Monday  24/01/2011/2011 Issue 13997

الأثنين 20 صفر 1432  العدد  13997

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

 

الريال والدولار والنفط والوحدة النقدية في ربط الريال بالدولار 1-3
سعر الصرف الحقيقي يستخدم كعامل مساعد في التنبؤ باتجاه أسعار الصرف في العملات المعومة الحرة على المدى الطويل

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تحليل - د. حمزة بن محمد السالم :

من أجل بناء ثقافة اقتصادية واعية

في الأسباب والمعاني الاقتصادية من تحديد قيمة الريال بـ 26 سنتا أمريكيا بلادنا حديثة عهد ببدايات الانفتاح الاقتصادي والتخلي تدريجيا عن التخطيط المركزي للاقتصاد. لذا فهناك حاجة إلى نشر الثقافة الاقتصادية والاستثمارية والمالية بين المجتمع على وجه علمي تطبيقي صحيح وإبعاد المفاهيم الخاطئة، من أجل تمكين المجتمع من اتخاذ القرارات الاقتصادية الصحيحة سواء أكانت جماعية أو فردية. فمفاهيم المجتمع تؤثر في القرار وتتأثر به. وأفضل ما يُبدأ به هو فهم وضعنا الاقتصادي العام لكي نبني على أسس صحيحة قراراتنا الاستثمارية والمالية.

يكثر الحديث في موضوعات شتى هي مترابطة ومتفككة في آن واحدة تدور حول ربط الريال بالدولار وعلاقة الدولار بالنفط ولم لا يباع النفط بالريال وما الفائدة من الوحدة النقدية الخليجية. ولكي نستطيع تبسيط المسألة وتوضيحها فسنبدأ بتفكيك هذه الموضوعات ثم تشريح كل موضوع إلى عدة مفاصل وشرحه منفصلا عما غيره، ثم نستخرج بعض نتائج ذلك وأثرها على نفسها وعلى غيرها. ثم نبدأ بالضم والتجميع في مسيرة تطبيقية قائمة أو مقترحة يتضح من خلالها تداخل هذه الأمور وتعارضها عند تطبيقها واقعيا أو افتراضيا إلى أن تكتمل الصورة فتنفك ألغاز الريال والدولار والنفط فنفهم سياسات الدولة النقدية الماضية والحالية والمستقبلية بصورة علمية حقيقية واقعية.

والتسلسل الفكري يقودنا إلى أن نبدأ فنتساءل: على أي أساس معياري ربط الريال بالدولار بقيمة دولار واحد = 3.75 ريال وقبل الدخول في تاريخ قيمة الريال بالنسبة للدولار، ولماذا تغيرت نسبيا خلال الفترة 1960م -1986م ثم ثبتت بعد ذلك. أي لماذا لا يكون الريال= 3 دولارات مثلا كالريال العماني أو عشرة أو أقل أو أكثر.

وبشرح بسيط للمسألة: فإنه حين تقرر تحديد قيمة الريال بالنسبة للدولار، أخذنا سلة من السلع والخدمات في أمريكا والموجودة مثلها في السعودية والتي هي من عامة ما يستهلك ويُطلب. ووجدنا أن قيمة هذه المجموعة من السلع والخدمات في أمريكا تساوي 1,000 دولار وأن قيمتها في السعودية تساوي 3,750 ريال سعودي. إذن فمن معه 3,750 ريال يستطيع شراء نفس كمية ونوعية سلة السلع من السعودية أو من أمريكا والعكس صحيح إذا فالدولار يساوي 3.75 ريال أو الريال يساوي 26 سنتا أمريكي. فقررنا ربط الريال مع الدولار على هذه القيمة فلا تتغير قيمته بالنسبة للدولار مهما تغيرت الأمور. وقد تغيرت الأمور بعد ذلك واختلف مستوى الأسعار بيننا وبين أمريكا، فصعد في أمريكا أي أن الأسعار زادت هناك بينما ثبتت في السعودية، فما معنى ذلك مع ثبات سعر الصرف.

وقبل أن نستطرد في هذا الموضوع، يستحسن أن نمهد له بإيجاز. الريال لم يكن مربوطا بالدولار بالمعنى المقصود اليوم بل قد كان مربوطا بالذهب عن طريق الدولار. ثم منذ عام 1971م حصلت له عدة تغيرات في قيمته عائدة إلى انفصال الدولار عن الذهب وانخفاض قيمته بالنسبة إليه ثم ربطنا الريال بعملة صندوق النقد الدولي (وهي عملة محاسبية فقط مدعومة بالذهب آنذاك) وتسمى حقوق السحب الخاصة وسمح بهامش تذبذب. وبعد ظهور قوة البترول الاقتصادية، وأصبحت تجارة السعودية تشكل أكثر من 1% من التجارة الدولية، أصبح الريال ضمن سلة العملات الست عشرة التي يتكون منها مؤشر عملة صندوق النقد، ثم فُك ربط الريال عام 1981م وكان له هامش تذبذب ثم أصبح التذبذب بالمتوسط مقترنا بالدولار.

وسبب عدم الاستقرار التام لقيمة الريال لم يكن عبثا، فالعالم كان يمر بتحولات اقتصادية ضخمة كهجران الذهب وخروجه كرقيب ومقياس للعملات الورقية، وكالتضخم العالمي الذي أصبح حقيقة أصيلة لا طارئة بسبب النفط والدولار فلا عودة إلى الأسعار القديمة أبدا، وكظهور التكنولوجيا وأثرها في الطفرة الصناعية. وكانت بلادنا كذلك تمر بتغيرات اقتصادية ضخمة محلية. فمن الفقر إلى الغنى المفرط والتضخم الهائل إلى انخفاض أسعار النفط، ولم تستقر الأمور وتتضح نسبيا إلا عام 1986م وحينها رُبط الريال بالدولار بالشكل الذي هو عليه اليوم.

والرسم البياني الأول يوضح سعر صرف الريال منذ عام 1961م . وعلى كل حال، فإن فكرة تقييم الريال بالنسبة للدولار إنما هو تعبير للقوة الشرائية للريال في السعودية بمثلها في أمريكا، قد كانت متمثلة تقريبا إلى حد بعيد في خلال تلك الفترة 1960-1986م التي تحول العالم فيها من عصر الذهب إلى عصر الدولار أو من عصر القيمة الحقيقية إلى عصر القيمة الرمزية، وظهور عصر البترول.

فترة 1986م-2007م وهي تمثل مرحلة تغير مستوى الأسعار وتباينها بين السعودية وأمريكا مع ثبات قيمة الريال التامة على سعر 26 سنتا أمريكيا (دولار=3.75 ريال): وبعد أن انتهينا بإيجاز من عصر الانتقال من الذهب إلى حقوق السحب الخاصة إلى الربط الكلي بالدولار، فلنرى ماذا حدث بعد ذلك. ففي عصر الذهب الأسعار ثابتة لا تتغير ولا يمكن أن يتواصل التضخم دون زيادة غنى حقيقي على شكل تدفق للذهب للبلاد أو بسبب مجاعة مستمرة. أما في عصر الأوراق النقدية فالحالة بالعكس. فلا يمكن في الغالب في الحالات الطبيعية أن تثبت الأسعار دون تضخم إلا في حالة الانكماش الاقتصادي أو الكساد. (وتفصيل هذا ليس هنا محله). لذا فقد تباعدت الفجوة بين مستوى الأسعار في أمريكا، أرض اقتصاد الدولار المربوطين به، وبين مستوى الأسعار في السعودية. فقد كانت أمريكا تنمو اقتصاديا مما يستلزم زيادة الأسعار فيها، بينما كان اقتصادنا هنا في حالة عدم نمو أو انكماش أي تناقص، مما أدى إلى ثبات الأسعار أو تناقصها في بعض السنين. (وقد جعلت المقارنة التي تتساوى فيها الأسعار من السنة التي ثبت فيها الربط وهي 1986م).

ومن الرسم البياني الثاني يتضح لنا أن سلة من المشتريات في السعودية كانت قيمتها 3,750 ريال كانت تُشترى في أمريكا عام 1986 م بـ 1,000 دولار وبالعكس أي أن الدولار= 3.75. ثم بدأ التباين بعد ذلك حتى وصل في عام 2007م أن سلة المشتريات التي كانت تشترى في أمريكا عام 1986 م بألف دولار أو 3,750 ريال أصبحت تُشترى ب 1,890 دولار عام 2007م أي ما يساوي 7,087 ريال. أي أننا أردنا أن نتبع تفاوت مستوى الأسعار بيننا وبين أمريكا المربوطين بعملتها فتعدل سعر الصرف على أساسه، لكان سعر الصرف عام 2007م هو سبعة (7.08) ريالات مقابل الدولار واحد، أو 14 سنتا مقابل الريال. وهذا ما يسمى نظريا بسعر الصرف الحقيقي وهو يستخدم كعامل مساعد في التنبؤ باتجاه أسعار الصرف في العملات المعومة الحرة على المدى الطويل. ولكن في حالتنا هنا، فمستوى الأسعار الثابت أو النازل عندنا من بعد 1986م (أي بعد تصحيح أسعار الطفرة، وهذا اعتبار مهم) هو في حقيقته يعكس ضعف اقتصادنا وعدم نموه مما سبب عدم زيادة الأسعار في بلادنا مما انعكس على ضعف الريال حقيقة أمام الاقتصاد الأمريكي وقوة الدولار حقيقة أمام الاقتصاد السعودي. فبـ 3,750 ريال أصبحنا نشتري من أمريكا تقريبا نصف سلة المشتريات الذي يشتريها الأمريكي بـ1000 دولار من السعودية. ((ففي 1979م كان سعر الصرف 3.3 ريال لكل دولار والمقارنة الكاملة بمستوى الأسعار في أمريكا يجعل سعر الصرف 2.5 ريال لكل دولار ولكن التضخم عندنا كان في طفرة الأراضي والأشياء غير القابلة للتجارة الدولية وهناك عنق الزجاجة في الموانئ فلا ينضبط أخذ أسعار 1979م على ظاهرها، وهذه تحتاج إلى تفصيل خلاصته أن سعر الصرف المحقق ( 3.3 ) أكثر واقعية من سعر الصرف النظري (2.5) مع اعتبار العوامل الإنسانية وعدم الدقة والفجوات الزمنية خاصة عندنا في ذلك الوقت).

وفي هذا المثال تجسيد حقيقي لمعنى التضخم الناتج عن نمو الاقتصاد (وسأشرحه في المستقبل) بخلاف التضخم الناتج عن مجرد طبع النقود. وهنا يتضح بعض أسباب ربط الريال بالدولار صاحب أعظم اقتصاد عالمي وعملة الاحتياط الدولية التي حلت محل الذهب.

ولكي تتضح الصورة فلنفترض أننا قد ربطنا الريال بالجنيه المصري عندما كان على ما أذكر ستة ريالات تساوي جنيها واحدا. وحافظنا على معدل سعر الصرف إلى 2007م، لما ثبت مستوى الأسعار عندنا ولتضاعف مستوى الأسعار عندنا أضعافا مضاعفة مما يشرح أن التضخم في مصر هو تضخم نقدي من طباعة الفلوس بينما التضخم في أمريكا هو تضخم إنتاجي تنموي. فالصين مثلا، لأنها أصبحت اقتصادا منتجا، أدركت أمريكا في مستوى الأسعار رغم ربطها في الدولار.

وعليه فثبات الأسعار عندنا مع زيادة الأسعار في أمريكا وكون الريال مربوط بالدولار هي قصة تحكي ضعف نمو الاقتصاد السعودي وقوة نمو الاقتصاد الأمريكي في تلك الفترة. وفرضيا، فلو أن الجنيه المصري كان مربوطا بالدولار لاستمرت قوته الشرائية في مصر كما كانت منذ عشرين عاما، أو ربما زادت قوته محليا (أي حصل انخفاض الأسعار عندهم) لو كان الاقتصاد المصري في حالة تدهور وانكماش في تلك الفترة.

فهل يقال إن من العدل تخفيض قيمة الريال إلى النصف على عكس ما يشاع بأن الريال يجب أن ترفع قيمته. وبإيجاز، فإن تخفيض قيمة الريال إلى النصف لكي يقابل الأسعار الأمريكية هو هدم تام للاقتصاد. فمن أجل تحقيق ذلك فيجب على ساما أن تطبع ضعف كمية الريال الموجودة الآن مما سيرفع الأسعار 100%. فيفقد أهل الادخار ثرواتهم وتضيع حقوق أهل الديون ويهجر الريال فلا يريده أحد وتضيع الثقة فيه. وهذا ما سيكون في أحسن الأحوال دون أي عوامل أخرى لو لم نربط الريال بالدولار، وما زال هناك أسباب وجيهة للربط بالدولار أخرى تأتي لاحقا. وهل من العدل لو افترضنا جدلا أن الريال ربط بالدولار على أساس مستوى الأسعار فأصبحت قيمته نصف قيمته اليوم أن يقال إن الأجور سترتفع معه كما حدث في أمريكا؟ المفترض لا وإلا فهي مجرد عبء معيق للإنتاج. لأن العمال في أمريكا أعضاء منتجين لذا فهم عامل في رفع الأسعار ومسبب له كما أن أجورهم ترتفع بمقدار إنتاجيتهم. أما مجتمعنا فهو غير إنتاجي، والأجور في حالة ارتفاعها -بافتراض انخفاض قيمة الصرف- فهي ليست عاملا وسببا من أسباب رفع الأسعار. فنحن لو تماشينا للحفاظ مع مستوى الأسعار الأمريكي عن طريق طباعة الريال فقط فتضخمنا سيكون مجرد تضخم نقدي محض، مما سينعكس سلبيا على الإنتاجية وهذه مواضيع تطول لكنها تترك أسئلة مفتوحة سنجيب عنها مجزأة على حلقات أسبوعية حتى تتضح صورة الديناميكية الكلية إنشاء الله. وسنبدأ الأسبوع القادم بشرح كيفية الربط، وكيف يتم، وما معنى المضاربات على الريال وكيف تتم، يتخلل ذلك وقفات اقتصادية تأملية تثقيفية كما فعلنا اليوم فإلى اللقاء.

hamzaalsalem@gmail.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة