Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/06/2010 G Issue 13764
السبت 22 جمادىالآخرة 1431   العدد  13764
 
ماذا بعد ؟!
اقتصاد الظل.. إلى متى سيظل يفتكُ بنا؟!
عبدالحميد العمري *

 

السؤال القديم والجديد على حدٍّ سواء؛ هل يوجد لدينا في السعودية ما اصطلح على تسميته باقتصاد الظل، أو الاقتصاد الأسود، أو الاقتصاد الخفي؟! الإجابة أتت من مصدرين مختلفين بأنه (نعم) يوجد لدينا هذا النوع من الاقتصاد؛ الأول: من الهيئات والمنظمات الدولية فلا اقتصاد على وجه الأرض يخلو من هذا الاقتصاد.

أمّا المصدر الثاني: فوفقاً لتوافر أهم مسببات تشكّل هذا النوع من الاقتصاد ممثلةً في زيادة أعداد العمالة من الأجانب، والقصور في الكثير من الأنظمة والوسائل الرقابية التي تحد منه، إضافةً إلى عددٍ من المؤشرات الأخرى سآتي على ذكرها فيما سيأتي لاحقاً من هذا المقال، فإن البيئة التي يحتاجها هذا النوع الاقتصاد متوافرة بدرجة (الامتياز). ولمن يتساءل عن ماهية هذا الاقتصاد المتعدد الأسماء المرعبة، أدعوه إلى متابعة قراءة المقال بالاعتماد على أكثر التسميات اعتماداً في الأروقة الاقتصادية الدولية ممثلاً في مصطلح (اقتصاد الظل)، والذي يُعرّف على أنه: الجزء من الاقتصاد الكلي الذي يشمل بالإضافة إلى الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة كافّة أشكال الدخل التي لا يُعبّر عنها رسمياً والتي يتم تحصيلها من إنتاج السلع والخدمات المشروعة، سواءً كانت من المعاملات النقدية أو المعاملات التي تتم بنظام المقايضة. تتنوع وتتوزع أغلب أنشطته في مجالاتٍ مشتقة من الأنشطة التقليدية المتعارف عليها في الاقتصاد الكلي؛ غير أنها تتم بعيداً عن دوائر الرقابة والمتابعة والإحصاءات الرسمية، أي أنها تتم بصورةٍ غير شرعية! ولهذا فهي تشمل تجارة التجزئة والسلع الاستهلاكية التقليدية «غير المعمرة»، وعمليات التجارة المرتبطة ببيع الفواكه والخضار والسلع الزراعية، كما تشمل المتاجرة بالذهب والأحجار الكريمة، وتجارة المواشي، وتجارة السلع المعمرة، إضافةً إلى الأنشطة المرتبطة بقطاع البناء والتشييد، وقطاع الخدمات كالدعاية والإعلان، وامتدت حتى قطاع الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية، وتسويق وبيع برامج الحاسب الآلي ونسخها بصورٍ غير مشروعة.

كما يجدر ذكره هنا أن مخالفات التستر الواسعة الانتشار في الكثير من أنشطة البقالات والمحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة كمحلات الحلاقة والسباكة والصيانة الكهربائية والخياطة وغيرها من الكثير من الأنشطة التجارية الفردية التي لا تتطلب مهاراتٍ عالية، والتي تمتد عبر أرجاء المدن والقرى في السعودية طولاً وعرضاً.

قام صندوق النقد الدولي خلال الفترة 1988-2000 بوضع تقديراتٍ له عبر عينة إحصائية ضمّتْ نحو 84 بلداً حسب ما يلي: في البلدان النامية شكّل اقتصاد الظل كنسبة ما بين 35 و 44 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لتلك البلدان، وفي بلدان التحول الاقتصادي شكّل كنسبة ما بين 21 و 30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لتلك البلدان، وأخيراً في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ما بين 14 و 16 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لتلك البلدان. وبناءً عليه؛ وبوصف الاقتصاد السعودي منتمياً لشريحة البلدان الناشئة يمكن أن يُقدّر حجم اقتصاد الظل فيه بنسب تتراوح بين 34 إلى 44 في المائة من إجمالي الناتج المحلي؛ أي ما يُمكن أن تتراوح قيمته المالية بين 450 مليار ريال و 560 مليار ريال!! وقد تكون هذه الأرقام المرعبة أحد أهم التفسيرات وراء ارتفاع حجم التسرب المالي والاقتصادي الذي يعاني منه الاقتصاد السعودي؛ الذي تجاوز فقط خلال العام الماضي 2009م أكثر من 84 مليار ريال، ويتوقع أن يتجاوز بنهاية هذا العام وفقاً للإحصاءات التي صدرتْ حتى نهاية أبريل من هذا العام سقف 100 مليار ريال، أي ما يفوق 12 في المائة من حجم الاقتصاد! وفي رأيي أن هذا الخلل يعكس في أحد جوانبه قصوراً واضحاً من قبل وزارة الاقتصاد والتخطيط في عدم تغطيتها بالدراسة والبحث والتقصّي في الكشف عن مخاطر وحجم هذا الاقتصاد الخفي لدينا، بل ويزداد الأمر أهمية وحساسية حالما يتأكد لدينا الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة (تحديداً غير الماهرة) التي يُقدّر بلوغها أكثر من 7 ملايين عامل، تقفُ وراء صناعة وترسيخ أسس هذا السرطان الاقتصادي الجاثم في أحشاء اقتصادنا الوطني. في حين أنه ليس عذراً مقبولاً أن يأتي من قد يقول لاحقاً، أنه يوجد بين تلك الشرائح من العمالة الأجنبية عمالة مواطنة، وجدتْ فرصاً للعمل والتكسب والعيش في أحضان هذا الاقتصاد الموازي؛ لعل من أهم أسبابه عدم توافر فرص العمل أمامها في سوق العمل المحلية!!!

أين تكمن الخطورة في هذا الصدد؟ إنها تكمن في اتساع نشاطات الاقتصاد الموازي (اقتصاد الظل) بصورةٍ عامة؛ في أنه كلما زاد نموه وتوسّع نطاقه، زاد إمكانية اجتذابه لمدخلات الإنتاج الاقتصاد الرسمي بشكلٍ تدريجي، وهذا بدوره السلبي جداً سيؤدي إلى إضعاف معدل نمو الاقتصاد الرسمي. وفيما يتعلق بالاقتصاد السعودي فبالإضافة إلى الخطر العام المذكور أعلاه، يُضاف إليه ما يلي:

الأثر الثاني: تعطيل وإفشال سياسات السعودة، ومن ثم زيادة معدلات البطالة بين صفوف المواطنين والمواطنات.

الأثر الثالث: زيادة التسرب الاقتصادي في السعودية؛ بسبب ارتفاع حجم التحويلات المالية إلى الخارج من قبل تلك العمالة المخالفة للأنظمة، وللتعرف على خطورة هذا الأثر ماذا يمكن أن يُقال أمام حجم من التحويلات عبر القنوات الرسمية فقط وصل إلى 1.3 تريليون ريال خلال العقدين الماضيين؟!

الأثر الرابع: تضييق الخناق على المدخرات الوطنية، وتقليص الفرص والمجالات الاستثمارية المتاحة والمطلوبة لتتحول إلى استثمارات يتم توظيفها في خدمة الاقتصاد والوطن. الأثر الخامس– زيادة معدلات الفقر بين أفراد المجتمع بسبب انعدام التوظيف ومن ثم الدخل المادي الجيد الممكن تحقيقه؛ من خلال إتاحة الفرصة لأولئك الأفراد المواطنين بالعمل في تلك الأسواق والنشاطات التي استحوذ عليها الاقتصاد الموازي، الذي كان سيمنع بدوره من وقوع كثيرٍ من الأسر والأفراد في براثن الفقر والعوز.

هذا عدا آثاره الاجتماعية الأخرى السلبية، حينما تتحقق الآثار الاقتصادية والمالية السلبية السالفة الذكر، فلا شك أنه يتبعها الكثير من الآثار السلبية اجتماعياً! فماذا سيتبع انعدام فرص الاستثمار، وفرص العمل، التي ستساهم في رفع مستوى دخل المواطن؟! إلا أن تتسع دوائر البطالة والفقر، والتي ستؤدي إلى تردّي مستويات التنمية الإنسانية والبشرية لدى الشرائح الضحية، وهو سيساهم في تهيئة وتمهيد السبل المؤدية إلى انتشار الجريمة والرذيلة، بل وإلى تهيئة الأوضاع أحياناً لانتشار الأمراض والأوبئة المدمرة في المجتمع، إضافةً إلى زيادة احتمال تحقق الكثير من المظاهر الاجتماعية السلبية كالطلاق والترمل ودخول رب الأسرة إلى السجن إما بسبب عدم القدرة على سداد الديون أو للتورط في جرائم الاختلاس والسرقة، وتشتت أفراد أسرته لاحقاً، وما لا يُمكن حصره هنا من الآثار المدمرة اجتماعياً.

ختاماً؛ إن مجرّد زيادة فعالية الأنظمة الرقابية القائمة، وزيادة تأهيل وتدريب الكوادر البشرية العاملة على تنفيذها، إضافةً إلى وضع حوافز مالية مجزية لتلك الكوادر من شأنه أن يحد كثيراً من اتساع وتيرة هذا النشاط الخطير على الاقتصاد الوطني ومقدراته. الكثير من مشاكلنا الاقتصادية والمالية ليس بحاجةٍ سنِّ قوانين وأنظمة جديدة، بقدر ما أنه في أمسِّ الحاجة إلى رفع كفاءة التطبيق والتنفيذ والرقابة والمتابعة، ولا أكثر من ذلك.

كما يجب أن تضطلع وزارة الاقتصاد والتخطيط بالتعاون مع وزارة التجارة والبلديات المحلية بأدوارها ومسؤولياتها المتعلقة بضرورة الكشف عن حجم الاقتصاد الموازي لدينا، وإيضاح بؤر تركزه في الاقتصاد، وتوفير البيانات والإحصاءات المنتظمة اللازمة لدراسة وبحث هذا الاقتصاد، والتي بدورها ستساهم في الحدِّ من اتساعه مرحلة بعد مرحلة.

عضو جمعية الاقتصاد السعودية


me@abdulhamid.net

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد