Friday  21/01/2011/2011 Issue 13994

الجمعة 17 صفر 1432  العدد  13994

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لدى بعض كتابنا ومثقفينا وإعلامينا إشكالية وعي حقيقي في التعاطي مع الشأن الاجتماعي وتطبيقاته اليومية على أرض الواقع بكل تعقيداته الحياتية ومنتجاته المدنية، من حيث (الفهم المغلوط) للمصطلحات الفكرية و(الطرح المخلوط) للمفاهيم الحضارية التي تدخل في تلك التطبيقات

الاجتماعية، فضلاً عن (التسطيح الفكري)، دون الاعتبار لمضامين تلك المصطلحات أو أبعادها التاريخية، التي تحدد دلالاتها الفعلية، وكذلك دون إدراك اختلاف المفاهيم الحضارية بين الأمم والشعوب وفقاً لسياقاتها الزمنية وظروفها التاريخية التي تمايز بين أمة وأخرى، بل وفقاً للمعيار الإنساني في تحديد ما هو حضاري أو غير حضاري، وعليه تجد ذلك البعض -ببساطة أو إن شئت بسذاجة- يُسقط المصطلح الفكري، أو المفهوم الحضاري على شؤون حياتنا وشجونها، ومن ثم يبني عليه موقفه الفكري، ويحاولون بكل الطرق الإقناعية قلب الوعي العام نحو رؤيته الحضارية.

ما كتبت ليس تنظيراً أو حديثاً إنشائياً إنما حالات حقيقية يشهد بها واقعنا المعاصر، خاصةً خلال السنوات العشر الأخيرة، فهناك مصطلحات غربية تم تسويقها إعلامياً بشكل مشوه، ومفاهيم حضارية تم تزييف الوعي حولها بشكل مكرر.. فمثلاً في جانب (الفهم المغلوط)، تجد مثقفاً مرموقاً يتحدث عن (الأصولية)، فتفترض أن خلفيته الثقافية سوف تساعده على الأقل في التفريق بين المعنى الحقيقي لهذا المصطلح، الذي يُعتبر غربي النشأة والمضمون والدلالة، وبين مصطلح (علم الأصول) في الفقه الإسلامي، فالأول حركة بروتستنتية المعتقد، أميركية النشأة، ظهرت في القرن التاسع عشر الميلادي، من حركة أوسع منها هي (الحركة الألفية)، التي كانت تؤمن بالعودة الجسدية والمادية للمسيح عليه السلام، ليحكم العالم ألف عام قبل يوم القيامة، كما أنها حركة تأخذ بالتفسير الحرفي للإنجيل.

أما المصطلح الآخر فيعني علوم الأصول في الفكر الإسلامي كعلم (أصول الدين) المعروف بعلم ( التوحيد)، وعلم (أصول الفقه) الخاص بقواعد وبحوث استنباط الأحكام الشرعية، وعلم (أصول الحديث)، ويقصد به علم مصطلح الحديث. لهذا كان الداعية أحمد ديدات يرحمه الله وهو العارف بتاريخ الغرب يقول: (إذا كانوا يقصدون بوصف الأصولية علم الأصول فكل المسلمين أصوليون)! مع ذلك تجد هذا المثقف لا يفرق بين المعنيين، بل يصف كل من يلتزم النص الديني باعتباره المرجعية العليا بأنه (أصولي) في إشارة إلى التطرف الإسلامي، أو التشدد الديني أو إرهاب الحركات الإسلامية. لذا تجد المنطق الإعلامي العربي بكل جهل يصف الإرهابيين أو أفراد تنظيم القاعدة بأنهم أصوليين إسلاميين تبعاً للمنطق الغربي، وهذا منطق أعوج لأن هؤلاء الإرهابيين لم يلتزموا علم الأصول في الفقه الإسلامي أساساً، لهذا مارسوا التأويل والعبث بالآيات والأحاديث التي تبرر أفعالهم الدموية وجرائمهم الإرهابية، وبالتالي وصف (أصوليون إسلاميون) يعتبر (تزكية) لهم بطريقة غير مباشرة.

خذ مثالاً آخر في جانب (الطرح المخلوط).. وهو الخلط بين مفهومي (التمدن) و(التغريب)، فالأول يعكس علاقة إيجابية مع العالم الغربي صاحب الحضارة المعاصرة المتفوقة، من خلال الاستفادة من منتجاته المادية ونظمه الإدارية وعلومه التقنية وبحوثه الطبية.. وغير ذلك مما يدخل في إطار (المشترك الإنساني) بين الأمم والشعوب، بينما المفهوم الآخر هو دمغ المجتمع المسلم بقيم المجتمع الغربي في الأخلاق والعلاقات الإنسانية والسلوكيات الشخصية والعادات والتقاليد الحياتية، وهو خلط وقع فيه ولا زال كتاب وإعلاميون.

أما (التسطيح الفكري) فلم يسلم منه كتاب كثيرون من مختلف التيارات الفكرية، ولعل الأيام الفائتة كانت حافلة بالجدل حول (الليبرالية) بعد محاضرة الدكتور عبدالله الغذامي عنها، حتى خرج أحد الأساتذة الأكاديميين مختزلاً مصطلح الليبرالية، الذي ُيعّبر عن منظومة فكرية متكاملة جاءت ثمرةً لتجربة تاريخية ثرية في مسيرة الغرب الحضارية، بأنه (عش ودع غيرك يعيش) وكأن البشر لازالوا في غابات التخلف مطلبهم فقط البقاء، أو أفراداً في أقبية السجون مطلبهم السكون. وكذلك الحال بالنسبة لمصطلح (الإسلام السياسي) الذي ابتكره مفكرو الغرب فتعامل معه بعض كتابنا بشكل سطحي في وصف (الحركات الإسلامية)، التي تمارس النشاط السياسي دون وعي لأبعاد المصطلح أو إدراك ارتباطه بنظرة الغرب للإسلام، لأن الوصف يُعبّر عن موقف علماني من الإسلام، فالغرب العلماني يعتبره (دين) فقط وليس منهاج حياة، لذا يفصل عنه السياسة. والشيء بالشيء يذكر فإن التسطيح مس بعض كتاب التيار الديني، الذين لا يفرقون بين (الليبرالية) و(العلمانية)، بل ربما لا يعون أن العلمانية هي موقف من الدين وفقاً لتحديد دوره في الحياة، لهذا تجد (العلمانية المتسامحة) كالتي في بريطانيا وأميركا، و(العلمانية المحايدة) كالتي في فرنسا، و(العلمانية المعاندة) كالتي كانت في دول الكتلة الشيوعية قبل سقوط الاتحاد السوفيتي. لهذا لا تستغرب أن تتحول الحوارات الفكرية إلى مساجلات صحافية، كونها تفتقر لمسألتين مهمتين هما (تحرير المصطلح) موضوع الحوار و(تحديد المرجعية) التي تحكم الحوار.

kanaan999@hotmail.com
 

القابلية للخلط المعرفي والتسطيح الفكري!
محمد بن عيسى الكنعان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة