Al Jazirah NewsPaper Monday  29/03/2010 G Issue 13696
الأثنين 13 ربيع الثاني 1431   العدد  13696
 
في ضيافة مسلمي الهند
د. إبراهيم بن عبد الله المطلق

 

كُلِّفت من قِبل معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل، بل شرّفني بالمشاركة في دورة علمية للجامعة السلفية في مدينة (بنارس) في الهند، هذه المدينة التي تبعد عن العاصمة دلهي قرابة 700 كم والتي لا يقل عدد سكانها عن مليوني نسمة ونسبة المسلمين فيهم لا تقل عن 20% تقريباً.

وصلت لمدينة بنارس صباح يوم الجمعة الموافق 5 مارس، وفوجئت أنّ إدارة الجامعة بدءاً من مديرها والأمين العام، قد خرجوا للمطار لاستقبالي وبكل حفاوة وتكريم.

وقد طلبت منهم إيصالي لفندق خمس نجوم وعلى نفقتي الخاصة، وقد تعمّدت ذلك لأنّ فنادق الخمس نجوم آمنة كثيراً وفي مدينة تتلاطم أمواجها بالأطياف والملل والنحل والمذاهب والجماعات المتشددة بأنواعها وأشكالها وزيارتي لها تُعَد الزيارة الأولى.

قالوا لي أبشر بما يسرّك ووصلنا لمقر الجامعة وفتح الحارس الباب، وإذا ببرج سكني قد كُتب على بابه (منزل عاهل المملكة العربية السعودية خالد بن عبد العزيز) قالوا لي هذا فندق خمس نجوم وسكنت شقة داخل البرج بكامل خدماتها.

برج سكني في غاية الفخامة لطلبة العلم وضيوف الجامعة وعلى نفقة الملك خالد بن عبد العزيز - رحمه الله - وليس ذلك غريباً على ملوك آل سعود، فقد زرت عدداً من دول العالم ولا تكاد تفتقد اسم أحدهم إما في مؤسسة تعليمية أو مسجد أم مركز إسلامي أو أقل الأحوال في طريق ذي أهمية بالغة، مما يؤكد كرمهم ومؤازرتهم للمسلمين في أصقاع المعمورة واهتمامهم بالأقليات الإسلامية في العالم.

بدأ برنامج الدورة صباح السبت الموافق 6 مارس وبعد قراءة آي من القرآن الحكيم وتواصل برامج حفل الافتتاح، ألقى رئيس الجامعة كلمة ترحيبية تضمّنت غالب فقراتها الثناء العطر على جهود المملكة العربية السعودية في دعم هذه الجامعة، بدءاً من التأسيس وحتى هذه اللحظة، حيث تجاوز عمر الجامعة خمسين عاماً أو تزيد، فأشاد بزيارة الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - للمدينة بنارس قبيل تأسيس الجامعة والتي على إثرها تم وضع حجر الأساس، ثم أشاد بجهود الملك فيصل - رحمه الله - في دعم الجامعة ومن ذلك توجيه سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - نائب مدير الجامعة الإسلامية آنذاك بتكليف عدد من العلماء والمشايخ بزيارة الجامعة زيارات علمية والمشاركة العلمية فيها وقد تم بالفعل، حيث أمضى عدد من علماء وأكاديميي الجامعة الإسلامية قرابة السنتين يدرسون في الجامعة ومنهم الشيخ عبد القادر شيبة الحمد وغيره من علماء وفضلاء الجامعة الإسلامية ومدرسي الحرم المدني الشريف، ومن ذلك أيضاً تكليف الشيخ العلامة محمد بن عبد الله بن سبيل بزيارة الجامعة، وقد توّجت هذه الزيارة بافتتاحه لجامع الجامعة بخطبة مباركة احتشدت لها وفود عظيمة من غالب أحياء المدينة بل المدن الأخرى، كيف لا وهو إمام وخطيب الحرم المكي وقد حلّ ضيفاً عليهم، فترجموا بزحامهم الشديد لشهود خطبة الجمعة والتشرف بالسلام على الشيخ، حبهم الشديد للمملكة وحكامها وعلمائها.

هذه الحشود ممن هدوا للمنهج الإسلامي الوسط والعقيدة الدينية الصافية والكثير منهم من خريجي تلكم الجامعة أو خريجي بعض جامعات المملكة، أما رموز الانحراف العقدي أو الضلال الفكري فلا ينتظر منهم إلاّ مزيداً من الحقد والمكر وكيل التهم، والله تعالى لهم بالمرصاد ... {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، ووجود الجامعة ونشاطها لا يزيدهم إلاً وهناً.

كما تضمّنت كلمة الأمين العام كذلك الثناء البالغ على جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعلى معالي مديرها الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل، على دعمهم العلمي للجامعة وتواصلهم معها وتلبيتهم للدعوة.

لن أبالغ إن قلت إنّ عدد الصحف المحلية التي ساهمت في تغطية وقائع الدورة العلمية لا تقل عن عشر صحف وكذلك التلفزيون الرسمي للمدينة، وقد وجِّهت لي عدد من الأسئلة بحكم أنني ضيف الدورة تتعلّق بدور المملكة بمواجهة الإرهاب، وقد أكدت على أنّ المملكة تحتل الرقم 1 عالمياً في مواجهة الإرهاب والتصدي للأفكار المتطرفة، كما أجبت على سؤال تضمّن الحكمة من مشاركة المملكة في مثل هذه الدورات بأنّ المملكة تسعى دائماً لبيان المنهج المعتدل والتأكيد للعالم على سماحة دين الإسلام وبُعده عن جميع أنواع الأخلاق والسلوكيات المتطرفة، وأنه دين العدل والمساواة والرحمة بالإنسانية جمعاء {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، ويدل على ذلك حسن أخلاق نبي هذا الدين وحسن تعامله مع جميع أصناف البشر بمن فيهم غير المسلمين ممن كانوا من سكان المدينة، وضربت مثلاً بالغلام اليهودي الذي كان يخدمه عليه السلام ورهن درعه عند يهودي قبيل وفاته عليه السلام في عملية بيع وشراء، مما يؤكد معاملته الحسنة لهؤلاء مع بقائهم على مللهم ودياناتهم وعدم إلزامهم بالدخول في الإسلام أو قتلهم والإساءة لهم.

سرّني كثيراً أنّ جميع هذه الصحف من الغد أشادت بجهود المملكة في مواجهة الإرهاب والتطرُّف الفكري، وكتبتْ تحت هذا العنوان كلاماً يسرّ الصديق ويغيظ العدو.

ما أود أن أشير إليه هنا ضرورة إحياء سنّة المشاركات العلمية والدعوية والتي كانت بلا حدود قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر ونفع الله بها نفعاً بلا حدود أيضاً.

أقول إحياء هذه السنّة من قِبل المملكة والتواصل مع المسلمين في أصقاع الأرض في غاية الأهمية، لما يترتب عليه من تصحيح لكثير من الأفكار المتطرّفة وتقويم نظرة المجتمعات الأخرى للمملكة وتصحيح مفاهيم مغلوطة تجاهها من الكثير من المجتمعات الأخرى سيما مع وجود رموز وقيادات فكرية وسياسية حاقدة على المملكة حقداً بلا حدود، وتنفث هذه القيادات سمومها وأحقادها في تلك المجتمعات بين الآونة والأخرى، فتأتي الحاجة الماسّة لتنفيذ ومواجهة ما يبث من سموم وعداء ماكر في نفس المجتمعات، ومن خلال دورات علمية ومشاركات بالمؤتمرات والندوات والجولات الدعوية وخطب الجمعة.

وإن تحقّق هذا فهو مشروط بحسن اختيار من يرشّح لمثل تلكم الأنشطة والمشاركات، ممن شهد لهم بالصلاح والصدق وسلامة المعتقد وحسن الولاء والمحبة الخالصة لهذا الوطن العملاق وولائه وعلمائه ومقدساته.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد