Al Jazirah NewsPaper Tuesday  03/08/2010 G Issue 13823
الثلاثاء 22 شعبان 1431   العدد  13823
 
وزارة المياه ومرافق بين البيروقراطية والاحترافية
فضل بن سعد البوعينين

 

كيف يمكن اعتماد مخصصات مالية كافية لمعالجة مشكلات طارئة لم يُعترف بها رسميا من قبل الوزارة المعنية؟؛ وكيف يمكن إدراج مشروعات حيوية في ميزانية الدولة للعام القادم ما لم تُطالب بها الوزارة، أو إداراتها التابعة، وتدعم مطالبتها بالأرقام التي تثبت أولوية المشروع وأهميته القصوى للمدينة، أو المنطقة بشكل عام؟؛ وكيف يمكن الوصول إلى الحلول الناجعة لمشكلة لم يُعترف بوجودها على أرض الواقع؟.

قال أحد الشعراء:»لأستسهلن الصعبَ أو أدرك المُنَى»، أي لَيَجعلن العسير سهلا حتى يَبلُغَ ما يتمناه، وهذا خلاف ما يفعله الإخوة في قطاع المياه والصرف الذين يستسهلون المشكلات العظيمة، لا بقصد إيجاد الحلول الناجعة لها، بل لتمييعها أمام الرأي العام والمسؤولين، وإلا كيف نفسر تعقيب مدير عام المياه بالمنطقة الشرقية، المهندس أحمد البسام، على خبر مراسل الجزيرة الزميل عيسى الخاطر، المعنون ب»مسلسل بحيرات الصرف الصحي بالجبيل يتواصل ويبحث عن حلول» والذي جاء فيه:» نفيدكم بأن تلك التسربات تحدث بفعل انسدادات طارئة»، ثم (يأمل) سعادته من مسؤولي الشركات»التعاون مع المديرية لتوعية عمالتها بخطورة تصريف المواد الصلبة والزيوت والمخلفات التي تكون سببا في انسداد الخطوط والتأثير على أدائها بشكل كبير».

لأكثر من ستة أشهر ومدينة الجبيل تتعرض لكارثة بيئية من الدرجة الأولى تمثلت في طفح مياه الصرف الصحي وجريانها في شوارع المدينة، واختلاطها بمياه الشرب، وتسرب جزء منها إلى البحر، وتنجيسها المساجد والمصلين، وتسببها في خسائر اقتصادية للدولة، وللقطاع التجاري. المشكلات الطارئة لا يمكن أن تحدث بشكل منتظم، وتستمر لأكثر من ستة أشهر، أو أن تكون نتيجة مباشرة لقصور التخطيط الذي جعل المدينة في مواجهة مع أزمات الطفح المستمرة؛ إلا أن تكون الوزارة، أو الإدارة المعنية بحلها غائبة أو مغيبة!. مشكلة الطفح في مدينة الجبيل حدثت بسبب عجز الشبكة الحالية المصممة لخدمة 100 ألف نسمة عن استيعاب تصريف مواد ناتجة عن أكثر من 400 ألف نسمة؛ إضافة إلى قدم الشبكة، وضعف كفاءة المحطات، وتعطل أجهزة الرفع، وسوء إدارة الشبكة ومتابعتها، وضعف التجهيزات المتاحة لمصلحة المياه في المحافظة، وغياب خطط الطواريء والتخطيط الإستراتيجي للاحتياجات المستقبلية. أما المواد الصلبة والزيوت، فعلى الرغم من تأثيرها السلبي على أنابيب الصرف، إلا أنه لا يمكن جعلها السبب الرئيس لما يحدث من طفح مستمر في المدينة. مصلحة المياه لا تمتلك محطات معالجة لمياه الصرف الصحي، ما يجعلها غير قادرة على استيعاب ما يُضَخ في شبكتها المحلية، وللتخلص من تلك المخلفات تقوم بتصريف المياه إلى شركة مرافق التي لا تستطيع في الوقت الحالي تحمل ما تُنتجه مدينة الجبيل من مخلفات سائلة بسبب بلوغها السقف الأعلى للمعالجة. تلقي كميات إضافية يعني تحويل مواقع الطفح من الجبيل إلى موقع الشركة، أو ربما محطة الاستقبال الرئيسة، أو مواقع أخرى وبذلك تبقى المشكلة مُعلقة وبعيدة كل البعد عن الحلول الدائمة؛ ومن جهة أخرى فشركة مرافق تتعامل مع مصلحة المياه وفق الأسس التجارية، ما يجعلها مطالبة بحفظ حقوق مساهميها من خلال تحصيل الفواتير المترتبة على المصلحة، وهي حقوق تُحجم المصلحة عن الإقرار بها، فكيف بسدادها!؛ ومع ذلك تستمر مرافق في عملها الإيجابي لإيجاد الحلول العاجلة، والدائمة لمشكلة الطفح في الجبيل. ملكية الحكومة لشركة مرافق يساعد في إرجاء التقاص بينها والإدارات الحكومية، إلا أن الأمر سيُصبح مختلفا بعد طرح جزء من حصة الحكومة للمواطنين؛ وهو ما يستدعي وضوح نوعية العلاقة المستقبلية، وكيفية استمرار مرافق في تقديم خدماتها لمدينة الجبيل وفق النظام.

مشكلة الطفح لا يمكن فصلها عن أزمة المياه المحلاة في مدينة الجبيل؛ الواقعة بين محطتي تحلية مرافق، والمؤسسة العامة لتحلية المياه؛ مدينة عطشى على ضفاف نهرين جاريين دفعت الدولة مليارات الريالات لإنشائهما على سواحل المدينة. أزمة الطفح ستتبعها قريبا أزمة المياه، التي تشتكي منها بعض أحياء المدينة حاليا. وفرة المياه المحلاة لم تُقابل بإمكانيات الخزن، النقل، والتوزيع؛ والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة ما تسبب في هدر كميات كبيرة من المياه المنتجة التي كلفت الدولة مليارات الريالات.

بيروقراطية العمل الحكومي، وتدني مستوى الكفاءة مسؤولان عما يكابده المواطن من أزمات. لو عملت بعض الوزارات الخدمية بعقلية الشركات الكفؤة كشركة سابك، أرامكو، ومرافق؛ أو بعض الهيئات الحكومية كالهيئة الملكية للجبيل وينبع، فربما نافست خدماتنا المدنية خدمات الدول المتقدمة.

عودا على بدء، فأزمة تسرب مياه الصرف الصحي بالجبيل لن تنتهي طالما أن هناك من يبرر حدوثها، أو يختزل أسبابها بالمخلفات الصلبة والزيوت؛ وهو أمر تحدثت عنه في مقالات سابقة، أشرت فيها إلى أن حل أزمة شبكة الصرف الصحي في الجبيل هو تحويلها بالكلية إلى شركة مرافق التي يفترض أن تكون مسؤولة عن المياه والصرف الصحي في مدينتي الجبيل، والجبيل الصناعية. العمل الاحترافي الذي تقوم به شركة مرافق هو الكفيل بإيجاد الحلول الدائمة، والعاجلة للمشكلة، ومن خلالها يمكن ضمان جودة الأداء مستقبلا، والحصول على دراسة شاملة تأخذ في الحسبان الحاجات المستقبلية للمدينة ما يجعلها بعيدة كل البعد عن الأزمات المتكررة. إشراف شركة مرافق على شبكة الجبيل يجعلها أكثر اطلاعا بالاحتياجات المستقبلية ما يُعينها على رسم خططها التوسعية وفق نظرة مستقبلية واضحة تجعلها بعيدة كل البعد عن المفاجآت؛ خطط التوسع الحالية في محطة مرافق يُفترض أن تأخذ في الحسبان احتياجات مدينة الجبيل الآنية والمستقبلية. الأمر يحتاج إلى ترتيبات رسمية تضمن الحقوق، وتكفل الصلاحيات، وتحدد إطار العمل المؤسسي بوضوح بعيدا عن التداخلات الإدارية. الأداء الاحترافي في شركة مرافق يجعلنا أكثر اطمئنانا بإيجاد الحلول الناجعة لأزمتي الصرف الصحي والمياه في المنطقة، بل لعلي لا أبالغ إذ ما قُلت أن الشركة تقوم بمهام وأعمال وزارة متخصصة رغم حداثة عهدها، ويبقى مُهَندِسها ثامر الشرهان، رئيسا مُثقلا بمهام وزير.

***



f.albuainain@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد