Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/04/2010 G Issue 13699
الخميس 16 ربيع الثاني 1431   العدد  13699
 
بمناسبة اليوبيل الفضي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة:
ربع قرن من الفعل التنويري والحضاري: ماذا قدَّم؟ وماذا نريد منه؟ وما دور وزارة الثقافة المنتظرة؟! (1-2)
د. محمد عبدالله العوين

 

ربع قرن من عمر نهضة هذا الوطن..

ربع قرن مرَّ.. ونحن لا ندري أن الزمن يمر بهذه الصورة الخاطفة السريعة.. ربع قرن يؤكد وبدون أدنى شك..

بُعد نظر القائد الملهم وعُمق رؤيته وتطلعه المبكر إلى أن يكون لنا «وجود» مؤثر على الخارطة العربية فكرياً وأدبياً.

ربع قرن من الزمان كان ثمرة جهد فكري وعقلي نيّر ومضيء في مسيرة القائد الفذ عبدالله بن عبدالعزيز الحضارية الذي بدأ في تحقيق أحلامه الكبيرة لهذا الوطن قبل ستين عاماً تقريباً مع أول مهمة عملية تولاها.. فخرج بأفواج الحرس الوطني مطلع الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي من ثكنات ومجاميع عسكرية محدودة المستوى والتنظيم والتعليم.. إلى مؤسسة حضارية عصرية فارهة.. وعلى أعلى مستوى علمي وصحي وتثقيفي وتنظيمي.

ولعل الصورة تكون جلية حين نتأمل في مسيرة القائد التنويرية المنفتحة المبكرة، فمن الحرس الوطني المؤسسة الحضارية الكبرى.. إلى المهرجان الوطني للتراث والثقافة بتطوراته المتلاحقة وعمق أهدافه الاتصالية والتنويرية البعيدة، إلى الحوار الوطني وإشاعة مبدأ التسامح وتعميق حس المواطنة والولاء للوطن الكبير وفق نظرية: أن الاختلاف لا يعني الخلاف، إلى الحملة الشجاعة على الفكر الإرهابي واجتثاث جذوره وتجفيف منابعه، إلى مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الذي حقق إلى الآن ابتعاث أكثر من ثمانين ألفاً من الشبان والشابات في مختلف التخصصات.. وإلى أكثر من عشرين بلداً متقدماً.. ويؤمل أن يحقق ضعف هذا الرقم في نهاية المرحلة الثانية التي تمتد خمس سنوات أخرى بدأت مع مطلع هذا العام الهجري، إلى جامعة: «الملك عبدالله للعلوم والتقنية».. الجامعة الرائدة المنفتحة على ثقافات العالم وإنجازاته العلمية، وجامعة الأميرة نورة التي ستكون في مقرها الجديد بالقرب من مطار الملك خالد أنموذجاً للازدهار والتطور العلمي وتأسيس الكوادر والطاقات النسائية السعودية عالية التأهيل، إلى التوسع في إنشاء الجامعات السعودية وتأسيس مقرات حضارية نموذجية للجديد منها، ودعم فكرة التوسع في الجامعات القديمة مثل: الملك سعود والإمام والملك عبدالعزيز لتكون بنى وقلاعاً علمية متواصلة التأثير والإضافة.. هذا ما هو بيّن على أرض الواقع مادياً.. أما معنوياً، فإن رؤية الملك القائد للأحداث وتطوراتها بعد مأساة 11 من سبتمبر دفعته إلى أن يُعجِّل من خطوات الانفتاح على العالم.. وأن يمتص ويخفف من الممانعة الاجتماعية.. ليستطيع مجتمعنا الاندغام في العولمة والتعاطي مع الثقافات العالمية وتخفيف آثار الصدمة من التطرف.. وما كونته من رؤى سلبية عن بلادنا، وقد حققت طموحات القائد وأفكاره النيّرة نجاحاً كبيراً في هذا السبيل، فمجتمعنا الآن أقل احتقاناً وأكثر انفتاحاً من مجتمعنا قبل عقد من الزمان، وما يُكتب ويُبث وما تُدار حوله النقاشات والحوارات لم نكن نحلم بطرقه.. أو الحديث عنه قبل خطوات التحديث والمواجهة الحضارية المدروسة بحكمة وبُعد نظر من لدن الملك عبدالله -حفظه الله-.

ولو عدنا إلى الوراء عقوداً سبعة من الزمان لوجدنا كيف بدأنا مجتمعاً ودولة مسيرة التحديث بحذر.. تواصلاً مع خطوات قديمة بدأتها الدولة مع تأسيس أول معهد علمي بمكة المكرمة في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ثم دار التوحيد، ومع أول مطبوعة سعودية هي: «أم القرى» عام 1343هـ.. إلى تأسيس أول كلية كانت نواة لجامعة المستقبل برعاية الأمير فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- إبان كان وزيراً للمعارف.. إلى البدء بأول خطوة في أصعب مهمة واجهتها الدولة لتحديث هذا المجتمع، وهي مهمة تعليم المرأة في عهد الملك سعود -رحمه الله- التي ووجهت بمقاومة غبية عنيفة في البدء، إلى إدخال أول وسيلة إعلامية في عهد الملك عبدالعزيز عام 1369هـ.. ثم التلفزيون في عهد الملك فيصل عام 1385هـ.. وما واجهه من معارضة حامية تلاشت مع الزمن، إلى مواجهة الردة الحضارية الثانية.. وهي فتنة الحرم عام 1400هـ.. بعد الفتنة الأولى مع الإخوان من البادية في السبلة عام 1349هـ.. ثم الفتنة الثالثة مع تيار التكفير والإرهاب عام 1423هـ التي واجهها الملك عبدالله بكل الشجاعة والبسالة.. وما زلنا نعيش والعالم بقايا تداعياتها إلى الآن.. ووقفت الدولة بحزم وعزم وقوة في سبيل أن تسير هذه البلاد في خططها التطويرية المنفتحة باتزان على العالم.. وأن تؤسس مجتمعاً حضارياً متقدماً ومؤثراً ومتعاطياً مع المعرفة ونتاج الفكر الإنساني مع الحفاظ على الهوية الذاتية.

ربع قرن يمر كالأحلام السريعة بما حمله من متغيرات انقلابية في المفاهيم.. ومن اكتشافات مذهلة في وسائط الاتصال والتقارب المعرفي وأحداث جِسام غيَّرت أيدولوجيات وأسقطت إمبراطوريات ودولاً.. وأزاحت أنظمة متحكمة.. وأعادت تقسيم العالم من جديد إلى كتلة واحدة مهيمنة.. بدل أن كان يُحكم وفق تجاذب كتلتين.

ربع قرن يمر سريعاً بأثقاله ومتغيراته وانقلاباته وإضافاته وتحولاته.. ونحن نرقب ونتأثر ونؤثر إيجاباً بما نمنحه من حولنا من ثمار الفكر والأدب والعلم، والعالم الآخر من خيرات هذه الأرض الطيبة، وسلباً بما رسمه نفر ضئيل جاهل أحمق من أبنائنا عنا من صورة سلبية لا تُشكِّل شيئاً حقيقياً ولا تمنح صورة كلية عن مجتمعنا بكامل أطيافه، مع الاعتراف بأن أولئك النفر الضئيل الضال لم يخرج من فراغ ولم يأت من الهواء، بل كانت له بيئة وله منابت، لكنها بيئة محدودة ومنابت غير ممتدة ولا عميقة، أسرعت الدولة والمجتمع إلى اجتثاثها سريعاً وبذر بذور خيّرة معطية محبة متسامحة محلها.. ولعلنا نرى ثمارها قريبة -إن شاء الله.

ربع قرن يمر وذاكراتنا الوطنية تعود إلى الوراء.. حين كنا نحلم بأن نَعرف وأن نُعرف..!

نحلم بأن نعرف المؤثرين في خارطة الثقافة العربية، وأن يعرفنا أولئك المؤثرون كما نحن.. لا كما نُصور وهماً أو خطأ أو جهلاً أو تقصُّداً!.

أتذكر بدايات التطلع إلى التواصل التي يسَّرها فكر القائد العظيم من خلال مناشط هذا المهرجان في بداياته الأولى.. حين كان فكرة باذخة في ذهنه قبل أن نجدها مكتملة زاهية على أرض الواقع بعد سنتين أو ثلاث من الخطوة الأولى التي بدأت عام 1405هـ.

كنا ثلة من الإذاعيين نكلف بنقل وقائع سباق الهجن الكبير أوائل عام 1401هـ.. ولم يكن من متعة أخرى في هذا التكليف غير هذا المنشط.. إلى أن تبلورت في ذهن القائد المخطط والمفكر الإستراتيجي عبدالله بن عبدالعزيز الإفادة من هذا السباق السنوي ليكون التفاتة مخلصة وفية نحو التراث.. وكل ما يتصل به، فكانت البداية عام 1405هـ فلكلوراً وأهازيج وأكلات وطرائق حياة الآباء والأجداد، ودُعي إلى حضور هذه المشاهد التراثية نخباً مختارة من المثقفين العرب وغير العرب، ثم ارتأى القائد عبدالله بن عبدالعزيز بوعيه الاستشرافي وحسه الفكري أن يتوسع هذا المهرجان في الدورات التالية، ليكون احتفالاً وطنياً ثقافياً وتراثياً شاملاً، فتوسعت الدعوات ووضعت برامج وندوات ومحاور شارك فيها مئات المفكرين العرب من كل الأطياف، وتم اختيار مواضع الجدل والسخونة الأيدولوجية والفكرية، وتمت أيضاً دعوة من يعتقد أن لديهم أفكاراً غير حقيقية عن المملكة، أو أنه قد وقر في أذهانهم تصورات وهمية عن بلادنا نتيجة حملات فكر اليسار المناوئ في المنطقة العربية - آنذاك - فكان لا بد من أن يأتوا إلينا ليروا وطننا.. وما أنجز بعيداً عن غوغائية الحملات الإعلامية، ويحاوروا المثقفين السعوديين.. ويقتنوا نتاجاتهم الأدبية والفكرية.



ksa-7007@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد