Friday  11/02/2011/2011 Issue 14015

الجمعة 08 ربيع الأول 1432  العدد  14015

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أعلن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية الأستاذ نجيب ميقاتي أن المسائل التي توحد الأطراف السياسية اللبنانية أكثر من التي تفرق بينهم.

ليت الأمر كان كذلك، يا دولة الرئيس، إذن لما كانت هناك أية مشكلة في لبنان أو حوله، ولما كان ميدان صراع إقليمي يمثله في لبنان تياران، متعاكسان بكل معنى الكلمة، يتبنى كل واحد منهما رؤية مغايرة، بل ومجافية بنسبة مائة بالمائة .....

..... للأخرى، ولكان تشكيل الوزارة مسألة هينة لينة، ميسورة خلال ساعات. ولما كان تكليف السيد ميقاتي قد قوبل بكل هذه التظاهرات والاعتراضات العنيفة، ولكان ممثلو الأحزاب المختلفة قد بقوا متآلفين ضمن وزارة السيد سعد الدين الحريري، الذي عبر سقوطه أو إسقاطه عن الدرجة التي بلغها احتدام الصراع بين التيارين المذكورين، ولكان السيد ميقاتي نائبا في البرلمان وليس رئيسا مكلفا بتشكيل وزارة جديدة، يقول إن معظم أعضائها سيكونون من الخبراء غير السياسيين، لسبب جلي كان عليه الإفصاح عنه هو أن خلافات السياسيين تحول دون تشكيلها من أحزابهم، ودون ضمهم إليها تحت سقف واحد يشبه سقف تلك الحكومة العجيبة الغريبة، التي كانوا يسمونها في لبنان حكومة الوحدة الوطنية، التي يقول أطرافها جميعهم إنه لم يكن فيها أي أثر أو وجود للوحدة الوطنية، وأنها كانت حكومة مناكفات وخلافات مستعرة عطلت البلاد والعباد!.

إذا افترضنا أن السيد ميقاتي كان يتحدث عن الشعب اللبناني، فإننا نقول له: ليت الأمر كان كذلك، أيها السيد الكريم. أنت تعلم ما جرى في طرابلس، مدينتك العظيمة حقا ذات التاريخ العريق جدا منذ آلاف السنين. لقد قام شعب طرابلس وهو يعتقد أنه يدافع عن مصالح جزء من الشعب اللبناني، وأنه يتعرض لظلم فادح من طوائف أخرى، وأن المصالحة معها غدت ضربا من المحال، لذلك يجب تعبئة كل الطاقات حماية للذات من آخر يقال إنه أخ وشقيق في الدين والدنيا، لكن الواقع التصرفات تناقض ذلك!.

من المؤسف أن يعزّي رجل رصين كالسيد ميقاتي نفسه بأقوال تناقض الواقع تماما، بدل أن ينطلق من موقف معاكس تماما، فيعلن أن الأطراف السياسية والشعبية اللبنانية ليست متفاهمة على أي شيء، بما في ذلك وجود لبنان نفسه، لذلك سينطلق برنامج حكومته من المسألة التي لطالما تم تجاهلها، وهي الانقسام اللبناني العميق والتاريخي، الذي تسبب في سلسلة حروب أهلية تتابعت مرات متكررة كل قرن، حتى صارت جزءا من «تراث لبنان الوطني»، وصار من الحيوي جدا إيجاد حل لها، أو ترك لبنان يغرق في المجهول، الذي يبدو أنه ينتظره، بسبب خلافات اللبنانيين وارتباط كل طرف من أطرافهم بجهة خارجية معادية لغيرها، تشحن أجواء البلد بتوترات متزايدة، تضاعف توتراته أضعافا مضاعفة، وتزيد الأحقاد المتبادلة بين أبنائه، التي تعبر عن نفسها في تصريحات يصعب تصديق أنها تصدر عن مواطن ضد بقية مواطنيه، فهو يريد تكسير أيديهم وقلع أعينهم وقطع رؤوسهم، ويطلب إليهم أن يخافوا أكثر من المستقبل، لأن مصيرهم سيكون سيئا، ولن يجدوا في انتظارهم المشتركات الوطنية المزعومة، بل الموت الزؤام!.

لكن السيد ميقاتي قفز من فوق هذه الحقائق، التي تحدد دون غيرها طبيعة الوضع اللبناني الداخلي والعربي، وقرر التصدي للمشكلات بعقلية من رابع المستحيلات أن تحل أية مشكلة، مهما كانت سهلة وهينة، هي تجاهل المشاكل والانغماس في حديث لا يسمن ولا يغني حول المشتركات التي توحد اللبنانيين، ويطعم نفسه جوزا فارغا - كما يقولون عندنا - بالقول: إنها أكثر من المشكلات التي تفرق بينهم.

والغريب أن أحدا في لبنان لم يقل له: قف عندك. أنت تقول كلاما غير صحيح، بل انقسم اللبنانيون حول كلماته، فقال أنصاره إنه على حق تماما لكن تيار المستقبل يثير المشاكل والانقسامات، بينما رد هذا بأن الآخرين هم الذين يتحملون مسؤولية المشكلات التي تعصف بلبنان. فكانت تصريحات الطرفين خير رد على تصريحات ميقاتي، الذي أراد أن يكحلها فعماها، كما يقول المثل الشعبي.

لا حل لمشكلات لبنان بغير الإقرار بالانقسام العميق جدا بين أبنائه وأحزابه وطوائفه، وبين مواطنيه ودولته أيضا. وبغير تقديم تصور جامع يقبله معظم اللبنانيين، ويكون أساسا ليس فقط لتشكيل حكومة، بل كذلك قاعدة توافق تصلح لإعادة بناء لنبان، ومصالحته بعضه مع بعض، مواطنين ومؤسسات ودولة. ومن الأفضل للرئيس المكلف، وللبنان الذي يحبه الرئيس دون شك، الاعتراف بهذه الحقيقة والانطلاق منها إلى حل حقيقي لمشكلات البلاد، ليشاركه الجميع في التصدي لها، والقيام ببداية جديدة للبنان. أما أن يأتي بتأييد طرف، ثم يتحدث عن عدم وجود مشكلة في البلاد، ويطلب إلى الطرف الآخر الانضمام إليه، بخزعبلات كلامية تقول إن ما يتفق اللبنانيون عليه أكثر مما يفرقهم، فهذا هو بالضبط طريق الهاوية، الذي طال إمعان اللبنانيين في السير عليه، ولن يقود إلا إلى مزيد من المآسي، التي لا ينقص لبنان المسكين وشعبه المزيد منها.

لو قال الرئيس ميقاتي: نحن منقسمون بعمق، ولا بد من بداية مختلفة هي وضع أسس لوطن موحد حقا لشعب متفاهم حقا، لدخل التاريخ من أوسع أبوابه، ولكان رجلا لا يعرف فقط كيف يعلو على الخلافات الصغيرة، بل وكيف يؤسس وطنا عظيما. إلى أن يفعل هو أو غيره هذا أو شيئا يشبهه، سيكون الفشل بانتظار لبنان وحكامه، لشديد الأسف!.

 

ليت هذا كان صحيحا!
ميشيل كيلو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة