Al Jazirah NewsPaper Sunday  14/02/2010 G Issue 13653
الأحد 30 صفر 1431   العدد  13653
 
ذاكرة الشيخ عبدالعزيز الخريف..صديق الأدباء والوراقين
عبدالله بن سالم الحميد

 

حضور أثير يمتلكه هذا الرجل الوفي حين تلتقي به، وأديب معبّر يجيد الإصغاء والصياغة فتتشكل أمام شخصيته مبررات التقدير، وتنبثق تجليات التعبير عن احترامه برغم عزوفه عن بوادر الاحتفاء والتبجيل.

عبدالعزيز الخريف رائد من روّاد التعليم، عشق الفكر والقراءة منذ زمن مبكر فامتزجت شخصيته بأضواء المعرفة ورؤى البيان حتى انسجمت مع توجُّهاته في متعة الحياة وعشق الوفاء.

كان أول لقاء شخصي معه قبل سنوات في رحاب الزميل الصديق معالي الشيخ صالح البراهيم بحريملاء حين كنت برفقة صديق العمر سمو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن سطام الذي لبى دعوة أريحية مباشرة من الشيخ عبدالعزيز الخريف في منزله المكتبة العامرة بالكتب المسكونة بنسيج من الذكريات المشرقة بحضوره البهي، فخرجنا نحمل مختارات من الكتب التي يحبُّ أن يهديها لزائريه، وقد كان نصيبي منها كتاب كنت أبحث عنه منذ زمن فابتهجت باقتنائه، والاحتفاء به بصفته هدية من صديق عزيز يؤثر توثيق عرى الصداقة بالكتاب الأثير والوفاء بالكتابة عن أصدقاء العمر تعبيراً عن حضورهم وتعاملهم وتأثيرهم في نسيج حياته، وتلك سجية مثلى تستغرق الوقت والجهد، وتستهلك المعاناة، ولكنها كنز ثمين في رصيد الحياة لا يقدره إلاّ النماذج الشاعرة بقيمة الإنسان في نسيج الحياة، ومكانته في الذاكرة والوجدان.

وقد كان أستاذي الشيخ عبدالعزيز الخريف واحداً من النماذج الذين استثمرت حضورهم في حياتي، وكسبته رافداً واعياً في برنامجي الأثيري بإذاعة الرياض بعنوان (رجال في الذاكرة) حيث استضفتُه غير مرّة متحدثاً عن نماذج من الشخصيات التي خدمت الفكر والمجتمع وتفاعلت مع الحياة فاستحقت التقدير، واشتركت مع زملائي القراء في متابعة قراءاته المعبّرة لنماذج من شخصيات المجتمع الذين يتناولهم بقلمه الوفيّ تقديراً لدورهم وحضورهم وعطاءاتهم.

والشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف ممن يعشق تجليات الشمس منذ تنفس الصباح على آفاق الكون، ويستمع بتلك الأجواء الروحانية وينسجم مع بركة البكور فتنعكس على نفسه بطاقات من الحضور والتفاعل والحركة الإيجابية الفعّالة التي تزيده تفاؤلاً ومتعة وحبوراً فيستثمرها في صياغة لوحات الوفاء والإخاء، وانطلاقات الإيثار والبوح والتمازج الأثيرة في هذه الحياة.

إن من يمتلك حسّاً وجدانياً وأفقاً غامراً، ورصيداً من الفكر واعياً وذاكرة صافية لابُد أن يتألق في حياته وينشر السعادة على الآفاق حوله، ومن أجمل بيادر الوفاء والثناء إضاءة طيوف الذكرى لصديق ودّع الحياة الدنيا، أو غادر موقعه إلى مرفأ آخر أو لفْت النظر نحو عزيز توارى في دهاليز النسيان لمبررات غير مقنعة لمحاولة استقطابه نحو الحضور الأمثل، أو إشعال الأضواء في طريق مبادرة نبلى تؤتي ثمارها للمجتمع والإنسانية، وذلك ما قرأته في توجهات هذا الإنسان المسكون بجبلة الوفاء الأستاذ عبدالعزيز الخريّف الذي يستنكف أبداً من وصفه بالشيخ فيقول لمحدّثه: إنّما الشيخ من يدبُّ دبيباً !! وينطلق من تشبّثات السكون إلى آفاق الحركة الإيجابية الطامحة إلى الارتقاء وتوثيق أواصر الانتماء والنماذج الرائعة الرائدة في حركة الحياة، وتجدّد الفرح، وتفتّح ورود التّعامل الأخلاقي النّبيل مع الناس والأفكار والمشروعات المتعانقة مع أشعة الشمس، أو الطامحة إلى مباشرة الضياء، فيتناول بقلمه المتدفّق أشتاتاً من فكر تلك المشروعات التي برزت، أو تلك التي يخشى عليها من ستائر النسيان والغياب، ولصاحبنا مع الحضور والغياب مواقف معبّرة يحاول فيها أن يضيء شموع الذكرى في وداع صديق عزيز أو حضور إنسان جدير بالإيلاف والثناء، ولن أنسى لمحاته الندّيات المكتظّة بالوفاء حين كتب عن شخصيات لها مكانة في الذاكرة والوجدان ومساحة في نفوس محبيها منهم على سبيل المثال:

الشيخ محمد بن ناصر العمراني من أعيان حريملاء، ذلك الرجل الذي أوتي من الحكمة والفراسة وبعد النظر، والحضور الواعي الأثير حتى في أواخر عمره المديد، نذر نفسه علمه لخدمة الناس في المعالجة بالطب الشعبي الذي يتقن أصوله وتفاصيله بما يؤثر ويثمر عن جدوى وتجربة مقنعة منبثقة من حدس ومعرفة وقراءة مكثفة واعية دون الحصول على مقابل على عمله - رحمه الله- فلا زال يعيش في أنسجة الذاكرة والوجدان محفوفاً بدعوات محبّيه.

الشيخ ناصر بن حمد المنقور رجل الدولة والرأي والتّعليم الذي أسهم في خدمة التعليم بالمملكة منذ البداية واستحق الوفاء والتكريم والتقدير والتوثيق والذكرى الأثيرة -رحمه الله-.

الشيخ الدكتور صالح بن عبدالرحمن الأطرم وهو أنموذج من فقهاء العصر المتواضعين، كان أحد أساتذتي في المعهد العلمي بالرياض وكلية الشريعة، عرف بسماحته في الخلق والتعامل مع أبنائه الطلبة، وانعكس ذلك على أسلوبه في الإفتاء والصياغة الفقهية في عمله فيما بعد -رحمه الله- فقد كان مثالاً للفقيه النزيه النبيل.

بالإضافة إلى تناول الأستاذ عبدالعزيز الخريّف بقلمه الوفي نماذج من الشخصيات الحاضرة المؤثرة في نسيج المجتمع وتوثيقه لتلك الشخصيات وبسط نماذج من أعمالها، فقد تناول نماذج من المشروعات الاجتماعية الرائعة التي أثمرت في المجتمع وأضاءت خلاياه بحضورها مثل نموذج «الجمعية التعاونية بحريملاء» الذي يمكن أن يستفاد من فعالياته وتجلياته في نماذج مثالية نموذجية في مناطق ومدن ومحافظات شتّى تعيد صياغة الوشيجة الاجتماعية وتسهم في تنمية الوعي الاجتماعي لتوثيق عرى الصلة والتكافل الاجتماعي في خضمّ زحمة مشغلات الحياة، وأنموذج (مدارس تعليم القرآن في حريملاء) الذي كان يدعمه وينفق عليه بسخاء الشيخ محمد صالح بن سلطان -رحمه لله- فقد لفت الأستاذ عبدالعزيز الخريف الأنظار إلى أهمية حضور هذه المشروعات، وأؤكد هنا أهمية توثيق مثل هذه الأعمال الاجتماعية النبلى التي تشمل الثقافة والتعليم والرعاية، ولاسيما إذا تم ترسيخ وثائقيتها وحضورها بتخصيص (جائزة قيمة) تحمل اسم الداعم المحسن وتجدّد ذكراه في النفوس ووجدان كل الناس، وتبرز القدوة الحسنة التي تستمرّ بعد الحياة.

* إن إضاءة هذه الجوانب والأرجاء والأطياف من أهم عناصر التوثيق والوفاء للمجتمع والإنسانية لا يحفل بها إلاّ نماذج من الأعضاء الفعّالة في نسيجه المعنية بتقدير من عاشوا وتعاملوا، ووثقوا خطواتهم في الحياة بأعمال إن لم تستطع أن تتحدّث بنفسها فلابُدّ أن هناك أقلاماً وألسنة شاهدة على حضورها تستطيع أن تنطق وتتحدّث وتصوغ لوحات التقدير والوفاء والتكريم، من تلك الألسنة الوفيّة والأقلام الأثيرة شخصية الأستاذ عبدالعزيز الخريّف الذي آثر أن يحتضن الكتاب والقلم ونماذج العطاء والإضاءة أصدقاء يألفهم ويألفونه، ويعبّر عن حضورهم في خلايا الحياة وتجلّيات العمر إلى الأبد، لذلك ظل صديق التراث والعلم والأدب، أليف الكتب والوراقين.

w.w.w.Alhymiad.com



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد