Friday  28/01/2011/2011 Issue 14001

الجمعة 24 صفر 1432  العدد  14001

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

أفاق اسلامية

 

مختصون في الشريعة وعلم الاجتماع يحذرون من خطورتها على المجتمع
جفاف قلوب الأبناء تجاه آبائهم.. نزعة مادية أم عقوق؟!

رجوع

 

- حث الدين الإسلامي على بر الوالدين، ورعايتهما، والعناية بهما، والإحسان إليهما، وخصوصاً عند كبرهم، وبلوغهم من الكبر عتيا، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}، وفي الحديث عن عبدالله بن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله.

وفي زمننا المعاصر نجد جفاء كبيراً من الأبناء تجاه الآباء والأمهات، بل من العقوق ما يندى له الجبين، كيف نعالج مثل هذا العقوق؟ وهل للوالدين أثر في حدوث هذا العقوق؟ وما النصائح التي يمكن تقديمها للطرفين حتى نصل إلى الهدف المنشود في تحقيق بر الوالدين، وتجلية حقوق كل طرف تجاه الآخر؟

فضل الآباء والأمهات

ففي البداية يرى د. محمد بن إبراهيم الرومي - أستاذ الدراسات الإسلامية المشارك بجامعة الملك سعود، أنه لا يُقدم على عقوق الوالدين إلا فاقد المروءة سيئ الخلق قليل الدين، ومن كان كذلك مع أوثق الناس به وأكثرهم تفضلاً عليه، كان مع الناس أدنى مروءة وأسوأ خلقاً وأقل ديناً، وقال: إن بعض الأبناء قد يبرر عقوقهم لآبائهم وأمهاتهم بقسوة هؤلاء الآباء والأمهات، وظلمهم له، وتعديهم عليه، وأنا لا أنكر أن بعض الآباء يفعلون ذلك، وأن بعضهم يشتد في القسوة والتأديب حتى ليضرب ولده فيكسر له يداً أو يقصم له ظهراً، وهي قسوة جاهلة ظالمة بلاشك، لكنها لا تبرر العقوق بحال، فالولد كثيراً ما يخطئ في الحكم على الأب والأم بالقسوة والظلم، وكثيراً ما تخفي عليه الحكمة، لصغره وطفولته من قسوة أبويه، وشدتهما عليه في التأديب، وكثيراً ما يكون ذلك بدافع الشفقة والرحمة من دون أن يرى الولد أن في ذلك شفقة أو رحمة، ولقد مررنا كلنا بهذا الدور وبهذه الحالة، فكم كنا نبكي من قسوة آبائنا علينا، ومن حرماننا من بعض ما نشتهي، ومن منعنا بعض ما نريد أن نفعل؟ وكنا نتهمهم يومئذ بالظلم والقسوة، ثم ما نلبث حين نعي الحياة ونفهمها أن نتبين فضلهما علينا في ذلك المنع والحرمان.

واستطرد د. الرومي قائلاً: وهب أباك ظالماً فيما صنع بك، ألا تغتفر له ذلك لقاء ما سبق له من فضل عليك يوم كنت رضيعاً، ووليداً، وطفلاً صغيراً، لا تجد في الكون من يحنو عليك غيره وينفق عليك سواه؟ وأقول للأبناء والبنات لا تنسوا فضل آبائكم وأمهاتكم عليكم، وإن غاب عنكم الآن مشهدهم، فانظروا إلى صنيعهم بإخوانكم الصغار، انظروا إلى أمهاتكم حين يلدن أخواتكم كم يتألمن وكم يصرخن، ثم انظروا إليهن بعد ذلك كم يسهرن وكم يأرقن وكم يجزعن، وانظروا إلى آبائكم كيف يكدحون في الحياة ويتعبون من أجل تربية إخوتكم الصغار، وتعليمهم، وتطبيبهم.

وطالب فضيلته الأبناء بأن يكونوا على ثقة أن الحياة جزاء ومكافأة، فمن أحسن منكم إلى أبوية وبرهما وحنا عليهما، رزقه الله أولاداً يحنون عليه ويبرونه ويحسنون إليه، ومن عق منكم أبويه عوقب بأولاد يعقونه وينكرونه ويسيئون إليه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم).

مقدم على الجهاد

تقول د. لولوة بنت عبدالكريم المفلح - أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن: لقد اهتم الإسلام ببر الوالدين، والإحسان إليهما، ورعايتهما، وقرن برهما بالأمر بعبادته، وقد جاءت الآيات بذلك صريحة، حيث قال - عز وجل -: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.

ولم يقرن الله - عز وجل - شيئاً من العبادات بطاعته كما قرن البر بالوالدين والإحسان إليهما، فقد جاء بعد الأمر بتوحيده كما جاء الحث على بر الوالدين في الحديث الذي رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله.

وفي هذا الحديث قدم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله - الذي هو ذروة سنام الإسلام - وفي مقابل البر يأتي العقوق: وهو مأخوذ من العق والقطع وهو من كبائر الذنوب كما وصفه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال في الحديث المتفق على صحته عن أبي بكر رضي الله عنه :(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله الإشراك بالله، وعقوق الوالدين.. الحديث). وعن أبي بكر رضي الله عنه مرفوعاً:(كل الذنوب يؤخر الله - تعالى - ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الموت)، كما جاء في الحديث:(إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات).

وتؤكد د. المفلح بأن ينبغي على الأولاد لئلا يقعوا في العقوق طاعتهما فيما يأمران به إلا في معصية الله - عز وجل -، وتلبية رغباتهما ومنهم طبيعتهما، وعدم التأفف أو التضجر منهما، وإدخال السرور عليهما وعدم نهرهما، والاعتداد بآرائهما والإصغاء إليهما وخفض الجناح لهما، وذلك بالتواضع لهما، والدعاء لهما في حياتهما وبعد موتهما، وعدم التخلي عنهما وقت الحاجة إليهما، وخاصة وقت الكبر أو المرض لأنهما بحاجة إلى مزيد من البر أكثر مما مضى نظرًا لما يعانيان من الآم الشيخوخة والكبر، روى مسلم في صحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه) قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)، والعمل على ما يسرهما ولو لم يأمرا بذلك.

لتلافي العقوق

وتوضح د. لولوة المفلح أن هنالك بعض الأمور التي تعين على البر، ومنها أن يسأل الله - عزوجل - بر الوالدين، وذلك بالمداومة على الدعاء، واستحضار فضائل بر الوالدين وعواقب عقوقهما، واستشعار فضل الوالدين على المرء، وأن الله قد جعلهما السبب في وجوده في هذه الدنيا، إضافة إلى ما قدماه من تربيه وحنان ومودة وكد. فكم سهرا لتنام، وبكيا لتضحك وجاعا لتشبع.

ولتلافي العقوق - والكلام للدكتورة لولوة المفلح - ينبغي على الوالدين أن يعينوا أبنائهم على برهم وذلك بعدم تحميلهم مالا يطيقون، وأن يحسنوا إليهم، ويعدلوا بينهم، وتشجيعهم وشكرهم والدعاء لهم، وأن يكونا قدوة لأولادهم وذلك ببر آبائهم، وأن صلاح الآباء سبب لعلاج أبنائهم وبرهم بهم كما في قوله - تعالى -:(وكان أبوهما صالحا)، وسوء التربية سبب في العقوق فإذا لم يرُب الآباء أبناءهم على البر والصلة فنتيجة هو ذلك العقوق، واختيار الصحبة الطيبة، لأن الصحبة السيئة مما تفسد الأولاد على آبائهم بعدم برهم ومما يكون سببًا في المتاعب المترتبة على متابعة الأولاد في تربيتهم الصالحة، وبث سيرة السلف الصالح بينهم وبيان كيفية تعاملهم مع أبنائهم ليقتدوا بهم.

ممارسات خاطئة

ويشير د. منصور بن عبدالرحمن بن عسكر - الأستاذ المشارك في علم الاجتماع بكلية العلوم الاجتماعية بالرياض: إن القيم الاجتماعية كلما كانت سلوكا ممارسا ولها قيمة اعتبارية في المجتمع كلما كانت أقوى وكلما حافظ عليها المجتمع بشكل أكبر, فيوجد في أي مجتمع قيم لها قيمة اعتبارية ولكن ليست سلوكا ممارسا فلا يوجد لها تأثيرا ممارسا في المجتمع, فمثلا قيمة الصدق في القول والعمل، فلها قيمة اعتبارية ولكن في الممارسة قد يتجاوز كثير من أفراد المجتمع قي هذا السلوك فقد يمارس الكذب حتى مع أبنائه وأهله وأصحابه, ومع ذلك يبقى لقيمة الصدق القيمة الاعتبارية في المجتمع, ومن القيم التي لها قيم اعتبارية وسلوكا مما رسا في المجتمع السعودي قيمة بر الوالدين، فهي تعتبر تمارس كمبدأ اجتماعي في المحافظة على استمرارية سلوك أفراد المجتمع في الاهتمام بالوالدين، ومتى ما حصل خرقا في هذه القيمة لدى بعض أفراد المجتمع فان المجتمع يمارس بعض أشكال الضبط الاجتماعي للحد من خرق هذه القيمة بشتى أشكال الضبط الرسمية وغير الرسمية.

كما تعتبر قيمة بر الوالدين في المجتمع السعودي من القيم التي حافظ عليها, فهي توجد لدى جميع فئات المجتمع وطبقاته, ومستوياته، فقد يصل الفرد السعودي إلى مناصب عليا ومع ذلك يعتز الفرد بأنه يحافظ على بر الوالدين وطاعتهما وعدم الإساءة إليهما، استنادا لحث الدين الإسلامي على ذلك، وطلبا للأجر من الله تعالى حيث إن رضى الله تعالى مقترن برضا الوالدين.

وقد بدت بعض التجاوزات في المجتمع التي تخدش قيمة بر الوالدين وقد يعود ذلك لأسباب عدة منها إهمال الوالدين في غرس قيمة بر الوالدين في احترام كبار السن, كما إن عقوق الوالدين قد يكون سلوكا ممارسا من الآباء لأبنائهم وهذا عكس ما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم), وقد يعود إلى تعاطي المخدرات والمسكرات فتؤثر سلبا على عقل متعاطيها في إصدار وسلوكيات مخالفة للقيم الاجتماعية.

وقد يحدث بعض الممارسات والسلوكيات التي تخدش قيمة بر الوالدين أثناء زيارتهما ومنها متابعة القنوات التلفزيونية وتقليب القنوات والبحث فيها تاركا مؤانسة والديه أثناء زيارتهما, ومنهم من يكون أكثر وقته يستخدم الهاتف الجوال ومؤانسة أصدقائه أمام والديه, وهذا بلا شك يؤثر سلبا في قيمة بر الوالدين، حيث إن الأولى عند زيارة الوالدين والجلوس معهما أن يفرغ الفرد جميع أشغاله للحديث معهما ومؤانستهما, والتقليل قدر الإمكان مما يشتت ذلك.

وختاماً نحث وبشكل كبير على قرب الآباء من الأبناء وزيادة غرس القيم الاجتماعية التي منها بر الوالدين واحترامهما، وزيادة التوعية بالقيم التي يرضى عنها الله تعالى وتزيد من محبته ومنها بر الوالدين وعدم الإساءة إليهما, وكذلك التأكيد من الاستفادة من وسائل التقنية الحديثة في بر الوالدين، وكذلك تخصيص جزء من الوقت للقرب من الوالدين وبرهما, كل حسب قدرته واستطاعته واحتياجات الآباء.

قلة القواسم المشتركة

ويكشف أ.د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني - أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ورئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية: أهم تلك العوامل هي ضعف الوازع الديني، وطغيان الثقافة المادية المتأثرة بالحياة الغربية، فضعف الوازع الديني يعتبر أهم عامل من عوامل البعد عن تطبيق تعاليم الإسلام في الحياة العامة، وهذا الضعف مرده ضعف التنشئة والتربية الدينية، وعدم وجود القدوة، وتعدد مصادر التلقي بالنسبة للشباب من إعلام، وجماعة رفاق، ومدرسة، وبعضها يهدم ما يبنيه البعض الآخر، ثم إن مشاهدة وقراءة وسائل الإعلام المختلفة، وطغيان الجوانب المادية في الحياة المعاصرة، عوامل ساعدت على ضعف الوازع الديني، وضعف بر الوالدين، والعناية بهما، بل والإساءة لهما اقتداءً بما يعرض في بعض وسائل الإعلام.

ومن العوامل أيضاً قلة القواسم المشتركة بين الآباء والأبناء، مثل: الاشتراك في الزراعة، والرعي، والبناء، ونحو ذلك.. حيث كان الأبناء يشاركون آباءهم في كثير من الأعمال، مثل: الزراعة، والرعي، وبناء ما تهدم من جدران المزارع، وكانت تلك الأعمال تبني وتقوي الجسور بين الطرفين، فعندما يشعر الابن أنه زرع تلك الشجرة مع والده، وتعهداها الرعاية والسقاية، يزيد ارتباطه بأبيه، والفتاة كذلك عندما تشعر أن هناك أعمالاً قامت بها مع أمها تقوى وتتوثق علاقتهما ببعضهما، أما في حياتنا المعاصرة فقد قلت - وربما انعدمت - تلك العوامل المشتركة، حتى السكن تحول إلى فندق يقدم فيه الطعام في أوقات مختلفة، وقل احتكاك الآباء والأمهات بالأبناء.

ومنها أيضاً عدم قيام مؤسسات التنشئة الاجتماعية بواجبها في هذا الجانب، وخاصة الأسرة والمدرسة، فالأسرة والمدرسة لا تبذلان الجهد المطلوب لغرس بر الوالدين وحبهما في الأبناء، وبيان فضل ذلك في الحياة الدنيا وفي الآخرة.. وأيضاً ضعف الحاجة للوالدين، ووجود بدائل لتلك الحاجة عند الأقرباء، وفي المجتمع، فقد كان الأبناء يعتمدون اعتماداً كاملاً على آبائهم، في اللباس، والمسكن، والطعام، وغيرها.. واليوم قل هذا الاعتماد، وربما اعتبره بعض الأبناء أمراً مفروضاً على الآباء لا فضل لهم فيه، وربما هددوا آباءهم بالخروج من المنزل، والالتحاق بالشلل المنحرفة التي تستغلهم، وتقدم لهم طلباتهم المختلفة.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة