العدل هو الإنصاف، وإعطاء المرء ما له، وأخذ ما عليه. وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تأمر بالعدل، وتحث عليه، وتدعو إلى التمسُّك به. والعدل اسم من أسماء الله الحسنى، وصفة من صفاته سبحانه.
للعدل أنواع كثيرة، منها:
العدل بين المتخاصمين: كان صلى الله عليه وسلم مثالاً في تطبيق العدل، وقد جاء إليه رجلان من الأنصار يختصمان إليه، ويطلبان منه أن يحكم بينهما، فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بأن مَنْ يأخذ حق أخيه فإنما يأخذ قطعة من النار، فبكي الرجلان وتنازل كل واحد منهما عن حقه لأخيه.
العدل في الميزان والمكيال: المسلم يوفي الميزان والكيل، ويزن بالعدل، ولا ينقص الناس حقوقهم، ولا يكون من الذين يأخذون أكثر من حقهم إذا اشتروا، وينقصون الميزان والمكيال إذا باعوا، وقد توعَّد الله من يفعل ذلك، فقال الله تعالى: ?وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ? (سورة المطففين: 1-5).
العدل بين الزوجات: والمسلم يعدل مع زوجته فيعطيها حقوقها، وإذا كان له أكثر من زوجة فإنه يعدل بينهن في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والنفقة، قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل) (أبو داود)
والميل الذي حذر منه هذا الحديث هو الجور على حقوقها، ولهذا روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين زوجاته -رضوان الله عليهن - بالعدل، (أبو داود).
العدل بين الأبناء: فالمسلم يسوِّي بين أولاده حتى في القُبْلَة، فلا يُفَضِّل بعضهم بهدية أو عطاء؛ حتى لا يكره بعضهم بعضًا، وحتى لا تُوقَد بينهم نار العداوة والبغضاء.
العدل مع كل الناس: المسلم مطالب بأن يعدل مع جميع الناس سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين؛ فالله يأمر بعدم إنقاص الناس حقوقهم، قال تعالى:?وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ? (سورة المائدة: 8) أي: لا تحملكم عداوتكم وخصومتكم لقوم على ظلمهم، بل يجب العدل مع الجميع سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء.
فالعدل له منزلة عظيمة عند الله، قال تعالى: ?وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (سورة الحجرات: 9?. وكان الصحابي الجليل أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول: عمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة سنة.
فالعدل أمان للإنسان في الدنيا، وقد حُكي أن أحد رسل الملوك جاء لمقابلة عمر بن الخطاب، فوجده نائمًا تحت شجرة، فتعجب؛ إذ كيف ينام حاكم المسلمين دون حَرَسٍ، وقال: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر.
فالعدل أساس الملك، فقد كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - يطلب منه مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول عاصمة الولاية. فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم.
فالعدل يوفر الأمان للضعيف والفقير، ويُشْعره بالعزة والفخر.
فالعدل يشيع الحب بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم.
فالعدل يمنع الظالم من ظلمه، والطماع من جشعه، ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض.
جاء رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال له: يا أمير المؤمنين، لقد تسابقتُ مع ابن عمرو بن العاص وإلي مصر، فسبقتُه فضربني بسوطه، وقال لي: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص: إذا أتاك كتابي هذا فلتحضر إليّ ومعك ابنك، فلما حضرا أعطى عمر بن الخطاب السوط للرجل المصري ليضرب ابن عمرو قائلا له: اضرب ابن الأكرمين.
وفي عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أسلم رجل من سادة العرب، وذهب للحج، وبينما كان يطوف حول الكعبة داس رجل على طرف ردائه، فضربه على وجهه ضربة شديدة، فذهب الرجل إلى عمر بن الخطاب، واشتكى له، فطلب عمر - رضي الله عنه - إحضار الضارب، فلما حضر أمر عمر الرجل بأن يقتص منه بأن يضربه على وجهه مثلما فعل معه، فقال متعجبًا: وهل أستوي أنا وهو في ذلك؟ فقال عمر: نعم، الإسلام سوَّى بينكما.
فالعدل ضد الجور، ويأتي العدل دائمًا كحد مستقيم ومعتدل بين طرفين.. فالعدل بين الناس في جميع الأمور.. فالعدل في القول.. فالعدل في الكتابة والإملاء والإشهاد في المعاملات المالية، ففي سورة البقرة من آية الدَّين 282 في الكتابة ?وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ? والإملاء أو ?لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ?، وفي الآية 106 من سورة المائدة في شأن الوصية ? اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُم?.
فالعدل في الشهادة بين الناس، لهم أو عليهم، ولو على النفس أو الوالدين والأقربين، قال تعالى: ? ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ? (الآية 2 سورة الطلاق).
فالعدل في المعاملات الأسرية.
- كاتب وأستاذ أكاديمي وعضو التحكيم وعضو المصالحة
fahd-a-s@hotmail.com