Al Jazirah NewsPaper Wednesday  10/02/2010 G Issue 13649
الاربعاء 26 صفر 1431   العدد  13649
 
سياسة المتناقضات .. في زواج القاصرات !
د . سعد بن عبد القادر القويعي

 

كثيرا ما أفكر في واقعنا، وأتساءل مع نفسي: هل يعتبر زواج القاصرات انتهاكا واضحا للطفولة، وحقوقها النفسية والمعنوية والجسدية؟. وهل هو نوع جديد من تجارة الرق؟. -ولاسيما - وقد كثرت ظاهرة

زواج الفتيات اللاتي تقل أعمارهن عن «15» سنة بشكل لافت في وسائل الإعلام السعودية. كان آخرها: زواج طفلة القصيم البالغة من العمر «12» عاما، والتي زوجها والدها برجل ثمانيني، دون التفكير بالفتاة وطموحاتها وأحلامها، ولترمى في أحضان رجل يكبرها بعشرات السنين، مقابل أموال زائلة.

أرجو ألا يبقى واقعنا على هذه الحال، حتى لا تبقى الحسرة والمرارة في قلوبنا. فنحن بحاجة إلى صدور تنظيم يمنع مأذوني الأنكحة من عقد زواج صغيرات السن، حتى في حالة إصرار ولي أمرها، وتعزير وتأديب كل من يخالف النظام. وقد أفتى - الشيخ - محمد النجيمي، بأنه: لا يجوز تزويج الفتاة القاصر التي تكون دون سن الخامسة عشرة سنة، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: « تستأذن البكر وتستأمر الثيب «، وأنه لا بد أن تكون الفتاة بالغة راشدة، وذلك لا ينطبق على من لم تبلغ الخامسة عشرة.

لكن قد يرد على قول - الشيخ - محمد النجيمي بأن علامة بلوغ الفتاة، هي: إكمالها التسع سنوات، أو إتيانها الدورة الشهرية. - وبالتالي - فتحديد سن الثامنة عشرة لزواج الفتاة، هو: ما نص عليه المذهب الحنفي، والمعمول به في أغلب القوانين الوضعية، إذ إن الزواج عطاء متبادل، يصاحبه نضج عاطفي وعقلي ومعرفي ووجداني. ونظرا لعدم وجود تقنين مدني للمعاملات - عموما -، فيمكن أن يستعاض عن ذلك بنص المرافعات الشرعية، بتحديد سن الأهلية للذكر والأنثى في إبرام التصرفات بسن « 18 « عاما. وتجرم مثل هذه الزيجات، إذا رأى ولي الأمر ذلك، تنظيما للزواج، وحفاظا على المصلحة العامة من باب السياسة الشرعية، مما لا يتعدى حدود الشريعة وأصولها الكلية. فالبحث في النظام السياسي الإسلامي، وتطبيقه في الواقع، والاجتهاد في تكوين مؤسساته ووضع النظم واللوائح المنظمة لذلك، هو مما يدخل في السياسة الشرعية.

من جانب آخر: فإن هناك دراسات علمية يمكن قراءتها، تشير إلى ارتفاع نسبة النساء اللائي يعانين من مشاكل صحية وسط المتزوجات في سن صغيرة، مقارنة بمن تزوجن في سن أكبر، والمتمثلة: في تعقيدات أثناء الولادة المبكرة والولادة الناقصة، وتؤكد الدراسات: أن الزواج المبكر يتسبب عادة في ارتفاع ضغط الدم لدى الجنين والحامل، أو ما يسمى « بالتسمم الحملي «، وما يصاحبه من اختلال وظائف أعضاء الجسم التي قد تؤدي إلى انفجار الرحم، أو الحمل العنقودي وضغط العمود الفقري، والذي يقود إلى آلام مزمنة في الظهر. وتوضح الدراسات: أن الموت الناجم عن الحمل المبكر، يعتبر السبب الرئيسي لوفيات الفتيات ما بين سن الخامسة عشرة والتاسعة عشرة في جميع أنحاء العالم.

ويفسر - الدكتور - علي سلامة - استشاري الطب النفسي والإدمان -، الآثار النفسية المنطبعة على حياة الزوجات القاصرات، بالتالي:

(1)الحرمان: الحرمان من عاطفة والديها، الحرمان من حقها في اختيار الزوج، الحرمان من مرحلة الطفولة والمراهقة، الحرمان في حالة وفاة زوجها، وزواجها قسرا مرة ثانية.

(2)تكوين ناقص للشخصية: كما أن حرمانها من التعليم له أثر سلبي عليها وعلى أطفالها، فطفلة لم تتعلم القراءة والكتابة والتفكير السليم، ولم تكتسب أسسا في ثقافة تربية الطفل، يجعلها مصدرا لقرارات غير سليمة وحكيمة، وغير مهتمة وقادرة على تعليم أبنائها.

(3)العبودية: تصبح الزوجة القاصر مصابة بالعبودية للزوج وأهل الزوج، نظرا لصغر سنها - خاصة - بحصول الاعتداءات الجسدية واللفظية عليها.

(4)الشعور بالدونية: تشعر الزوجة القاصر أنها عبء ثقيل على أسرتها، وأنها مكروهة من قبلهم، نظرا لتزويجها في ذلك العمر الصغير، وتشعر الطفلة أنها مجرد سلعة تم بيعها والتخلص منها، ويسهم العامل الاقتصادي بشكل كبير في زواج القاصرات.

(5)الممارسة الجنسية القسرية: في أكثر من 80% من الفتيات القاصرات، تعبر فيها الفتاة عن عدم رغبتها في ممارسة الجنس، سواء في بداية الحياة الزوجية أو فيما بعد، ومن آثار هذه العلاقة الجنسية القسرية: تهتكات وتشوهات في الأعضاء التناسلية خارجيا وداخليا، تؤدي لمشاكل جسدية ونفسية سيئة - وخاصة - بعد المرور بمرحلة الحمل والولادة في سن مبكر، ويصبح الجنس والعذاب والألم مرتبطا ببعضه.

(6)الآثار الصحية المضرة بالأم وأطفالها: الحمل والولادة المبكرة - وخاصة - في مرحلة الطفولة والمراهقة، يعرض الأم وطفلها لكثير من المشاكل الصحية التي تنعكس سلبا على الحالة النفسية للأم القاصر، فهي قد لا تحظى بفرصة ولادة طبيعية، وتتعرض لمخاطر أثناء الولادة تهددها بالوفاة، - وغالبا - ما يكون الهدف من زواج القاصر إنجاب عدد كبير من الأبناء، لذلك يتم اختيارها في عمر صغير، فحسب نظرتهم: أن الزوجة القاصر صغيرة السن لديها فرصة لإنجاب عدد كبير من الأبناء.

(7)طلاق القاصرات: ترتفع نسبة الطلاق في زواج القاصرات بسبب المشاكل المترتبة عليه، نظرا لقلة خبرتها بالزواج، ولكونها غير مؤهلة لرعاية الزوج والأطفال وتدبير أمور المنزل، فهي ما تزال بعد طفلة، والغالب أن المطلقة القاصر هي التي تتحمل وزر الطلاق وليس الزوج، وأغلب المطلقات القاصرات يرفضن الزواج مرة أخرى.

(8) الآثار النفسية التي تعاني منها الزوجة القاصر: تعاني 50% من الزوجات القاصرات من الاكتئاب والقلق، وأنواع شتى من الاضطرابات النفسية التي قد تصل لمحاولات الانتحار وقتل أبنائها، وترتفع نسبة الانتحار إلى ما يقرب 10% من العينات المدروسة في بعض المجتمعات العربية، كما تعاني الزوجة القاصر من الوسواس القهري والتحولات النفس جسدية والتحولية. وقد تلجأ الضحية إلى المهدئات النفسية التي قد تستخدمها بشكل سيئ، للتغلب على تلك العوارض النفسية والذهنية المؤلمة.

وأخيراً (فالأطفال يفكرون في الترفيه والتسلية، أي: لديهم اهتمامات كثيرة تغلب على قضية الجنس، وإن تزوجت في هذه السن فلن تستطيع ممارسة تلك الاحتياجات في طفولتها، وحينما تتجاوز تلك المرحلة ستبدأ بالشعور بأنها لم تعش طفولتها، فتبدأ عليها أعراض اكتئابية بسبب إجبارها على ممارسة أمور لا ترغبها. ثم إن آثار الليلة الأولى على الطفلة المتزوجة خطيرة، طبعاً الطفلة مذعورة لا تعلم ما الذي يحدث معها، حتى وإن شعرت بنشوة جنسية فهي تستغرب هذا الأمر وتستنكره، ويصبح لديها خوف أو تهديد، - وبالتالي - يتشكل لديها برود جنسي في المستقبل، فتتعرض لإيذاء من قبل زوجها لإجبارها على ممارسة الجنس، أو أن يصبح لديها رغبة جنسية جامحة، بحيث ترى أن ما يقدم لها من زوجها لا يكفي, فتبحث عن المتعة الحرام).

بقي أن أقول: إن الشريعة الإسلامية تضمن غاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، فمبناها على تحصيل المصالح الأخروية والدنيوية ودرء المفاسد، من خلال معرفة الواقع وفهم دقائقه، والقدرة على الربط بين الواقع وبين الأدلة الشرعية، ومن ذلك: تحديد سن معين للزواج، تحقيقا للمصلحة ودفعا للمفسدة من غير مخالفة للشريعة، - وحينئذ - تجب طاعة ولي الأمر بنص القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمر مِنكُمْ}



drsasq@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد