Al Jazirah NewsPaper Friday  30/07/2010 G Issue 13819
الجمعة 18 شعبان 1431   العدد  13819
 
روائح زكية وألوان زاهية تنافس العطور الفرنسية والأزياء الإيطالية
موسم الإجازات والأفراح يجدد تمسك الجيزانيات بالنباتات العطرية والملابس التقليدية

 

جازان - سجى علاقي

في الوقت التي تغزو العطور الفرنسية والأزياء الإيطالية أسواقنا تبقى المرأة الجيزانية متمسكة بزيها الشعبي وبروائح النباتات العطرية فالمرأة في جازان تمتاز بحفاظها على تراث الماضي وهاهي الإجازة الصيفية موعد الأفراح والمناسبات تجسد ملحمة من تواصل الإنسان مع ماضيه والمتأمل لشوارع جازان اليوم يلمس حركة شراء النباتات العطرية وهو يتنفس الروائح الزكية في كل أطرافها.

وتعد منطقة جازان من أشهر المناطق التي تنتشر فيها النباتات العطرية ذات الروائح الزكية والفواحة التي تعتبر من الموروثات الشعبية الرائعة التي لا زالت تجد إقبالاً كبيراً من جميع فئات المجتمع على الرغم من توفر أشهر ماركات العطور الفرنسية والأوربية الأخرى إلا أن تلك النباتات العطرية احتفظت بقيمتها وأصالتها ورونقها الجميل بين أهالي المنطقة ولازال لها محبوها وعشاقها من جميع أطياف المجتمع.

ونظرا لطبيعتها الساحرة ومرتفعاتها الخضراء وسهولها وأوديتها التي تتدفق على مدار السنة مع سقوط الأمطار ميزها الله بأن أنبت فيها أزهاراً شذية وزكية من نباتات الجبال العطرية.

وتستمر المرأة في جازان بالتمسك بماضيها العريق الغني بالعادات الجيزانية خاصة أيام المناسبات والأفراح ومن هذه العادات الزي الشعبي الذي لا يقتصر على تزيين العروس في الأفراح وإنما أهلها وأقاربها وصديقاتها والفتيات الصغيرات في الأعياد.

و قد تتزين المرأة بلبس الفل والكادي في تصفيف عجيب وأشكال مختلفة تترجم لوحة من الجمال والزينة الممزوج بأطياب وأعطار نباتية أزكي من أعطار السوق المصنعة تعرف ب(الخطور)، وقد يتنافسن النساء في الأعراس والمناسبات الخاصة بهن في ارتدائه والتجمل به في أشكال جمالية تزيد الجمال والأنوثة حسنا وعذوبة وجمالا.

وهذه النباتات العطرية الخضراء الزكية جسد منها أهالي المنطقة ونساؤهن تقاليد عظيمة وأشكالا جمالية رائعة تنوعت بتنوع اللبس والتفنن بمختلف أشكاله من مجتمع لآخر ومن بيئة لأخرى.

التنوع والتعدد

وحول أشهر النباتات العطرية التي اشتهرت بها منطقة جازان يتحدث بائع النباتات العطرية إبراهيم الكنديري قائلاً: تختلف النباتات العطرية في الأنواع حسب أماكن زراعتها وتشتهر الأودية بإنتاج « الدوش والوزاب والصيمران والشار والريحان والفاغي». وأضاف بائع النباتات العطرية قائلاً: والمناطق الجبلية تشتهر بإنتاج «الشيح، الكادي، البياض، الرنجس، الغليم، النرجس، الشذاب، الواله، الفلّ بأنواعه (قريشي وعزان)».

الأكثر شهرة ورواجاً

وحول أشهر النباتات العطرية تحدث علي حتيمش بائع النباتات العطرية للجزيرة قائلاً: من أكثر النباتات شهرة هو الكادي الذي يطلق عليه سيد النباتات العطرية له رائحة عطرية يكثر في مواسم نزول الأمطار ومن المعروف أن الكادي له أوقات معينه لقطفه فهو لا يقطف إلا مع الفجر أو عند الغروب, وقد تختلف أسعاره ففي الصيف يباع بضعف السعر الذي يباع في الشتاء.

وأضاف حتيمش أنه بجانب شهرة الكادي يعتبر الفل أيضا من أهم النباتات العطرية التي تتميز بها منطقة جازان والفل المتميز ذو النسمة الزكية الرائعة وتسمى شجرته ب(الرديمة) تتمتع جازان بأراضٍ خصبة جيدة لزراعة أنواع عديدة ومختلفة من الفل ومن أشهرها الفل الجازاني المعروف ب(القريشي) والفل (العزاني) ذو الحبة الطويلة.

والفل القريشي هو الأكثر انتشارا واستخداما حيث تحتاج زراعته إلى درجة حرارة عالية وعناية فائقة من قبل المزارعين.

أما استخدام الفل (العزاني) فهو قليل لدى النساء وكثير لدى الرجال والشباب من سكان المنطقة حيث يوضع على شكل عصابة توضع على الرأس وهي طريقة تعتبر شيئاً من التراث وخاصة لدى سكان المناطق الجبلية فقد عرفوا بها وما زالوا محافظين عليها من باب التراث والزينة.

السحلة والسبسوب

وهذه التنوع في النباتات العطرية أسهمت في تنوع استخدامها بين النساء من ناحية وضعها في شعورهن ولمعرفة أبرز المسميات واختلافها عن بعضها تحدتث عائشة محمد قائلة: من ضمن الأسماء التي عرفها النساء هي (المصر) الذي يعمل من الفل المنظوم ويغطي الرأس كاملا يصل إلى نصف الظهر, وشكل آخر عرف (بالفستان الكامل من الفل)، وقد اشتهر حديثا ما يسمى (الكوفية), أيضا (السحلة) وهي تعمل بترتيب الفل فوق الخضار والكادي بشكل عرضي، وهناك (السبسوب) يكون بنفس مواصفات السحلة ولكن يكون (المشلف) أصغر حجما وبشكل عمودي, وفي حلق الآذان حيث تباع في محلات الذهب (شيلات) أي حلق خاصة لتعبئتها بالفل، بالإضافة إلى (العضيه) و(الشلفه) المرتبة بخليط من الخطور والكادي وفل عزان ممزوجة بأزكى أطياب الطبيعة والعودة والعنبر مضيفة إليها المرأة من أسرار أنوثتها أعطر الأشياء وأزكاها.

وتضيف عائشة أن المصر والكوفيه والسحلة والسبسوب وغيرها تمنح المرأة جمالاً جذاباً أفضل بكثير من التسريحات الحديثة التي تضر الشعر لاستخدام المواد الكيميائية فيها بينما التسريحات الجيزانية مفيدة لصحة الشعر فهي تتكون من نباتات عطرية طبيعية.

تاج من النباتات العطرية

وتحدثت (المقينة) سلمى صالح وهي المسؤولة عن تزيين رأس العروس قائلة إن من عادات الزواج في جازان تخصيص ليلة تلي ليلة الزفاف حيث تتزين العروس بالعظية والخطور والكادي بالفل الكامل على الرأس ولبس الكثير من فعوات الفل والكباشة وهذه الليلة تلبس العروس الفستان المخصص للعظية وهو( الميل) حيث يجتمعن النساء وأكثرهن متجملات بتلك الصفة وتسمى هذه الليلة (المقيل).

وتكون طريقة العظية أن أقوم بتمشيط شعر العروس ووضع قليل من الزيت في الشعر وتفريق الشعر إلى نصفين ب(المضربة) وهي عبارة عن إبرة كبيرة وليست حادة حتى يكون الخط مستوياً وليس فيه اعوجاج.

وبعد ذلك يوضع الطيب على الرأس والطيب مكون من مجموعة من الأشياء التي تشترى من عند العطار وهي عبارة عن المحلب الأبيض ويطحن في المطحنة ويوضع فيه العفص وكذلك الظفر وهذا يستخرج من بطن البحر وينظف، ثم يحمص في تراب ونار وبعد ذلك يطحن ويوضع فيه مجموعة من العطور الخاصة مثل عطر العنبر وعطر صوت العرب وغيرها كثير، البعض من النساء وخاصة الكبيرات يفضلن وضع الزبد الأسود و(الحسن) بضم الحاء هو مسحوق أحمر يوضع في مفرق الرأس من الأمام، كذلك يضاف (المجموع) وهو عبارة عن خلطة من جميع العطور ويوضع مع الطيب في العضية- أي في الشعر ثم يضفر الشعر وتعرف بداية الضفيرة ب(المدمج) وبعدها تقوم المقينة بربط الخضار والكادي ومجموعة من الأعشاب العطرية منها الطرق - والواله - الشيح - الخضار - الكادي كل هذه تجمع وتربط بخيط ثم توضع في الرأس وتثبت بواسطة خيط من خلال المدمج ثم يربط عليها المصر وهو عبارة عن الشال، ثم يوضع (الشماس) وهو عبارة عن قطعة قماش تشبه الكلفة يكون فيها قطع معدنية متراصة بعضها على بعض بطريقة مخصصة وهذه القطع تشبه النقود المعدنية يطلق عليها (الجنيهات) ويمكن أن تتوفر بصف أو صفين حسب الرغبة ويوضع في مقدمة الرأس وفوق الجبهة ويكون على (القصة) بضم القاف وهي بداية شعر الرأس ابتداء من الجبهة وما فوق وتسمى(الحفة) بضم الحاء أيضا والتي تفرق مع الشعر (ساني) أي بشكل متساوٍ بحيث يقسم الشعر إلى نصفين، بعد ذلك يرتب الفل على المشلف من بداية الرأس إلى الحد الذي ينتهي إليه المشلف.

وبعد التوليبة تقوم العروس بلبس الميل الجيزاني - أي اللبس الجيزاني وهو عبارة عن ثوب به زخارف ملونة ومطعمة بالخيوط الذهبية والفضية وتكون فيه نقوشات على شكل الطاووس ويسمى عند العامة ميل (أبو طاووس) يتواجد بألوان رائعة منها الأزرق والوردي والأحمر والأخضر, كذلك (المقنع) يكون بشكل طرحة مزركشة توضع فوق الرأس على الفل، ثم تقوم العروس بوضع جميع الذهب وهو عبارة عن أربعة عشر بنجل ذهب، قلادة، عنق أو(مخنق)، (الرصة) وهي سوار من الجنيهات الذهبية,عشرة خواتم، كف وحزام يوضع على البطن.

للفل الجازاني أشكال متعددة ومختلفة منها (المسابح) وهو نوع صغير على شكل المسبحة وأيضا نوع يسمى الكباشة وهو عقد طويل عادة يلبس على الصدر ومنه المبروم وهو الكبش الذي يكون مزين بالورود وحجمه أكبر من الكبش وكلاهما يلبسا مع السحلة أو بدونها.

التجدد بنكهة الماضي

تقول حنان العلي إحدى مالكات المشاغل النسائية بجازان إنه لم يقتصر التزين بالفل داخل المنازل فقط بل أصبحت الكثير من المشاغل النسائية والكوفيرات يتخصصن في هذا المجال لكثرة طلب النساء في جازان التزين بتلك الهيئة وذلك للحفاظ على العادات والتقاليد التراثية القديمة مع مزجها بموضات التجميل الحديثة.

ملابس تقليدية

ومن جانبها تحدتث فوزية صالح عن تنوعت الملابس النسائية في المنطقة قائلة: هناك ملابس تميز بها القسم الجبلي وأخرى القسم الساحلي وتميزت الملابس الجبلية بزهاء ألوانها وقلة تنوعها إلا أن ملابس القسم الساحلي تنوعت أشكالها ومسمياتها وألوانها أيضاً ولها مسميات( كالزم - الميل - الكرتة - الثوب الميل- المقنع وأسماء أخرى كثيرة).

لأول مرة بالزي الشعبي!

من جانبها مها عبدالعزيز تقول لم يحدث في حياتي أن جربت الزي الشعبي صحيح أنه تراث أجدادي ولكن كل جيل يختلف عن الجيل الذي يليه لا أنكر أنه جميل ولكن كنت أخاف من ردة فعل صديقاتي وأخاف أن يقولوا زيها قديم وليس مناسب لسنها أو غير مواكب للموضة حتى جاء اليوم الذي جربته وقد كان في عقد قران عمي ودرجت العادة في هذه المناسبة أن يكونوا أهل العريس يرتدون الزي الشعبي ويضعون كل ما يتعلق بالزي من الإكسسوار والثوب الميل والفل وغيره أما أنا فقد قمت بإضافة بعض من اللمسات الحديثة على الثوب أو في طريقة الزينة التي توضع على الفل من الورود أو الإكسسوار بمختلف أنواعه فأعجبت بشكلي وناسبني كثيرا حتى أن صديقاتي أعجبوا بمظهري وقد كنت متميزة بالرغم من أنه تراث قديم إلا أن له لمسته في أوقاته المميزة من المناسبات.

كنت أرفض التراث

و تتحدث سهام علي قائلة لقد مر الآن شهرين على زواجي فقد كنت قبل زفافي أرفض عمل الليلة الثانية حتى لا يراني زوجي وأنا بالزي القديم كنت أتعرض لضغط كبير من أهلي حتى لا يحرجوا من المجتمع لأن هذا اليوم مهم في كل زفاف بمنطقة جازان حتى جاء الطلب من زوجي بأنه يريد أن يراني بزي التراث واضطررت أن ألبي له رغبته فوافقت وفوجئت بتجهيز أهلي لجميع مستلزمات الزي أما أنا فلم أكن مقتنعة بهذه الفكرة حتى جاءت الليلة الثانية وقد كنت خائفة ألا يناسبني الزي جاءت المقينة وعملت لي السحلة بعدها ذهبت لألبس الثوب الميل والإكسسوارت عندما خرجت من غرفتي كان الجميع مذهولا بإعجاب حتى أحسست بالإحراج، أما زوجي فلا تعليق.

لا بديل للعطور النباتية

و تؤكد نجوى سلطان أنا من عشاق العطور بماركاتها الفرنسية والأوروبية حتى ذهبت مرة إلى أقارب زوجي لزيارتهم فكانت تفوح منهم رائحة لم أستطع تمييزها لخبرتي في كثير من العطور فسألت زوجي ما هذه الرائحة الزكية لم أصادفها في محلات الماركات التي أبتاع منها فرد زوجي هذه رائحة النباتات العطرية والمجموع والبخور الجيزاني التي تضاهي ماركات العالم أجمع فسمعتنا حماتي ولم تتركني أذهب لبيتي إلا وأنا تفوح مني نفس الرائحة وأعطتني بعض من النباتات العطرية لأضعها في بيتي ومن البخور لأبخر ملابسي ومنزلي وقليل من المجموع لأعطر به شعري.

وختاماً ها هي المرأة الجيزانية تبقى صامدة لتحافظ على أصالة الماضي في تزينها بالنباتات العطرية والملابس التقليدية بالرغم من الموضة الولادة كل يوم بكل جديد.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد