Monday  24/01/2011/2011 Issue 13997

الأثنين 20 صفر 1432  العدد  13997

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تعرض زاوية اليوم رسالة خاصة كنت قد كتبتها قبل نحو ثلاثة عقود إنفاذا لرغبة أب يؤرقه الحنين والقلق على ابنه المبتعث في الولايات المتحدة الأمريكية، ويبثه من خلالها ثقته فيه وشوقه إليه وخوفه عليه من صروف زمانه ومكانه. وأحسب يقينا أن هناك آلاف الآباء والأمهات في وطننا الحبيب يؤرقهم الشوق والقلق والحنين إزاء أبناء وبنات لهم حملتهم أجنحة الطموح إلى ديار الغربة البعيدة، يحرَّضهم على ذلك الخوف على فلذات أكبادهم من فتن تلك الديار، وملذات الحس والهوى مما ينكره الخلق القويم! وقد أعدت لغرض النشر صياغة هذه الرسالة مع شيء من التصرف، وأرجو أن يكون في بعض ما جاء فيها عبرة لمن شاء وعزاء لمن أراد!

تقول الرسالة:

ابني العزيز: أبدأ بحمد الله الذي كلاك بعونه، وأيد خطاك بتوفيقه، وأدعوه مخلصاً أن يملأ حياتك حباً وأمناً وتحصيلاً مفيداً.

لقد غمرتني ببرك الحنون من خلال سطور رسالتك الأخيرة، فأوقدت في نفسي ونفس والدتك الحب لك، والثقة فيك، والرضا عنك، وحمدنا الله على برك بنفسك، وبنا معك، فإن في عصمة الذات وحقن الهوى في الأرض التي تقطنها براً لنا نحن والديك وآلك جميعاً.

ابني الغالي: لقد صدقتني ما وعدتني به، فلم يخب ظني فيك أبداً.. كنت كعهدي بك ابناً صابراً صادقاً وأميناً، في قولك وفعلك، وتلك يا بني صفات عز وجودها لدى بعض فتية هذا العصر.. من أقرانك!

أي بني: أنني أب تتقاسمه الأشواق والهواجس والظنون بسببك، رغم كل الحب لك، ورغم كل ما تعنيه أنت لي، فالأرض التي أنت بها تشكو منظومة من الفتن، الظاهر منها والمستتر، وفي مقدمتها فتنتا العقل والهوى، ولهذه الفتن سلطان يغشى القوي من الناس قبل الضعيف، وينال البريء قبل المذنب، ولها من يروجها ويزين سبلها، وأخشى أن ينالك منها بلاء فتشقى به، ونشقى به نحن معك!

دعني الآن يا بني أفصح لك عما يجيش به الخاطر نحوك، ولك أن تتدبر بعد ذلك من أمرك ما تشاء.

أولاً:

اتق شر فتاة تظهر لك الحب، وتبطن لك الوقيعة والخداع والابتزاز المادي والعاطفي، وما أكثرهن في تلك الديار، تدعوك إلى نفسها، لتحملك بعد ذلك أوزاراً لا تقوى على حملها، وتغويك عن مسيرة الجهاد العلمي التي تكرس نفسك من أجلها وفي سبيلها، وأعلم أخيراً أن هناك فرقاً بين الحب والنشوة، بين الصداقة البريئة والسقوط في الهاوية.

ثانياً:

احذر فتنة المخدرات بأشكالها وأحجامها وجنونها، فلا يكاد يخلو من وبالها منزل أمريكي، ولا يكاد ينجو من شرها المستطير فتى ولا فتاة، وإياك وعقدة التبرير التي تدفعك إلى تقليد بليد يقوده المثل السائد هناك (إذا كنت في روما فأفعل ما يفعله الروم)! تذكر أن لك شخصية تعكس كرامة الإنسان وحرمة الدين وقدسية الوطن الذي تنتمي إليه!

المخدرات يا بني جادة سريعة ذات اتجاه واحد بدءاً بالانحراف وانتهاءً بالسقوط والعياذ بالله، قد تتخذ من أساليب الإغراء والإغواء فنوناً، لكنها شرُّ، وإثمها أعظم من شرها، أولها عبث، وأوسطها إدمان، وأخرها خراب، أو هو الموت على دفعات!

ثالثاً:

احذر يا بني رفقة السوء، وصداقة القلق والعبث والضياع، فقد يكون من بين أقرانك في الدراسة من لا تخلص لهم سريرة، ولا يصدق عنهم ظن، ولا يحسنُ بهم طبعٌ، لكنهم يعملون جادين أو هازلين لاقتناص فئات من ضعاف القلوب إلى شراكهم ليرضوا هوى في النفس لا جدوى فيه ولا طائل وراءه.. ابتعد عن هؤلاء، وعاشر من الناس خيارهم: عقلاً وإيماناً وعلماً.

وأخيراً وليس آخراً: تذكر أبويك الصابرين وإخوتك وأخواتك، الذين يرقبون عودتك مظفراً في شوق وحنين، لا تخلف لهم ظناً ولا وعداً!

والله أسأل أن يبلغك خير ما تريدُ ويجنبك شر ما لا تريد!

ودمت لحب وغيرة وطنك وقومك وأهلك جميعاً!

 

الرئة الثالثة
رسالة من أب غيور لابنه المبتعث!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة