Sunday  24/10/2010 Issue 13905

الأحد 16 ذو القعدة 1431  العدد  13905

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

إن الدين عند الله الإسلام، والإسلام هو الدين الحق الذي يتعبد الله بشرائعه وعباداته، وقيمه ومبادئه وأخلاقه، والإنسان ميال بفطرته السوية الطاهرة إلى التدين، مجبول عليه، وهو بهذه الفطرة يأنس للتدين ويرغب فيه، ويسعى له، ويبحث عنه، يسترشد بهديه، ويتأمل في دلالاته، ويلتزم بقيمه، ويطبقه في كل شؤون حياته، ويعده حاجة نفسية يشبع بها وجداناته، وحاجة اجتماعية تشعره بالانتماء إلى الجماعة، فالتدين حالة شعورية وجدانية فطرية لايستغني عنها عامة البشر أجمعين.

فكل بني البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، وعلى اختلاف مستوياتهم وانتماءاتهم، كلهم يميل إلى التدين، الكل يؤمن بما يعتقد (دينا أو فلسفة) دون مواربة أو خشية أو خجل، يدافع عنه بكل فخر وحماسة وصدق، يطبق شرائعه وهديه ولكن بدرجات متفاوتة كل حسب معرفته وفهمه، وتفاعله وانفعاله، وإرادته وفعله، يسخر المال وينفقه بسخاء في سبيل التعريف بما يدين به، وكذا الحال لمعتنقي الفلسفات الوضعية، يؤمنون بها باعتبارها دينا، يروجون لها ويرغبون فيها بشتى الصور، ويستثمرون الفضاء على مدار الساعة تعريفا بما يعتقدون، دعوة له وترغيبا فيه دون كلل أو ملل.

والمتابع لما يبث في القنوات الفضائية المؤدلجة، وأخص ذات الانتماءات الفكرية المصنوعة، والمنطلقات العقدية الفكرية المحرفة المكذوبة، يلحظ أنها كلها فاسدة منحرفة عن الحق، ضالة مضلة، وأنها بوابات دعوة إلى جهنم، ومع ذلك يتبجح أصحابها علانية، لايخجلون ولايستحون، بل يزدادون عددا وطغيانا وإصرارا على نشر غثاءاتهم وأباطيلهم التي تتعارض مع أبسط أدبيات الحق والمنطق، ومع أقل العقول رشدا ونضجا، وإدراكا وفهما.

هؤلاء القوم على الرغم من فساد ما يعدونه دينا، يعلنون عن أنفسهم صراحة، ويعرفون ذواتهم بكل الصور المعبرة المميزة لهم، ويستخدمون كل ما يظهر هويتهم وانتماءهم ومعتقدهم (شكلا ومضمونا) ولسان حالهم يعبر بكل صراحة ووضوح عن مظاهر تدينهم، يتبجحون بذلك دون مواربة أو خشية، وكأنهم على الحق المبين، بينما حقيقتهم متبعو أهواء، وأفكار مصنوعة ساذجة تتعارض مع منطق العقل الذي ما زال في مراحل تكوينه الأولى.

في مقابل هؤلاء صار الملتزمون بالدين الحق، يتحاشون إظهار التزامهم خجلا، ويتوارون خشية وخوفا، ويستحون من الإعلان عن مظاهر تدينهم، صاروا يتحللون ويتخلون شيئا فشيئا ودرجة درجة عن الممارسات التي تدل على التدين، فذاك الذي طالما أرخى لحيته، بدأ يشذبها ويهذبها، والآخر الذي يقصر ثيابه، عمد إلى إطالتها وبصورة مستهجنة، وذاك الذي يحرم سماع الأغاني ويعنف على مستمعيها، عاد يستسيغ الاستماع إليها، والذي يحرص على ترديد الكلمات والعبارات المشهورة في أدبيات المتدينين، هجر تلك العبارات، بل إن البعض ينفر حتى من استخدام الكلمات أو المصطلحات التي توحي ولو بصفة غير مباشرة إلى التدين، على الرغم من أصالتها، وقائمة الانتكاسات وصور الانهزام النفسي طويلة يتعذر الإحاطة بها.

من نافلة القول: الإشارة إلى أن لهذه التحولات الفكرية أسبابها العديدة، ولعل من أكثرها منطقية واحتمالا، كون التدين الذي تدثر به هؤلاء تدينا عاطفيا، فجل هؤلاء القوم أبدى عاطفة جارفة جياشة نحو الدين، وحماسة متقدة له، ولكن دون معرفة واعية بأحكام الدين، كل ما يعرفه هؤلاء ويستطيعه تبني مظاهر التدين الخارجية وهي سهلة ميسرة، لا سيما وأنها كانت بمثابة جواز السفر لتحقيق المآرب والغايات، فئة أخرى رأت أن الحكمة تقتضي مراعاة الظروف الزمنية المحيطة، ومسايرتها ولو من وراء حجاب، والتكيف معها قدر الإمكان، وعدم مصادمتها وتحديها، والتعامل مع المعطيات والخيارات بالممكن ولو بحدوده الدنيا.

الذين تحولت حالهم وانقلبت، بدت صورهم بشعة، يزدريهم كل من يعرفهم، والذين تتلون حالهم حسب الظروف، بدت صورهم مهزوزة، وأنهم نفعيون مضطربون، لا يوثق فيهم، ولا يعتمد عليهم، والأجمل من هؤلاء وهؤلاء، الفئة التي ظلت محتفظة بوقارها وقناعاتها ومبادئها ومواقفها، لم تتغير حالهم ولا صورهم، هؤلاء هم المتدينون حقا، أليس كذلك؟

 

أما بعد
فوبيا التدين
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة