقابية وانتهى المجلس الموقر بعد النقاش والتصويت إلى تأييد نقل اختصاص الرقابة المالية من هيئة الرقابة والتحقيق إلى ديوان المراقبة العامة ونقل اختصاص التحقيق في القضايا الجنائية من هيئة الرقابة والتحقيق إلى هيئة التحقيق والادعاء العام توحيداً للجهة المعنية بالرقابة والتحقيق الجنائي ومنعاً للازدواجية.

وبالتأكيد أن هذه الخطوة التي باشرت بحثها لجنة الإصلاح الإداري منذ سنوات عبر عدة لجان شكلت لدراستها حتى وصلت إلى هذه المرحلة خطوة متقدمة ولها إيجابياتها التي إذا تحققت فإنها ستغلب سلبياتها.ولكن الذي لم يجد اهتماماً في جميع المراحل ولم يتداركه أعضاء مجلس الشورى الأفاضل هو أمر في غاية الخطورة والأهمية وهو في جانب الرقابة ذلك أنه عند انتقال اختصاص الرقابة المالية إلى ديوان المراقبة العامة لتلحق بها فقط وتقوم بذات الدور الذي يقوم به الديوان، فإن ثمة مشكلة كبيرة ستؤول إليها الأمور مستقبلاً وهي غياب الرقابة الكاشفة أو المانعة التي كانت هيئة الرقابة والتحقيق تؤديها من خلال إدارة الرقابة المالية لديها، ذلك أن الديوان يقوم بدور الرقابة اللاحقة فقط وفقاً لتنظيمه وتحديداً وفقاً للمادة السابعة من نظامه الصادر بالمرسوم الملكي رقم م-9 في 11-2-1391هـ والتي نصت على (يختص الديوان بالرقابة اللاحقة على جميع إيرادات الدولة ومصروفاتها وكذلك مراقبة كافة أموال الدولة المنقولة والثابتة ومراقبة حسن استعمال هذه الأموال واستغلالها والمحافظة عليها) ويقوم الديوان بتنفيذ اختصاصه من خلال مراجعة وتدقيق أوامر ومستندات الصرف بعد انتهاء عملية الصرف للتأكد من قيام الجهة بالصرف وفقاً لإجراءات الصرف النظامية، حيث تسلم الجهات أوامر الصرف ومرفقاتها لمراقبي الديوان ليقوموا بفحصها للتأكد من استيفاء المستندات والأوراق المطلوبة في كل عملية صرف حسب نوعها، أي أنه يتم التأكد من الصرف بشكل نظامي ولكن على الورق أي بمراجعة وتدقيق الأوراق والمستندات فقط، وهو أمر يمكن استكماله من الجهات دون عناء وتقديم أوامر الصرف والمستندات المطلوبة وافية للديوان لمراجعتها.

ولكن الأسئلة الكبيرة التي يثيرها الموقف من يقوم بالتأكد من تأمين الاحتياجات فعلاً وليس على الورق فقط؟ من يتأكد من أن التأمين كان للاحتياجات والمواصفات المطلوبة أصلاً؟ من يتأكد من تنفيذ الأعمال بشكل كامل ووافٍ دون قصور أو نقصان سواء في تأمين الاحتياجات أو في تنفيذ المشاريع؟

وهو الدور الذي كانت تقوم به هيئة الرقابة والتحقيق لاسيما في الرقابة المالية وهو الاختصاص الذي سينتقل للديوان.

أنا هنا لا أقلل من الدور الذي يقوم به الديوان بل هو دور هام وإيجابي ويقوم به الديوان بكل كفاءة واقتدار ولكن هذا الدور يقتصر على الرقابة اللاحقة وفقاً لاختصاص الديوان ونظامه وبالتالي أتساءل من سيقوم بدور الرقابة الكاشفة والمانعة في جانب الرقابة المالية من خلال الجولات الفجائية على الجهات الحكومية للتأكد من تنفيذ أعمالها فعلاً وعلى أرض الواقع وبالشكل المتفق عليه والصحيح؟ وكذا التأكد من تأمين المشتريات حسب المواصفات والشروط والأسعار العادلة بالشخوص للإدارات المستفيدة والمستودعات؟ والتأكد من تنفيذ المشاريع الحكومية على أرض الواقع دون تأخير أو تقصير بتنفيذ الجولات الميدانية عليها؟ وكذلك التأكد من حسن أداء الموظفين في أقسام المالية والمستودعات والصندوق، هذا الدور من الرقابة والذي يسمى بالرقابة الكاشفة أو المانعة من سيقوم به مستقبلاً في حال نقل اختصاص الرقابة المالية من هيئة الرقابة والتحقيق لديوان المراقبة العامة؟ لاسيما من التنامي المطرد والكبير بحمد الله في ميزانية الدولة وكبر وزيادة حجم المشاريع التي تنفذها الدولة في كافة جهاتها ومع الطفرة الاقتصادية التي تشهدها مصروفات ومشاريع قطاعات وأجهزة الدولة المختلفة.

ولن أجازف إذا قلت إن اقتصار عمل الديوان في حال نقل اختصاص الرقابة المالية إليه على الرقابة اللاحقة التي تعتمد على مراجعة وتدقيق أوامر ومستندات الصرف (كما هو الوضع الحالي) دون إضافة الدور الأهم وهو الرقابة الكاشفة والمانعة سيؤدي إلى توافر فرص كبيرة للاختلاس والاستيلاء على المال العام وبطرق نظامية لأنه من السهولة تقديم أوراق مكتملة تتوفر بها كافة الأوراق والمستندات المطلوبة. ولكن هل نفذت الأعمال أم لا؟ فليس هناك من يسأل ولن تجد من يجيب!

باختصار فإن نقل اختصاصات الرقابة المالية إلى ديون المراقبة العامة نظرياً خطوة مميزة وجذابة كونها ستوحد الإجراء وتمنع الازدواج، ولكن الدورين اللذين كانتا تقومان به إدارة الرقابة المالية بهيئة الرقابة وديوان المراقبة العامة وإن كان يحمل مسمى واحدا وهو الرقابة المالية إلا أنه يختلف تماماً في المضمون وأسلوب التنفيذ، لأن الثاني يراقب لاحقاً بينما الأول يراقب قبل وأثناء وبعد، وبلا شك هناك اختلاف كبير بين الدورين في التنفيذ والنتائج.

ناهيك عن أن لإدارة الرقابة المالية بهيئة الرقابة والتحقيق اختصاصات أخرى خصت بها وهي الرقابة على الدور المستأجرة ومتابعة مشاريع خطة التنمية وهو دور كبير وهام لاسيما فيما يتعلق بالمشاريع التي أصبحت علامة بارزة في وقتنا الراهن من حيث عددها وحجمها وحرص ولي الأمر عليها، ومتابعة هذه المشاريع ابتداء من عملية الطرح مروراً بالترسية وتوقيع العقد وتسليم الموقع ومتابعة التنفيذ ونسب الإنجاز وانتهاء باستلام الموقع استلاماً نهائياً أمور تحتاج إلى رقابة ليست كاشفة ومانعة فقط بل وملاصقة أيضاً، وأعود هنا لأتساءل من سيقوم بهذه الرقابة في حال نقل اختصاص الرقابة المالية إلى ديوان الرقابة العامة؟

كما أن ثمة أمرا آخر يجب اعتباره مستقبلاً بالإضافة إلى ما ذكر آنفاً وهو أن العمل الذي يقوم به الديون من مراجعة أوامر الصرف وبالإضافة إلى أدوار رقابية أخرى لاحقة مثل تدقيق الحسابات الختامية وجرد الصناديق ومراجعة العقود هي أدوار تستهلك جهد الديون بالكامل، بل إن الديوان لا يملك العدد الكافي من المراقبين للقيام بالرقابة على جميع الوزارات والأجهزة الحكومية، ومن المعروف أن الديوان يقوم في سبيل تغطية كافة هذه الجهات فإنه يعتمد في عمله على الرقابة بالاعتماد على أسلوب العينة وليس فحص كافة المستندات للجهة لضيق الوقت وقلة العدد مقارنة بعدد الجهات وفروعها، فكيف إذا سيقوم الديوان بكل هذه المهام مجتمعة وكيف سيكون وضع الرقابة بعد هذا التغيير إن حدث.

رسالة أتمنى أن تصل إلى من بيده القرار اختزلها في كلمات مفادها أن توحيد الرقابة المالية في جهاز واحد فكرة جيدة وهامة ولكن الأهم منها أن يناط بالديوان في حال انفراده بالرقابة المالية مهام الرقابة الكاشفة والمانعة مع توفير الأعداد المؤهلة والكافية من المراقبين له، وإعطائهم الحوافز التي يستحقونها للقيام بجولات ميدانية مفاجئة هدفها فحص وتدقيق ومراجعة كافة المستندات والمعاملات والوقوف على مدى تنفيذ الأعمال بالشكل الصحيح بهدف الوقوف سداً منيعاً أمام شر مستطير وخطر قادم اسمه الجشع والطمع وتزايد حالات الاعتداء على أموال الدولة بالسلب والنهب التي تغذيها موت الضمير وقلة الخوف من رب العالمين.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد