Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/04/2010 G Issue 13727
الخميس 15 جمادى الأول 1431   العدد  13727
 
رحم الله أديب الفقهاء وفقيه الأدباء..!
د. حسن بن فهد الهويمل

 

كان أحمد المبارك واحداً من أفاضل مَنْ عرفت، ولم يكن الحرف وحده المؤاخي بيني وبينه، كما لم يكن بُعدْ المزار حائلاً دون افتعال المناسبات للظفر بأكبر قدر من الوقت معه، سمعت به وكان ملء السمع والبصر، وحين لقيته لم أقل: «أهذا المغيريُّ الذي كان يذكر» بل طابق الخبر الخبر.. وكل من لاقيت يبدي إعجابه وإكباره؛ وفي كل مؤتمر أو تجمع نخبوي تراه واسطة العقد، يتحلق الكبار والصغار من حوله لينهلوا من معينه الصافي والمتدفق، ذاكرة قوية حافظة، يتدفق علماً ومعرفة وسيرة تاريخية، إن تحدث عن لداته ومجايليه نفحك بسير عطرة وأخبار جليلة، وإن تحدث عن نفسه قدم لك أطرافاً من التاريخ المحلي الحديث بوصفه واحداً من بُنَاته، وإن روى لك طرائف التاريخ وعلم الرجال أغدق على سامعيه سير الأبطال وبناة الحضارة، عاصر الملك عبد العزيز ورافق أبناءه من بعده، وسجلت ذاكرته القوية أطرافاً من سيرهم العطرة، ودعك من حفظه للمعلقات والمقامات ومقتطفات الغزل العفيف واللطائف والنوادر، إنه يتوفر على ذاكرة قوية لا يند عنها ما قرأه وما شاهده وما مارسه، ولهذا لا يبيح أحد من جلسائه لنفسه أن يتحدث بحضرته، فالجميع آذان صاغية وعيون محدقة، ومع سخائه في إمتاع المجالس بشهي القول فإنه كريم حين تزوره في «أحديته» التي كان لي شرف الإسهام في بعض مناشطها، وبيته كان مثابة للزوار من الأصدقاء والعلماء والطلاب وعشاق الكلمة الطيبة.

لقد كان وفياً لحكومته حين نهض بكثير من مهماتها، ووفياً لها بعد أن أقعدته الشيخوخة ينشر فضائل قادتها ويروي تاريخ رجالاتها، سليم العقيدة نظيف السريرة يلقى مريديه بالهشاشة والبشاشة واللطافة والتواضع، ينطوي على ثقافة واسعة ويشارك في قضايا متعددة ويغلب على أحاديثه الإمتاع، فهو لا يثقل على سامعيه ولا يضايق مستمعيه، متفائل ينظر إلى الوجه المشرق من الحياة، جاد لا يزجي الوقت بفائض القول، وحافظة تتداعى عنده الآيات والأحاديث والأبيات والحكم والأمثال فهو بحق موسوعة ثقافية تمشي بالأسواق.

كرمته الدولة وقلده ملك الإنسانية وسام المؤسس من الدرجة الأولى، وكنت ممن شرف بترشيحه في مجموعة المشورة التي يعقدها المهرجان الوطني للتراث والثقافة ويفتتح جلساتها معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري رحمه الله، وحين طرح اسمه أجمع الكل على أهليته وأحقيته، وذكرياته في سفارته وأسفاره وابتعاثه حين يرويها تتمنى لو وقفت دورة الفلك ليقف الزمان ويمضي في روايته.

لقد قرأت عن القصاص والمذكرين وأصحاب المقامات فوجدته حين يتحدث خير شاهد على براعتهم وإمتاعهم.

وسيرته التي كتبها والحلقات الممتعة التي أغراه بكتابتها في (المجلة العربية) زميلنا وصديقنا الأستاذ حمد القاضي من أمتع السير الذاتية، وكم نحن بحاجة إلى مزيد من السير الذاتية يكتبها العلماء والأدباء ورجال الدولة أمثال معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر وأبي عبد الرحمن بن عقيل وأضرابهم، ففي جعب هؤلاء ما يمتع الفؤاد ويفيد الناشئة.

رحم الله أديب الفقهاء وفقيه الأدباء العالم العلامة الشيخ أحمد بن علي المبارك (1337-1431هـ) الذي جعل من «أحديته» رابطة أدبية يدعو إليها الأدباء والعلماء وكبار الشخصيات، وبوفاته تكون أحديته قد تجاوزت العقدين من عمرها المديد، فالأمل بأنجاله وأسرته أن يتعهدوها وأن تظل رافداً أدبياً وعلميا،ً كما ظلت «خميسية» علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله.

لقد ظل وفياً للعلم والأدب طول حياته وأجزم أنه سيظل كذلك بعد وفاته، وليس غريباً أن يكون الفقيد بهذا المستوى المشرف وأن يصل أنجاله وأحفاده ما انقطع، فالأسرة كلها أسرة علم وكرم واحتفاء بجلائل الأعمال، ولقد أشرت في رسالتي للدكتوراه إلى الأسر العلمية في مناطق المملكة وأثرها المتميز في فترة التكوين وفترة البناء وفترة الانطلاق.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد