Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/06/2010 G Issue 13779
الأحد 08 رجب 1431   العدد  13779
 
ابن جلوي.. تاريخ حافل بالعدل والفضل.. مليء ما بين الثرى والثريا
متعب بن صالح الفرزان

 

الأمير عبدالله بن جلوي ابن الإمام تركي بن عبدالله ابن الإمام محمد بن سعود الفارس المشهور والشجاع المعروف، وأحد الذين صحبوا الملك عبدالعزيز ورافقوه في مسيرته التاريخية عندما قدم إلى الرياض لاستعادتها عام 1319هـ مع أنه كان يكبر الملك عبدالعزيز سناً.. حيث ولد في مدينة الرياض عام 1287هـ.. لكنه كان رفيق صباه وابن عمه.

وعندما هاجر الإمام عبدالرحمن إلى الكويت التحق الأمير عبدالله بن جلوي بعمه الإمام عبدالرحمن.. وعند العودة لاستعادة الرياض كان في مقدمة الذين صحبوا عبدالعزيز في هجومه التاريخي على حصن المصمك.

ولم يُعرف أن الأمير عبدالله تخلف عن معركة من معارك توحيد الجزيرة.. بل كان أحد القادة والمستشارين الكبار لرفيقه وصديقه الملك عبدالعزيز.. وكان ترديد اسمه كفيلاً بترويع الخصوم.. كما كانت صرامته من أولى دواعي إقلاع المفسدين عن فسادهم.

فمنذ نشأة عبدالله بن جلوي ارتبط ب (عبدالعزيز) حتى قبل استرداد الرياض.. ولم تكن العلاقة بينهما مجرد صلة قرابة وأهداف مشتركة ومصير واحد.. بل كانت مزيجاً من الصداقة العميقة الممتزجة بالحب والولاء والوفاء المترفع عن المطامع الشخصية.

والمعروف أنه هو الذي قتل عجلان بن محمد أمير الرياض من قبل ابن رشيد بعد أن كاد يهرب إلى داخل القلعة ليلة أن هاجم عبد العزيز ورفاقه حصن المصمك وبعد الاستيلاء على القصيم كان الملك عبدالعزيز شديد الحاجة لسلطة حازمة تمكنه من إحكام قبضته على القصيم فلم يجد خيراً من ابن عمه عبدالله بن جلوي ليكون الحاكم السعودي الجديد للقصيم، فكان أول أمير سعودي يشغل هذا المنصب منذ فترة حكم والده الأمير (جلوي بن تركي) على (القصيم) في عهد فيصل بن تركي.

وقد امتدت فترة حكمه في القصيم من عام 1326هـ إلى عام 1331هـ.. وقد قام بمهام الحكم على أكمل وجه فلم تعد القصيم مركزاً للاضطراب أو مصدراً للقلق.

وبحكم عبدالله بن جلوي على بريدة انتهت الفتن في شمال نجد.. وفر الاستقرار والأمن فكان له دور فعَّال ومؤثر في الحفاظ على الأموال.

وقد كان الأهالي يعانون من التعب والمشقة للحفاظ على أموالهم فمنع الحراسة ليلاً.. وأعلن أن من يُسرق منه شيء (فليأت لي) لذلك هابته الناس.

وفي جمادى الأولى 1331هـ ولاّه عبدالعزيز حكم الأحساء حيث تمكن من إقامة الأمن وتوطيده في المنطقة وامتد ليشمل ساحل الخليج.. وذلك على أسس من الشريعة الإسلامية وتنفيذ أحكامها تنفيذاً لا يعرف التردد أو التميُّز أو الرأفة.

ولذلك تميزت فترة حكمه بالأمان والعدل الشامل، ويؤكد ذلك مخطوطة (عبد الله صالح المطوع) التي يذكر فيها أحوال الأحساء بعد أن تولى عبدالله بن جلوي حكمها فقال: (أقام فيها الشرع وبسط القطع وجرد السيف وقطع دابر المعتدين وأصبحت مضرب المثل في الأمن، تسير فيها القوافل محمّلة بغوالي الأموال وليس معها حارس ولا خفير وقد يعجز البعير فيبقى الحمل مطروحاً على قارعة الطريق أياماً وشهوراً لا يُرى عليه أحد.. بل يذهب المار بعيداً.. أو يعدل عن الطريق خوفاً من أن يُرى أثره.. هكذا كان الحال في زمنه).

يقول الزركلي: ضرب على أنوف أهل الشغب وأنام الرأفة وأيقظ العقاب، حتى إنه أبعد الأغنياء عن مجالسه مخافة محاباة أحدهم.. ولذلك تجلت في أحكامه أروع صور العدالة.

وعندما يجلس في كرسي القضاء لا تجلس معه الرحمة ولا المحاباة.

ولذلك يطلق أمين الريحاني على عبدالله بن جلوي لقب (عمر الأحساء) فهو قائل العبارة الشهيرة: (إذا كنا لا نبدأ بأنفسنا فكيف نعدل في غيرنا؟)، وهنا تتجلى حكمة العدل.

وعضدت الروايات الشفهية مبلغ حرصه على إقرار العدل بين الناس فتؤكد كيف أنه جمع أهل بيته وأخبرهم أن الجميع سواسية أمام القضاء حتى لا يجرؤ أحد منهم على الخروج عن الجادة وإلا سيجد أقصى صنوف العقاب.

كان يتفقد بنفسه ولا يخفى عليه أمر والويل لمن خالف أوامره.. وإذا خرجت الشرطة للقبض على المجرمين.. فما هي إلا لحظات حتى يمثل المجرم أمام عدل عبد الله وهو ما جعل الناس آمنين لا يتعدى أحد على أحد.

وطيلة ثلاثة وعشرين عاماً كان عبد الله بن جلوي سيفاً مسلولاً مسلطاً على رقاب المذنبين وفيصلاً حاسماً يمثل عدالة الشريعة الإسلامية.

وتوفي عن عمر يناهز أربعة وستين عاماً في العام 1354هـ.. تاركاً عدداً من الأبناء والأحفاد غير من توفي قبله.. أو استشهد من أبنائه إبان عمليات توحيد الجزيرة والقضاء على الفتن فيها.. رحمه الله رحمة واسعة.

وكان لوفاته رنة أسى وحزن لدى كل من عرفه أو صحبه.. وكان الملك عبدالعزيز وأبناؤه بخاصة وآل سعود بعامة هم أشد الناس حزناً لوفاته.

– العمارية


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد