Al Jazirah NewsPaper Tuesday  31/08/2010 G Issue 13851
الثلاثاء 21 رمضان 1431   العدد  13851
 
غازي القصيبي رجل في رجال
محمد صالح البليهشي

 

رحمك الله يا أيها القصيبي رحمة الأبرار وغفر لك وأدخلك فسيح جناته.. إنها دعوات الكثيرين في هذا الوطن على امتداد مساحاته ومختلف اتجاهاته.. لقد كان موتك خسارة للوطن ولا اعتراض لقدرة رب العالمين ولكنك العزيز الأثير لدى كل مواطن يعرف قدر الوطن ورجاله المخلصين وأنت يرحمك الله واحد من الأفذاذ المخلصين الذين

امتلأت نفوسهم وعقولهم حباً وإخلاصاً وتضحية لهذه البلاد ولذلك كان ركضك وإخلاصك طوال حياتك مما حسبه لك وقدرك به كل مخلص وعلى رأسهم جميعاً ولاة الأمر في هذه البقعة العزيزة برجالها أمثالك يرحمك الله..

عفواً يا أبا (يارا) لم أتعامل معك ولم أعرفك قبل ذلك اليوم.. قبل ما يقارب ثلاثين عاماً يوم أن أتيت إلى طيبة الطيبة لإلقاء محاضرة بناديها الأدبي بتاريخ 12-2-1402هـ بعنوان (قصيدة.. أعجبتني) ويومها شكل النادي وفداً لاستقبالك من أعضاء النادي وإدارته برئاسة رئيس النادي الأستاذ المرحوم عبد العزيز الربيع وكنت ضمن ذلك الوفد حيث كنت شغوفاً برؤيتك قائلاً في نفسي كشاب معجب: إنها فرصة لرؤية هذا القصيبي الذي كان شعلة من النشاط الأدبي والإداري في كل موقع يحل به. ولا أنسى تلك اللحظات التي قابلناك فيها بابتسامتك ودماثة خلقك بمطار المدينة المنورة (مطار الأمير محمد بن عبد العزيز) وكنت شامخاً عملاقاً ارتسمت صورتك في ذهني إلى اليوم، قد أتاك الله بسطة في العلم والجسم والمنطق.

ولما رأيتك كذلك في جلسة المطار شاعراً مفوهاً ووزيراً عملاقاً قلت في نفسي: إنه الكبرياء والشموخ والغطرسة ولكن عظمة الرجال حقاً يكونوا في موقعها ويتنازلون عنها.. كم كنت رائعاً وأنت تشد على يد كل واحد منا وتخصه بالتحية والابتسام والحب والتواضع.

كم كنت رائعاً وأنت بتواضعك الجم تقسم ألا تسير إلا خلف الأستاذ عبد العزيز الربيع- يرحمه الله- اعترافاً منك بفضله وأدبه وأستاذيته وتمجده بما هو أهله ولو لم تكن فاضلاً في نفسك لما اعترفت بفضله كمرب للجيل وأديب من الطراز الأول حسب وصفك وتمجيدك.

وكم كنت رائعاً يوم أن ألقيت المحاضرة وقام أحدهم معقباً ومستجدياً بما لك من حظوة في إنصاف عبد العزيز الربيع من ظلم لحقه وقمت بشموخك وطلعتك وطلاقة لسانك وأدبك وقلت ليلتها بأن هناك نماذج قليلة من البشر يشرف بهم الكرسي والأستاذ عبد العزيز الربيع واحد منهم وأثنيت عليه وعرفت بفضله واستعرضت رسوخ قدمه وجهاده وأدبه وعصاميته وقلت أنا ممن تتلمذ على يد هذا الرجل بقراءاتي لما يكتب منذ زمن طويل في مجالات الأدب والنقد والثقافة. لقد كان ذلك العام وتلك المحاضرة بداية معرفتي وإعجابي بحسن منطقك ودماثة خلقك وبعد نظرك وعمق ثقافتك..

نعم.. تابعت جميع خطاك منذ ذلك اللقاء وتلقفت جميع كتبك ومقالاتك التي استطعت الوصول إليها وقرأت شعرك الذي ملأ الآفاق وأحسست كما أحس به غيري من المتابعين والمعجبين أنني أمام رجل من طراز خاص رجل اجتمع في شخصه العديد من الرجال وأشد ما رأيته فيك يرحمك الله تلك الوطنية المتأججة العميقة التي ملأت عليك جوانب نفسك فأنت وطني تشربت الوطنية وسرت في وجدانك أينما كنت وحينما رحلت.

وطني في أدبك وشعرك ووطني في إدارتك ووطني في وزارتك وسفارتك احتلت الوطنية المخلصة منك كل جوانبك حتى النخاع ولذلك كانت مقالاتك اليومية إبان غزو الكويت التي كانت (في عين العاصفة) والتي فندت بها أطماع الطامعين وفضحت بها أساليب المحتالين والوصوليين والخانعين والمتعجرفين وكسرت بها شوكة الصائلين دفاعاً عن الوطن وتضحية من أجله وحرصاً عليه.

كانت مقالاتك (في عين العاصفة) جيشاً في حد ذاته وسيفاً مصلتاً على الأعداء في وقت توارى فيه الخانعون وارتعشت فرائص الكثيرين من الوصوليين وسكتت أفواه كثيرة وزاغت أبصار كثيرة وخرست أقلام وأقلام وبقي قلمك يرحمك الله سيفاً على الأعداء دون خوف أو خور منك في تلك الأيام المليئة بالأحداث وبقيت شجاعاً لا تهدأ ولا تستكين.. وكان قلمك على الأعداء أشد من وقع السهام..

إن الوطن يا أبا (يارا) لن ينسى لك ذلك ولن ينسى وقفاتك بعدها وأنت تمثل السفارة بشموخ وإباء وعزة نفس في كل موقف وقفته ومثلث وطنك فيه أعظم تمثيل..

لن ينسى لك الوطن مواقفك وإدارتك في الوزارات التي حظيت بإدارتك وكانت إبداعاتك بها شاهدة لك على مر الأيام..

لن ينسى لك الوطن (دبلوماسيتك) في التعامل مع من تشرفوا بالعمل معك واكتسبوا منك الجرأة والنزاهة وبعد النظر لإشراقات المستقبل الواعد والغد المشرق الجميل..

لن ينسى لك الوطن صوتك الشجي وأنت تغرد له شعراً قوي السبك مشبعاً بوطنية ليس لها حدود ومفاخراً بلغة رائعة الجمال ومذيباً نفسك فيه بآهات عميقة المعنى في كل اتجاه.

لن ينسى لك الوطن فنك الرفيع في الرواية التي تعالج بها مشاكل المجتمع والحياة وتفتح لشباب الأمة الآفاق الواسعة نحو العزة والكرامة بأسلوب وطني رفيع وشفافية محاطة بالحب والإيثار. لن ينسى لك الوطن عزة نفسك ونظافة يدك ولسانك من كل شائبة تخدش الكرامة أو تحط من قدرك أو تدنس صورتك أمام ولاة الأمر وأمام المواطنين.

إن كل ذلك لن ينساه الوطن لك وستبقى الأنموذج الأمثل للمسؤول النزيه والمواطن المخلص وستبقى بإذن الله شامخاً في مماتك كما كنت في حياتك فإخلاصك للوطن وشجاعتك من أجله وحرصك عليه وتقديرك لمسؤوليتك في كل موقع كنت فيه طوال حياتك مما لا يختلف فيه اثنان. وستبقى يا أبا سهيل زمناً طويلاً شاغل الناس كما المتنبي وستجد سيرتك وجهادك طريقها إلى التدوين في رسائل الماجستير والدكتوراه التي سيتبارى طلاب الأدب شعراً ورواية وقصة وطلاب السياسة والإدارة وطلاب علم الاجتماع وعلم النفس في تخليد سيرتك العطرة وشخصياتك المتعددة فأنت بحق رجال في رجل فقده الوطن وبقي رمزاً من رموزه الخالدة التي يفاخر بها على مدى الأيام والعصور والأزمان.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد