Al Jazirah NewsPaper Tuesday  31/08/2010 G Issue 13851
الثلاثاء 21 رمضان 1431   العدد  13851
 

غازي.. (رجلٌ) جاء.. وذهب
علي العماش *

 

بعد ليالٍ من الهم طويلة قضاها المتنبي في السجن عقب المؤامرات التي دارت عليه من ذوي القربى، وبعد إخراجه وطرده عنوة من بلده، لقي بدر بن عمار الأسدي أحد قادة العرب وأمراؤهم الشجعان، ففرح فرحاً شديداً بهذا اللقاء، ولم يجد المتنبي عندما أراد مدحه صفة أعم وأشمل من صفة (الرجل) فقال:

يا بدرُ.. يا بحر ُ.. يا غمامة.. يا ليث الشرى.. يا حمام (يا رجلُ) فقد صوره وناداه باسمه ثم بصفة من بعض صفاته، فلما امتد في الصفات إلى كل غاية ووجد أنها مما لا يُفرغ منه، ضمن كل المعاني في نفسه من صفة بدر في لفظ واحد وهو قوله: (يا رجل) فقد كانت الصفة الجامعة والمانعة لكل صفات صاحبه هي (الرجولة) تحتها كل كريمة من معاني النفس، من مروءة وهمة وشجاعة وسماحة وسناء.. وقد استعرت عنوان هذا الموضوع من رواية للشاعر غازي القصيبي (رحمه الله رحمة واسعة) لا لشيء، غير ما أراده المتنبي في وصف بدر بن عمار.. فلن أقول إننا فقدنا السفير أو الوزير أو الأديب أو الروائي أو السياسي أو حتى الشاعر كما يحب هو رحمه الله أن يصف نفسه، ولكن فقدنا (الرجل)..

سُئل رحمه الله في مقابلة أجراها معه الأستاذ خالد باطرفي السؤال التالي: هل تخاف من الموت ؟ فأجابه رحمه الله قائلاً:

أرى كلنا يبغي الحياة لنفسه

حريصاً عليها مستهاماً بها صبا

ثم استطرد رحمه الله وقال: كما قال عاشق قديم من عشاق الحياة، دلني على رجل يزعم أنه لا يخاف الموت لأدلك على رجل كاذب، أو رجل مريض،. بالتأكيد أخاف الموت! أعيش في ظله، وأرتعد. أرى ما يفعله بالأحياء والأصدقاء، وأرتعش، إلا أنني أخاف الموت في تفاصيله. هل سيكون مؤلماً؟ هل سيكون نتيجة مرض عضال طويل؟ كيف سيكون وقعه على من أحب؟ هل سيدمر العش الصغير الأخضر؟ هذه هي التفاصيل التي ترعبني، أما الموت بمعناه الكبير، فهو انتقال إلى رحمة الله التي لا حدود لها، أعتقد، وإن كنت لا أعلم، أنه حين تحين ساعة موتي، فستجدني مستعداً لها بقليل من الحسنات، وكثير من الذنوب. وأمل شاسع في عفو الله، وشوق كبير إلى لقاء وجهه الكريم.. رحم الله أبا سهيل فقد كان مؤمناً بالله سبحانه وتعالى، وبقضائه وقدره، صادقاً مع نفسه ومع الناس، أحب الناس فأحبوه، وامتلأت صفحات الجرائد حبراً ودمعاً على فقده، عشنا معه كل تفاصيل حياته، أطلعنا على حلوها ومرها، عشنا مع أبنائه وأحفاده وأهله وأصدقائه، وكأنهم يعيشون بيننا، دخلنا دهاليز عمله وكأننا نعمل معه، وتعرفنا على أيام استراحاته واسترحنا مع نوادره..

كم كنت ضعيفاً عندما أسمع بفقد من قرأت له كتاباً واحداً وأحببته، فكيف وقد قرأت وأحببت لأبي سهيل رحمه الله عدداً كبيراً من إنتاجه الغزير، منها: أشعار من جزائر اللؤلؤ، وقطرات من ضمأ، ومعركة بلا راية، ويا فدى ناظريك، وأنت الرياض، وشقة الحرية، والعصفورية، سيرة شعرية، والخليج يتحدث شعراً، وصوت من الخليج، ومع ناجي.. ومعها، وسحيم، وأبيات القصيد، وللشهداء، وحياة في الإدارة، وسعادة السفير، وحكاية حب، ومائة ورقة ياسمين، وقصائد أعجبتني، وفي رأيي المتواضع، ومقالات في العولمة، واستراحة الخميس، والعودة سائحاً إلى كاليفورنيا، ودنسكو، وثورة في السنة النبوية، وأشعار ومقالات متفرقة..

يقول صالح جودت: عندما مات إبراهيم ناجي لم تحزن عليه حبيبته ولم تلبس عليه السواد، وإنما فعلت هذا لا عن جحود، بل عن فلسفة فوق فلسفة الأرض، وعن إيمان منها بأن الشاعر لم يمت، كل ما حدث أنه ذهب ولم يترك عنوانه..؟!

يقول أبو سهيل:

عندما أذهب أنا ولا أترك عنواناً هل ستقولين: نم نومة هانئة أيها الأمير؟؟

لا أطمع بهذا. يكفي أن تقولي عني ما قاله ناجي نفسه:

فراشة حائمة.. علي الجمال.. والصبا

تعرضت فاحترقت.. أغنية على الربى..

يقول أبو سهيل في إحدى قصائده:

نزارُ، أزف إليك الخبر

سئمت الحياة بعصر الرفات

فهيئ بقربك لي حفرة

فعيش الكرامة تحت الحفر

ونحن بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره نقول رحم الله الفقيد رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء، وجزاه الله عما قدمه للوطن خير الجزاء، وغفر له ولوالديه وتجاوز عنه وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، وألهم أبناءه سهيل وفارس ونجاد ويارا وحرمه وذويه الصبر والسلوان وجمعنا به ووالدينا في جنات النعيم إنه نعم المولى ونعم المجيب، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.

* أمين عام غرفة حائل

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد