Tuesday  18/01/2011/2011 Issue 13991

الثلاثاء 14 صفر 1432  العدد  13991

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

ببراءة متناهية أغلقت اليافعة محرك التلفاز، والتفتت لأمها تقول: أهذه الحياة التي أخبرتماني عن جمالها، وسلامها، وبشرها ومخلوقات الله فوقها، أهذا الطريق لله بأمل النجاة من ناره، والحياة مشتعلة بنار الإنسان.. ليتك تعيدين صياغة داخلي، لأكون أكثر قوة فأحتمل ما أشاهد، وليتك تدربينني كيف أحتمل كل ذلك، أما أنك تطلبين مني إغلاق التلفاز، وطي الصحف، والصد عن المذياع، فأنت هنا تؤهلينني للموت.. صكت الأم صدرها بيمينها وهي تحوقل وتبسمل على ابنتها وتمسح بيدها الأخرى على رأسها بعد أن انهارت بكاء، واضطراباً بين يديها..

ثم هدأت ابنة السنوات السبع من العقد الثاني في عمرها لتفتح فوهة أسئلة، وتدلي بالإجابات دون أن تنتظر أباها الذي انخرط بجوارها شفوقا بها، وإخوتها الذين تجمعوا من حولها وجلين من حالة انهيارها لأن يقول شيئا..

من ضمن ما سألت: ما الذي يحدث في العالم الكبير..؟ ما الذي يحدث في المجتمعات العربية؟ ما الذي يجري للمسلمين..؟ كيف نثق بمصداقية نشرات تصف مصطلحات أمام العيون عن حق الإنسان في الحياة الطيبة، حق الإنسان في التمتع العادل من مقدرات بلاده, حق الإنسان في العيش بسلام من الأفراد والجماعات، حق الإنسان في الرعاية المنصفة، حق الإنسان في التعبير عن نفسه، حق الإنسان في كسب القوة بدءاً بجسده فيتلقى اللقمة الصحية, الخالية من غش التاجر، وتدليس البائع، وخيانة الزارع، بأثمان رخوة لا تثقل كاهله، وفي عقله فتيسر له سبل العلم دون غلاء، ودون مفاضلة، ودون تناكب، وووو.. حقه في وفي وفي..

ثم توجهت لأبيها تسأله: كيف أبي قد فتحت عيني على دنيا جميلة عامرة بالحيوية، لا خرائب موغلة في الظلمة.. ولا بدائل فاحشة في الانقضاض..

ثم عادت تطلب من أبيها إخراج كل الأجهزة الناقلة من بيتهم، وإغلاق كل نافذة تطل بها على الوجه الملتهب للأرض، وعلى الخنادق المظلمة في النفوس..

لم تهدأ موجة انهيارها إلا حين قال لها أخوها الأصغر: «غريب يا فاطمة ما تطلبين، فقد علمنا أبي أيضاً أن إقامة الأسوار حول الإنسان تفسد عليه الهواء فيختنق بجهله.. ثم إنك رفضت الموت بالجهل حين طلبت منك أمي الابتعاد عن التلفاز..»

ران الهدوء بينهم، بينما عادت هي فأمسكت بمحرك التلفاز, وارتكنت ترقب على شاشته ما يجري على الأرض مباشرة..

ثمة ما لا يُجهل عما يموج في داخلها من الألم..

وما ولدته أحداث المرحلة من ضرورة لتوعية الأبناء بتاريخ الشعوب؛ ليكونوا على معرفة بما ترهصه أمامهم أحداثها.. اتقاء فجيعتهم في مثالية الحياة التي يشيدها الآباء في صدورهم.

 

لما هو آت
أضيفوا لخبراتهم زاداً عن الآخر..
د. خيرية إبراهيم السقاف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة