Al Jazirah NewsPaper Monday  26/07/2010 G Issue 13815
الأثنين 14 شعبان 1431   العدد  13815
 

دفق قلم
على قدر الاستطاعة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

تذكرت قول الله تعالى في آخر سورة البقرة ?لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.. الآية? حينما قرأت طرفاً من أخبار الشيخ (محمد بن علي السنوسي) - يرحمه الله - صاحب الحركة السنوسية في (لوبية) وهو الاسم السابق لدولة - ليبيا حالياً -، وهو من أعيان بلاد المغرب العربي في القرن الثالث عشر الهجري، وقد بقيت حركته زمناً حتى أسقطتها الثورة في ليبيا.

تذكرت هذه الآية الكريمة حينما قرأت عن قيام هذا الرجل بما كان يقدر عليه في مناصرة الأفارقة الذين وقعوا في أيدي تجار الرقيق الأوروبيين، فماذا كان يصنع الشيخ (محمد بن علي السنوسي)؟

يقول الخبر: كان الشيخ محمد يعبِّر عن ألمه العميق لما يقوم به من أطلقوا على أنفسهم مكتشفي القارة الافريقية السوداء من رجال أعمال وقراصنة البلاد الأوروبية، من سطوٍ على الفقراء والمساكين من شعوب أفريقيا، واحتلالٍ لبلادهم، واغتصابٍ لأراضيهم، وأخذ الآلاف منهم عبيداً يُبَاعون لإقطاعيي أوروبا في أسوأ حركة بيع للرقيق عرفتها البشرية.

كان يرى السفن الأوروبية التي ترسو في طريق رحلتها البحرية على بعض الشواطئ المغربية، ويرى القوافل تزدحم بأولئك الأفارقة الأبرياء الذين يتحولون إلى عبيدٍ يباعون في أسواق الرقيق بين عشية وضحاها. كان يرى ذلك ويتألم له، ولم يكن يستطيع أن يقف في وجه تلك القوافل ليخلص أولئك المنكوبين، ولكنه بعد تفكير ودراسة للأمر قرَّر أن يشتري - قدر ما يستطيع - أعداداً من الأفارقة، وكان معظمهم من الوثنيين، على أن يقوم بتعليمهم، ودعوتهم إلى الإسلام ثم يعتقهم ويردُّهم إلى بلادهم أحراراً كما كانوا فيها قبل اختطافهم، ودُعاةً إلى دين الإسلام، فيقلب بهذا العمل السحر على الساحر.

وقد نفَّذ الشيخ (محمد بن علي السنوسي) ذلك، وبدأ يعترض قوافل الأوروبيين ويشتري منها أعداداً كبيرة من الأفارقة، ويبقيهم عنده أربع سنين يعلمهم فيها القراءة والكتابة، ويدعوهم فيها إلى الإسلام، ويعلمهم القرآن والسنَّة ويؤهلهم للدّعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ثم يعيدهم إلى بلادهم دعاةً إلى الإسلام، ويتولَّى الإنفاق عليهم، وقد ظلَّ على ذلك زمناً استطاع فيه بتوفيق الله أن يقوم بدورٍ مشهود في نشر الإسلام في أفريقيا السوداء.

هنا عمل على قدر الاستطاعة، يؤكد لنا أن الإنسان الذي يضع لنفسه هدفاً سامياً في الحياة يستطيع - بإذن الله - أن يتجاوز عقبات المستحيل، وغير الممكن، بناء جسور العزم والتصميم، والقيام بما يستطيع، وعدم احتقار (المستطاع) مهما كان قليلاً أو ضعيفاً أمام العقبات والصعوبات التي تواجهه.

موقفٌ من المواقف التي تقدِّم للناس دروساً عملية تحميهم من الارتكاس في خنادق اليأس والقنوط، والضعف والوهن.

إن الله سبحانه وتعالى أعلم بقدرات عباده وطاقاتهم، فهو لا يطلب منهم أن يكلفوا أنفسهم فوق ما تستطيع، وإنما يأمرهم ببذل الجهد، وينهاهم عن التكاسل والتواكل، وقد أكد الرسول عليه الصلاة والسلام هذا المعنى بقوله (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، ولهذا، فإن المطلوب منا أن نقدِّم ما نقدر عليه، ونقوم بما نستطيع، ففي ذلك بركة وخير كثير - إذا صدق العزم وصلحت النيَّة - والناس يختلفون في مدى استطاعتهم، فمنهم من هو عالي الهمَّة قويُّ العزيمة، قادر على احتمال عظائم الأمور، وعلى القيام بالأعمال الكبيرة، ومنهم من هو دون ذلك قدراً واستطاعة، فإذا بذل كلُّ إنسان ما يستطيع تحققت منافع كثيرة للعباد والبلاد، وتخلَّصت الأمة من ضعفها وشعورها بالهزيمة.

وقد رأينا في قيام ذلك الشيخ محمد السنوسي بما استطاع من الخير الكثير والعمل الجليل ما يؤكد أهمية تربية الإنسان على بذل المجهود، والله سبحانه وتعالى يسدد ويعين ولا يُضيع أجر المحسنين.

إشارة

في منهج الإسلام صَقْل نفوسِنا

وإليه عند الحادثاتِ نثوب.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد