حينما نقرأ أن القيادة (فن وذوق وأخلاق) فهي عبارة موجزة المبنى، عظيمة المعنى، تحمل في طياتها معاني كثيرة فمستوى وعي قائد المركبة، وسمو أخلاقه، وأدبه ومروءته تنعكس تماماً على تصرفاته في الشارع أمام الناس!! والعجب الذي لا ينقضي أن مجتمعنا مع كونه مجتمعاً متديناً بجميع فئاته وإن كان بنسب متفاوتة.. فهم مع هذا يعتقدون ان تطبيق نصوص الشرع في المعاملة مع الآخرين أياً كانت ديانتهم.. يعتقدون انها فقط في المكتب والمنزل والمسجد.. الخ.
وهذا خطأ فادح.. أن يكون لدينا ازدواجية في تنزيل النصوص على أرض الواقع!!
فالله سبحانه وتعالى حينما يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا..} هذا النص الرباني ينطبق علينا فوق كل أرض، وتحت كل سماء!!
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق..)
وقوله صلى الله عليه وسلم: (كاد حسن الخلق أن يبلغ درجة الصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر!! وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحسنكم أخلاقا).. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) كل هذه النصوص والآداب والتعليمات تحتم علينا تعاملاً راقياً مؤدبًا مهذباً، تتجلى فيه صور الآدمية، وسمو الإنسانية.. والعجب أن ترى هؤلاء الناس الذين يقودون المراكب هم أنفسهم وليس غيرهم الذين يصلون في المساجد، ويكفلون الأيتام، ويحافظون على الأذكار ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون!! ومع ذلك يغفلون هذا الجانب الأخلاقي التربوي العظيم، فعند أي خطأ أو تقصير من الآخرين.. يبدأ ضجيج وضوضاء المنبّه!!
وصدق الحكيم حين قال: (تعلم الأدب خير من طلب الذهب!!) فأهيب بنفسي واخواني قادة المركبات ان نراعي ما يلي:
أولاً: إذا هفوت بقيادتك أو زللت فلا أقل من أن ترفع يدك معتذراً لمن أخطأت في حقه.. فيدك التي ترفع للتكبير في الصلاة.. ارفعها هنا للاعتذار من الآخرين فالله سبحانه يقول: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ..} وأنت وقعت في منكر!! والناس بحمد الله يقبلون اليسير من العذر..!!
ثانياً: اعلم رحمك الله أن إزعاجك للناس بأبواق سيارتك نوع من الأذى ودليل على التخلف وقلة الأدب والفوضوية!! فإذا أضاءت الإشارة واحتجت إلى المنبه فيكفي لمسة خفيفة جداً!! لكيلا تثير حفيظته فتبدأ مسألة العناد والتحدي والعجرفة.. (وارتفاع الضغط)..
ثالثاً: سؤال؟ قائد مركبة أمضى (40) سنة دون أي حادث؟
فقال: أنا أتوقع أن من أمامي إما مهموم، أو مغموم، أو سكران، أو طفل، أو مسن، أو معتوه.. أو.. إلخ، فآخذ جميع احتياطاتي!!
رابعاً: إذا كنت ولابد ستسير ببطء فألزم اليمين، علماً أن من مخالفات المرور (السير ببطء في المسار الأيسر والأوسط).
خامساً: حيث قال صلى الله عليه وسلم (اعطوا الطريق حقه)، وذكر من حقه (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فعلى كل واحد رأى متخلفاً، أو فوضوياً يرمي المناديل والقمامة والسجائر في الشارع أو يخالف القيادة في أي أمر أن ينبهه بأي وسيلة، ولو بمنبه السيارة كإشارة أنه ارتكب خطأ!!
سادساً: ألاحظ العجلة الزائدة والحنق والغضب الشديد إذا تأخر صاحب المركبة في السير، أو حصل منه أي هفوة، والذي ينبغي أن نطيل البال، ونتزن ونتريّث.. فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه!!!
ثم ما هو هذا الأمر الذي تتهور لأجله؟!!
وصدق القائل: (امشي رويداً تصل سريعاً) فالتمس للناس أعذارهم وظروفهم.
سابعاً: ليس بالضرورة أن توقف سيارتك جوار ما تريد من محل أو مسجد أو.. الخ فتضايق الطريق، وتؤذي الناس.. ابتعد قليلا وتذكر قول نبيك صلى الله عليه وسلم: (اللهم اني أعوذ بك من العجز والكسل!!!!) وتذكر أنك محتاج لممارسة الرياضة، فهذه رياضة مجانية!! وتكون جمعت بين رياضة البدن ورياضة الأخلاق!! فبعض الناس هداهم الله إذا ذهب مثلاً المسجد أو محل أو منزل أوقف سيارته بوجه الباب تماماً، وهذا فيه قلة أدب!! فهل يعتقد أن الناس قطط لتدخل مع الممرات الصغيرة؟!!! أين احترام الناس.. واحترام نفسك؟!!
ثامناً: بعض الناس إذا أشرت إليه عند الإشارة لتسأله عن موقع أو طريق.. يتردد بتثاقل كأنما يُساقون إلى الموت وهم ينظرون!!
وهنا يأتي قوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} ثم إذا كان هذا تعاملك في الإجابة عن سؤال فكيف لو طلب منك شيء آخر!!!؟
تاسعاً: لابد أن نستشعر ونتذكر دائماً أن كل وافد لبلادنا هو ضيف علينا، لابد من مراعاة غربته وكربته.. والسلام عليكم.