جاء نظام المناطق بتكوين مجالس المناطق التي تعالج قضايا الخدمات ذات الطابع المحلي بأسلوب أكثر فاعلية في تقريب المنتج من المستهلك والمستفيد من الخدمة بالقائمين عليها. وإن الاتجاه نحو منح المجالس المحلية ممارسة الاختصاصات التنموية كافة يُعتبر نوعاً من العمل على طريق التنمية الإدارية؛ ما يساعد على تخفيف العبء عن كاهل الجهاز المركزي. كما تُعتبر المناطق حقل تجارب لفحص جدوى أي أساليب إدارية جديدة أو لحل المشكلات الإدارية المختلفة؛ حيث يمكن البدء بمواجهة هذه المشاكل أو تطبيق تلك الأساليب على مستوى إحدى المناطق، ومن ثم تعميم التجربة إذا ثبت نجاحها.
والمناطق من ناحية أخرى تمثل الجهاز الذي يتعاون مع الأجهزة المركزية لنقل الإحساس الشعبي بضرورة إجراء تغييرات معينة جذرية أو إصلاحية في الجهاز الإداري العام، وإشعار القيادة السياسية بأن هنالك خللاً إدارياً لا بد من معالجته. وأهم مصادر هذا الإحساس هو المصدر المحلي عبر مؤسساته ومجالسه المختلفة.
إنَّ نظام المناطق من خلال تحليله ودراسته يؤكد ويمضي بالعملية التنموية ويدعمها ويسعى للنهوض بالمحليات على جميع الأصعدة الإدارية والاقتصادية والثقافية. ومن الدلائل المشيرة إلى أن نظام المناطق يدعم سياسة اللامركزية في تقديم الخدمات ما أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله - من تكوين مائة وثلاث محافظات، منها ثلاث وأربعون محافظة فئة (أ)، وستون محافظة فئة (ب). ويعتبر تكوين المحافظات من أهم علامات اللامركزية. كما يلاحظ أن التقسيم الإداري لكل منطقة إلى محافظات لم يكن مجرد تقسيم إداري أو تقسيم جغرافي، ولكن للعمل على رفع مستوى الأداء في المحافظات، وحتى يتمكن العاملون في كل محافظة أو مركز من إنجاز ما هو مطلوب منهم بكفاءة واقتدار.
ومن خلال التقسيم المشار إليه تتوزع المسؤولية تجاه تقديم الخدمات للمحافظات والمراكز المختلفة؛ ما يجعل حمل المسؤولية الخدمية متوزعة ليس فقط على مستوى الإمارة بل على مستوى المحافظات والمراكز؛ الأمر الذي يعطي دفعة قوية لتوزيع المهام على الوحدات المشار إليها. وهذا في حد ذاته يساعد على تطوُّر تقديم الخدمات بشكل أسرع وأكثر كفاية وفاعلية من الوضع السابق الذي يجعل الإمارة هي المسؤولة الوحيدة عن تقديم كل الخدمات. ومن البدهي المنطقي أنه كلما توزعت المسؤولية بأعبائها المختلفة، وقرب التصاقها بالمجتمع الصغير المحتاج إلى الخدمات، كانت إمكانيات تقديم الخدمات أكثر تطوُّراً وقدرة على التوصيل بفاعلية وكفاءة.
ويأتي السؤال: ما صلاحيات المحافظين؟ وهل يقومون بصلاحياتهم على الوجه الأكمل؟؟؟
ينص نظام المناطق في المادة العاشرة فقرة (ب): «يكون لكل محافظة من فئة (أ) محافظ لا تقل مرتبته عن الرابعة عشرة. يعيّن بأمر من رئيس مجلس الوزراء، بناء على توصية من وزير الداخلية، ويكون لها وكيل لا تقل مرتبته عن الثانية عشرة، يُعيَّن بقرار من وزير الداخلية، بناء على توصية من أمير المنطقة»، والفقرة (ج) تنص على: «يكون لكل محافظة من فئة (ب) محافظ لا تقل مرتبته عن الثانية عشرة. يُعيَّن بقرار من وزير الداخلية بناء على توصية من أمير المنطقة».
كما تنص المادة (الثالثة عشرة) من نظام المناطق على ما يأتي: «على محافظي المحافظات إدارة محافظاتهم في نطاق الاختصاصات المنصوص عليها في المادة السابعة». والمادة السابعة هي صلاحيات أمراء المناطق، بمعنى أن صلاحيات المحافظ هي صلاحيات أمير المنطقة ما عدا الفقرات (و)، (ط) و(ي) من تلك المادة. أما المادة السابعة من النظام فتشير إلى صلاحيات أمراء المناطق والمحافظين كالآتي:
أ- المحافظة على الأمن والنظام والاستقرار واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، وفقاً للأنظمة واللوائح.
ب- تنفيذ الأحكام القضائية بعد اكتسابها صفتها النهائية.
ج- كفالة حقوق الأفراد وحرياتهم، وعدم اتخاذ أي إجراء يمس تلك الحقوق والحريات إلا في الحدود المقررة شرعاً ونظاماً.
د- العمل على تطوير المنطقة اجتماعياً واقتصادياً وعمرانياً.
هـ- العمل على تنمية الخدمات العامة في المنطقة ورفع كفايتها.
و- (صلاحيات أمير المنطقة) فقط.
ز- المحافظة على أموال الدولة وأملاكها، ومنع التعدي عليها.
ح- الإشراف على الأجهزة الحكومية وموظفيها في المنطقة للتأكد من حُسْن أدائهم لواجباتهم.
ط- (صلاحيات أمير المنطقة) فقط.
ي- (صلاحيات أمير المنطقة) فقط.
.. ولم يجعل المشرّع لنظام المناطق مسؤولية العمل غير المركزي في تقديم الخدمات على الأمير وحده فحسب؛ بل نصت المادة الثالثة عشر على أن من مهام المحافظ تقديم تقارير دورية لأمير المنطقة عن كفاية أداء الخدمات العامة للمواطنين في محافظاتهم، والمراكز التابعة لهم. هذا الاتجاه يؤكد مضي النظام في تبني اللامركزية الإدارية في تقديم الخدمات للمواطنين أيضاً.
ومن خلال ما تقدَّم عرضه عن (المحافظين) من صلاحيات تكفلت بها مواد نظام المناطق المشار إليها يبرز سؤال: هل يقوم المحافظون بصلاحياتهم على الوجه الأكمل؟.. هل يؤدون دورهم كمحافظين (ضمن إطار ومفهوم نظام المناطق)؟.. هل يشرفون على الأجهزة الحكومية سواء التابعة لوزارة الداخلية كالأمن العام - الجوازات - المخدرات - الشرطة، الأحوال المدنية والمجاهدين.. إلخ، أو التابعة لوزارات أخرى أو فروع الأجهزة الحكومية؟؟ هل يملك المحافظ الإشراف على جميع الأجهزة في محافظته؟ هل لديه صلاحيات حقوقية وقانونية ومالية وإدارية لتفعيل ما ورد في نظام المناطق؟ هل يمارس المحافظ دوره المأمول؟ وما الفرق بين دور المحافظ و(رئيس المجلس المحلي) الواقع والمأمول؟.. هذه الأسئلة سأحاول الإجابة عنها في مقال قادم بإذن الله.
الهيئة العليا لتطوير الرياض.. مركز المشاريع فاجأني
نشرت (الجزيرة) مشكورة يوم الثلاثاء 4 صفر 1431هـ في صفحتي 22 و23 متابعة بعنوان (الرياض تدشن مرحلة جديدة من التطوير عبر مشاريع كبرى في الطرق والنقل العام والبيئة.. إلخ). كما تناولت تلك المتابعة طريق الملك عبدالله، وتطوير طريق الأمير سلمان، وواحة الأمير سلمان للعلوم، وطريقَيْ أبوبكر الصديق وصلاح الدين الأيوبي، وطريق العروبة.. ولفت نظري ضمن المشاريع البيئية برنامج تطوير وادي حنيفة، وهو مشروع تأهيل بيئي للوادي الذي يمتد في مرحلته الحالية من شمال طريق العمارية حتى الحاير جنوباً بطول 80كم. وبعدما قرأت هذا المشروع خرجت يوم الخميس الموافق 6 صفر 1431هـ، أي بعد يومين، وسرت بسيارتي ابتداء من جنوب عرقة حتى وصلت المصانع داخل وادي حنيفة. والحقيقة أنني فوجئت كثيراً بما تمّ عمله خلال 3 سنوات من إعادة تأهيل الوادي الذي كان مزرياً ومتسخاً وليس به ذرة من جمال؛ حيث كنا نرى النفايات و(العسبان) والطريق موحشةً.. وعندما مررت وجدت الحال قد تغيّرت؛ فهناك طريق مسفلت مرتب، وأشجار خضراء، ومساحات حالمة تحت أشجار ونخيل الوادي، وهناك مجرى نظيف وجميل يسير في الوادي مع الخضرة يظهر ثم يختفي تحت الكباري، والطيور تحلق بشكل يوحي بجمال الوادي، وجدران الطوي من الأحجار المرصوفة بشكل جمالي يجعل الوادي محاطاً بالجبال على اليمين والمساكن على اليسار، ويحتضن الوادي مجاري الماء، والأشجار المغروسة والمزارع الخاصة بالمواطنين، والطريق المنتظم والمرتب الذي يحوي إرشادات معنية بمتابعة الوادي؛ حيث لا يمكن لأي زائر أو متنزه أن يضل طريق الوادي. لقد أدى مركز المشاريع دوره الكامل تجاه تأهيل هذا الوادي الذي أخذ مني 3 ساعات أقود فيها سيارتي وأتمتع بمنظر جميل لم أره منذ أكثر من 25 عاماً؛ فجعلني هذا الوادي أتذكر أحباباً وأصدقاء وذكريات كانت لنا في الدرعية.. وجعلني أتذكر عهد الصبا عندما كنا نعبر بسياراتنا ونحن مراهقون والطريق مليئة بالمخاطر و(الرمال)، وأشياء جميلة ليس هذا مكان إيرادها. وإنني أدعو سكان الرياض إلى زيارة وادي حنيفة للاستمتاع بما رأيته واستمتعت به.. حقاً إنها مفاجأة يا مركز المشاريع بالهيئة العليا لتطوير الرياض؛ فشكراً لرئيسه سعادة المهندس عبداللطيف آل الشيخ.
- متخصص في الحكم المحلي - جامعة لندن - بريطانيا