Sunday  24/10/2010 Issue 13905

الأحد 16 ذو القعدة 1431  العدد  13905

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

           

كثير من العرب (القوميين) في السابق، وكذلك (الإسلامويين) الآن، مَنْ يجعلون مِن علاقة المملكة الاستراتيجية مع الغرب، وأمريكا على وجه الخصوص، مدخلاً للإساءة للمملكة، والحط من شأنها، والنيل من استقلالية قرارات قادتها؛ فأمريكا - كما يزعمون - هي الآمر الناهي، تفرض ما تشاء علينا؛ وما على صناع القرار في المملكة إلا الانصياع لما يُملى عليهم من واشنطن. ردّد هذه الاتهامات في الماضي القوميون العرب أيام عزهم، وعندما انحسر المد الحركي القومي، وحلّ محله المد الحركي الإسلاموي، ورث عن القوميين كراهية الغرب، وأمريكا على وجه الخصوص؛ فاستبدلوا تهمة (العمالة لأمريكا) كما في خطاب القوميين العرب، بالاتهام بـ (التغريب)، والعداء للإسلام، كما في خطاب الإسلامويين الجدد؛ تبدلت التهمة شكلياً أما المحتوى فلم يتغيّر.

ومن يقرأ سياسة المملكة منذ المؤسس الملك عبد العزيز وحتى الملك عبد الله بن عبد العزيز، مروراً بالملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد، سيجد أن المملكة اتخذت من القرارات المستقلة، والجريئة، وربما المُناكفة للغرب، ولأمريكا على وجه الخصوص، ما عجز عن اتخاذه كل من يدّعون أنهم أساطين التمرد على السياسات الغربية، والأمناء على تراث العرب والمسلمين. فنحن بقدر ما يربطنا بالغرب وبأمريكا علاقات استراتيجية، نحرص على تعميقها وعدم المساس بها، فإننا قبل كل ذلك (مستقلون)؛ هدفنا التنمية والتحديث، وحماية الوطن، والبحث له عن موقع متحضر تحت الشمس. الأولوية للمصلحة؛ وعلاقاتنا مع الآخر، أي آخر، سببها وباعثها مصالحنا أولاً؛ وعندما تتعارض هذه العلاقة أو تلك مع (مصالحنا) فإننا دون أي تردد سنقدم المصلحة على هذه العلاقات؛ حتى وإن كانت علاقتنا مع أمريكا.

كلنا يعرف قرار الملك فيصل - رحمه الله - بقطع النفط عن أمريكا في السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم؛ ويروي وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيسنجر أنه عندما التقى الملك فيصل في جدّة عام 1973م في محاولة لثنيه عن وقف ضخ البترول، رآه متجهماً, وأراد أن يستفتح الحديث معه بدعابة؛ فقال: إن طائرتي تقف جثة هامدة في المطار بسبب نفاد الوقود , فهل تأمرون جلالتكم بإمدادها بالوقود ؟.. يقول كيسنجر: فلم يبتسم الملك، بل رفع رأسه نحوي، وقال: وأنا أمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت؛ فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية؟

ويروي لي واحدٌ من كبار الدبلوماسيين السعوديين قصة للملك فهد - رحمه الله - يقول: عندما استوردت المملكة من الصين صواريخ (رياح الشرق) احتجّت أمريكا، وحاولت التصعيد. وفي إحدى زيارات مبعوث الرئيس الأمريكي (فيليب حبيب) للمملكة عام 1988، في مساعيه آنذاك لحلحلة القضية الفلسطينية، التقى الملك فهد، وكان في معيته السفير الأمريكي (هيوم هوران) في الرياض. وبعد انتهاء لقاء حبيب بالملك، قدّمَ السفير الأمريكي مذكرة احتجاج على شراء الصواريخ الصينية، وطالب بالسماح لفريق من الولايات المتحدة بالاطلاع على هذه الصواريخ وتفتيشها. عندها انفعل الملك فهد، وثار وغضب، واعتبر أن هذه المذكرة تدخلاً سافراً في شؤون المملكة وسياساتها، فطرد على الفور السفير الأمريكي من مجلسه، وأبلغ أحد المسؤولين، بترحيل السفير الأمريكي من المملكة فوراً، وألا يبيت تلك الليلة في الرياض؛ ولم يجدوا طائرة لتنفيذ أوامر الملك إلا رحلة كانت متجهة إلى الخرطوم، فتم ترحيل السفير الأمريكي إلى خارج المملكة عن طريق الخرطوم، وبقي منصب السفير شاغراً لمدة شهرين، حتى عيّن البيت الأبيض سفيراً آخر!

والسؤال: هل يتجرأ أحد الزعماء (الثوريين)، والمتاجرين بقضايا العرب والمسلمين في المنطقة، على اتخاذ مثل هذين القرارين اللذين اتخذهما الملك فيصل والملك فهد رحمهما الله؟.. ومع ذلك تبقى علاقات المملكة بأمريكا مميزة واستراتيجية؛ ولكن عندما تتطلب مصالحنا، أو استقلال قراراتنا الحزم، فإن المصلحة تتقدم على هذه العلاقة؛ حتى وإن وصلت لقطع النفط عن الغرب كما فعل الملك فيصل رحمه الله، أو طرد السفير الأمريكي من الرياض إثباتاً لاستقلال القرار السعودي كما فعل الملك فهد رحمه الله.

إلى اللقاء.









 

شيء من
مصالحنا الوطنية أولاً أيها السادة
محمد عبداللطيف ال الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة