Saturday  29/01/2011/2011 Issue 14002

السبت 25 صفر 1432  العدد  14002

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بين الجماهير التي يقال إنها استبقت «الزعيم» عام 1967 م والجماهير التي أَبَقَتْ عنه عام 2011 م يبدو التأثير كبيراً على صاحب القرار امتثالاً أو تمثيلاً، وغير بعيدٍ أن للصوت أمس وللصورة اليوم دوراً في اختلاف رد الفعل، وما كان «عبد الناصر» سيبقى لو رأى الناس بأعينهم مآسي النكبة على افتراض أن الشارع حينها كان حراً، ولو غابت الصورةُ اليوم لربما تمدّد حكم «ابن علي»؛ فالضغطُ «الشعبي» يصنعُ التغييرَ، وهو المنفذُ الأول لإطفاء الغضب الآن مثلما كان المبرِّرَ لاحتواء الهزيمة بالأمس.

ورغم أن كثيراً من الأحداث المجرّدة لا تعني سوى صوتٍ عالٍ يقف عند الضجيج دون عائدٍ مجتمعي إلا أن بعضها ينال عناية تجعلها نقطة ارتكازٍ؛ فلا تكادُ أحداثٌ تنقضي حتى تبدأ سواها، ولا تنصرم مشكلةٌ إلا لتؤذنَ أخرى؛ أما الواقع التنموي - بمختلف أبعاده - فيراوحُ مكانه؛ فلا البطالة ولا البيروقراطية ولا الفساد ولا الفقر ولا الجهل ولا الإرهاب ولا التسلّط ولا غيرها ستُحل أزماتُها بمجرد شعار يستجلبُ التصفيق إذا لم تتوافر إرادة واعيةٌ تتحرك بين الألف والياء.

وإذن؛ فهي الجماهير تقود الحراك حين تشاء ولا ترضى دون إجراء تغيير من نمطٍ ما؛ كي تسترخي وتصمت قليلاً لحين موعد جديد مع المتجدّد، وهو ما يعني - لقادة التغيير الثقافي - أهمية «الجماهير» المهملة في منبرها النخبوي؛ ما أحال الخطابَ الثقافي - بسبب فوقيته الموهومة - إلى «صفرٍ مكعب» في مقابل نمطٍ منافس من الخطاب الوعظي والمجتمعي القادر على خلخلة الراكد والسائد وإن لم يتجاوز - في معارفه - الحكاية والطرفة والاستنجاد بأمثلةٍ مكرورةٍ مدورة.

استطاع الخطاب المتماهي مع «ما يطلبه أو ما يفهمُه الجمهور» قلب المعادلة الإعلامية زمنًا طويلاً؛ دون أن يتكئ على وعيٍ بالمتغيّرات أو استشرافٍ لما هو آت، وهنا فوارق الدلالة بين الثابت والمتحوّل.

ليس يسيراً على المثقف تغييرُ لونه وخطابه والنزول بلغة شارعية كي يحكي عن مجمل مشروعه أو يدافع عن شرعيته؛ ما يعني أن القياس بأبعاد الأكثرية والأقلية لن تجيء لصالحه يومًا، دون أن يختزل ذلك مسافات التغيير التي قد يأذن بها وعيٌ جمعي لا انفعالات مؤقتة، والمفكر الحقيقي لا يبحث عن جماهير يتخيل أنه يقودها، وهي - في الأغلب - تقوده حين تسد عليه منافذ الرؤية؛ فلا يرى سوى جماهير تدفعُه.

نعيش - الآن - مفترق طرقٍ بين مرحلة الوصاية الشعبوية والفكر النخبوي بعدما اتسع الفضاءُ لرؤى تتجاور وتتحاور بعيدًا عن سوء الظن ولجم الأفواه، وإذا دانت الاستجابة الجماهيرية لما يخاطب العاديَ والمعتادَ فيها فإن زمنًا قادماً بشباب متعلم ذي طعم ولون وذائقة مختلفة لن يكون شبيهاً باستلاب التغييب الذي تَحَكم في مدخلاته ومخرجاته ثللُ من المؤدلجين والمستنسخين.

لا يجيء التغيير «الشعبوي» مسدداً دوماً إذا لم يتمأسس، وربما عاد بالجماهير للمربع الأول؛ ما يعني أن الاستجابات العاجلة تعطي فرحاً محدوداً لا حلولاً ممدودة، وما يؤكد - كذلك - أهميةَ عدم الاستجابة لمتطلبات تسطيح الخطاب الثقافي، وما يدل على أن ثمة فرقاً بين شعارات عابرة وبين تكوينٍ ثقافي هادئ؛ وهو ما يطرح عنواناً عريضاً حول الفجوة بين تحرير خطاب وتحرير عقول.

الثقافة قيمة لا قسمة.

Ibrturkia@gmail.com
 

النخبة والجماهير
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة