Tuesday  16/11/2010 Issue 13928

الثلاثاء 10 ذو الحجة 1431  العدد  13928

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

صباح جديد مشرق وضّاء في عالم الأحياء، صباح يختلف عن غيره من صباحات العام، صباح يوم متميّز بكل المقاييس وعلى جميع الأصعدة وعند كل الطبقات وفي كلّ الأفئدة، يبدؤه المسلم بالنشيد الخالد «الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر ...»، ثم يستمع فيه لخطبة عامة تُختم بها صلاة خاصة تسمّى «صلاة العيد»، وأول ما يأكل المضحِّي في هذا اليوم من لحم أضحيته التي هي في حقيقتها تذكير بالفداء العظيم من الرب الكريم «الكبش مكان الولد»، هكذا أراد الله عزّ وجل ونفّذ إبراهيم عليه السلام أمر ربه، وضحّى محمد صلى الله عليه وسلم استناناً بسنّة أبينا إبراهيم عليه السلام، وحين يكون أول ما يتناول المسلم لحماً في الصباح الباكر يكسر رتم العادة ويقطع برنامجه اليومي المعروف، وفي هذا تذكير لنا بأنّ ممن نملك من خصائص ومهارات القدرة على التحكُّم بإرادتنا والتغلُّب على ما نعرف من عاداتنا وأعرافنا التي هي في حقيقتها غطاء ثقيل على الكثير منا، تحجب عقولنا عن التفكير، وتجعل مسلّماتنا تقودنا إلى الإيمان الأعمى والاعتقاد الدائم بأنّ ما نحن عليه هو الصحيح، بل ربما صنّفناها في خانة الدين القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلف، وأكثر من هذا وأشد وأعظم ربما اتهمنا غيرنا بأنهم ليسوا على شيء بلا برهان ولا دليل سوى الاعتقاد بأنّ «الجهل بالشيء دليل على عدم صحته» وللأسف الشديد، والصحيح في قاموس العقلاء «أنّ عدم العلم ليس دليلاً على عدم الوجود»، وصدق الله القائل في كتابة الكريم ?وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً?.

إنّ العيد تذكير لنا بالتاريخ، فها هو طيف إبراهيم عليه السلام وهو يودّع زوجه وصغيرها في وادٍ غير ذي زرع، وها هو طيف هاجر وهي تسعى بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء لتسكت صغيرها الذي أضناه العطش وهده الجوع والتعب، وكذا طيف الأب والابن الصغير وهما يرفعان البيت، ومن قبل طيف إبراهيم وهو يؤذِّن في الناس بالحج ليُسمع الله من هم في الأصلاب هذا النداء الإبراهيمي الشجي، وقصة الرؤيا التي كانت امتحاناً عظيماً لهذا الأب المسلم المستسلم وكذلك لإسماعيل المطيع المنقاد، والنهاية {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.. كلُّ هذه الأطياف والذكريات حاضرة في الخاطر حيّة في الفؤاد صبيحة يوم العيد، ثم تنقلنا الأطياف والذكريات لتاريخ أحدث، فها هو محمد صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم لكفار مكة في سفوح جبال أجياد، وها هو يطوف حول البيت، وها هو يحجّ حجة الوداع، وها هو يضحى بكبشين أقرنين أملحين، و... وفي هذا تذكير لكلِّ الأجيال بأهمية التاريخ في حياة الأمم وبقاء الشعوب، إذ لا يمكن لأي أمة تريد البقاء فضلاً عن السيادة والارتقاء، أن تقطع علاقتها بماضيها وتمسح تفاصيل ومعالم حياة الأجداد من خارطة تفكير الأبناء، ومتى فعلت ذلك لا سمح الله وكانت صفحاتها التي تُقرأ وكُتبها التي تؤلّف وقصصها التي تُروى عن حياة غيرها، فقل عليها السلام، فضلاً عن أن يكون هؤلاء الأجداد صفوة الخلق وخير البشرية وأفضل الرسل على الإطلاق.

كما أنّ في العيد اليوم إشعاراً لكلِّ الناس أنّ المسلم بذاته وحسب أوامر دينه الخالد محبٌ للفرح، متفائل بطبيعته مهما اسودّت الأيام في وجهه، متواصلٌ مع غيره بالمباركة والتهنئة التي تنمُّ عن مشاعر الحب والوفاء والإخلاص.

والجمال مأمور به أتابع هذا الدين في كل الأوقات وبكل المناسبات ولكنه في عيد الأسبوع آكد وحين الاحتفال بالعيدين أشد تأكيداً وأكثر تحريصاً وأبلغ معنى، «والله جميل يحب الجمال».

أما التراحم والتواصل والتعاطف والاجتماع والإهداء والوفاء للأصدقاء الآباء والأمهات والمبادرة للمباركة لمن هم أهلٌ لذلك، فشيمة الأصفياء وسلوك الأنقياء، كلُّ هذه القيم وغيرها كثير أكد عليها الإسلام في مثل هذا اليوم العظيم، يوم عيد الأضحى المبارك، وحثّ عليها أتباعه في كل حال وبكل مكان، ومن باب الوفاء والوصال أقول لجميع القرّاء الأعزاء في صبيحة هذا اليوم العظيم، أقول لمن هم في قاموس المحبة عندي من خير الناس وأقربهم إلى قلبي «عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير»، ودعاء صادق ترسله الأفئدة المنكسرة في جنح الليل الآخر، دعاء من قلوب الملايين المحبة التي ترفع أكفّ الضراعة إلى الله بأن يحفظ سبحانه وتعالى لنا قادتنا، وأن يشفي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز «طهور إن شاء الله»، وأن يوفّق الحجيج في حجهم ويبلغهم آمالهم ويردّهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين آمنين وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
عيدكم مبارك
د. عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة