Saturday  22/01/2011/2011 Issue 13995

السبت 18 صفر 1432  العدد  13995

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لعل أخطر أزمة تواجهها أغلب الدول العربية تحويل الأنظمة الاقتصادية إلى رأسمالية حرة تحت مظلة سلطات مطلقة..، إذ أصبحت حرية الاقتصاد في هذه الحالة بمثابة إعلان الحرب على ثروات الأوطان، يتم اغتنامها من خلال التحكم بتطبيقات قوانين الاقتصاد الحر.. ليبدأ سباق الثراء السريع، تحت رعاية رغبة سلطوية أنانية في امتلاك أكبر عدد من الممتلكات العقارية والوكالات التجارية، وقد يتطلب الأمر انتهاكات خارقة لحرية السوق المزعومة من أجل الوصول إلى احتكار أكبر مساحة ممكنة من سوق العمل، يصاحبها معزوفة الأنين الجماهيري الخالدة في رحلة البحث عن سد الحاجة..، والتي قد تصل إلى حد إحراق النفس كما حدث مع البوعزيزي وغيره من بؤساء العرب.

في غياب الديموقراطية وأنظمة المحاسبة تفسد علاقة القطاع العام مع القطاع الخاص، وتتبادل منافع الاحتكار والتحكم في السوق، ومع مرور الوقت تتضح معالم طرق تلك العلاقة، ويتم تنظيمها للسيطرة على الرطب واليابس، ولأن جوف ابن آدم لا يملؤه إلا التراب، تتوطد تلك العلاقة، وتتوقف لغة الكلام وتبدأ مرحلة الصمت إذا طالب أحدهم بالإصلاح أو بوضع حدود لآثار تطبيق الاقتصاد الحر من خلال فصل السلطات واعتماد ممثلين للجماهير عند إصدار التشريعات وقوانين الاستثمار والاقتصاد والعمل في الوطن..

عادة ما يؤدي جمع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في هيئة واحدة إلى الاستبداد والتحكم، ويقول عالم الاجتماعي السياسي الشهير مونتيسكو في كتابه روح القوانين سنة 1748 (إنه ما من فرد يتمتع بسلطة إلا ويميل إلى التعسف في استعمالها، وهو لاشك مستمر في تعسفه ومصر عليه حتى يصطدم بما يوقفه، ولا يوقف السلطة إلا السلطة)، مما يعرض الأوطان إلى الفتن والقلاقل بسبب العمل المضاد في بناء سلطات مضادة.

نخطئ كثيراً إذا اعتقدنا أن الفقهاء جاؤوا بقانون فصل السلطات، فالفقهاء أقروا خلال التاريخ الإسلامي أن الخليفة يأتي على رأس السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، لكن الإسلام من خلال مبادئه العظيمة يتوافق مع القوانين التي تتفق مع روح العدالة التي جاء بها، ولا ضير في تطبيق القوانين الحديثة لعلاج أزمات الاقتصاد الحر، فالحكمة ضالة المؤمن، وستكون الفائدة عظيمة وذات أثر إيجابي على الأوطان..

يعتبر جون لوك أول من كتب عن نظرية فصل السلطات في ظل النظام النيابي الذي تأسس في إنجلترا عقب ثورة 1688, وتأثر لوك بالخلاف الذي كان قائماً بين الملوك والبرلمان الإنجليزي، فوضع نظريته بهذا الصدد على أساس أن كل نظام صحيح يجب أن يحكمه مبدأ الفصل بين السلطات.

كذلك يعود التطور الحديث لمبدأ الفصل بين السلطات إلى المدرسة الإنجليزية والتجربة الديمقراطية الإنجليزية، حيث تطورت الملكية في إنجلترا بسبب ثورة الأساقفة من الملكية المطلقة إلى ملكية مقيدة تقوم على فصل السلطات، ففي القرن السابع عشر صدر في إنجلترا دستور كرومويل على أساس مبدأ فصل السلطات، وكان هذا أول تطبيق عملي للمبدأ.

كان لأفكار مونتسكيو أثرها الواضح في اتساع تطبيق مبدأ فصل السلطات، فذهب السياسيون في الغرب إلى أن فصل السلطات هو شرط الحكومة الدستورية، وكان إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 أغسطس/ آب عام 1789 بعد الثورة الفرنسية بمثابة الوصفة السحرية لاستقرار الأوطان، فنصت المادة السادسة عشرة منه على أن «أي مجتمع لا تكون فيه الحقوق مكفولة، أو فصل السلطات محدداً، هو مجتمع ليس له دستور على الإطلاق.

كانت فرض العولمة ومبدأ تحرير الاقتصاد بدون أنظمة فصل للسلطات وديموقراطية علامة فاصلة في تاريخ الدول العربية، فالتحول الرأسمالي الحر حدث بدون غطاء تشريعي لمصالح الناس، فكانت الكارثة وهي إنفراد القلة بثروات الأوطان مما يجعل من الوضع معرضاً إلى الفوضى وعدم الاستقرار، وقد يكون وراء ذلك نوايا حسنة لم توفق في قراءة الوضع، لكن بعد خروج النتائج السيئة لا مفر من تصحيح الأوضاع العامة، لأن ما يحدث في الوقت الحاضر سيخلف كوارث الفقر والفساد واستعباد الناس.

خلاصة الأمر أن شروط نجاح مشاريع الأوطان الحديثة تماماً مثل التجارب العلمية، فلابد من توافر عوامل محددة لإيصال التجربة أو المشروع إلى اتجاه النتائج الإيجابية، وفي ظل تطبيق النظام الرأسمالي الحر لا مستقبل مشرق دون تطبيق آليات حقوق الإنسان والديموقراطية وفصل السلطات.

 

بين الكلمات
البؤس العربي.. بلا غطاء
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة