Wednesday  09/03/2011/2011 Issue 14041

الاربعاء 04 ربيع الثاني 1432  العدد  14041

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كان للريف ولا يزال دور كبير ومهم في تقدم المجتمعات، والثورة الزراعية تعتبر من أهم الثورات في حياة البشرية، حيث ساعدت على الانتقال من حياة التنقل والجمع والالتقاط والصيد إلى حياة الاستقرار، ومن ثم تفرغ البعض للزراعة بما يكفي حاجة الباقين..

وتفرغ الباقون للمهن والحرف المختلفة مثل النسيج والحدادة، والنجارة، وطلب العلم، وغير ذلك من الأعمال والمهن، وبمرور الوقت تفرغ البعض للحرف والصناعات اليدوية المختلفة، وتكونت القرى الصغيرة، وأخذت في النمو، وكم من مدينة كبيرة بدأت قرية صغيرة ثم نمت وترعرعت لأسباب مختلفة، ويعتبر الريف في أي بلد في العالم أهم مصدر لأمنه الغذائي، فالأرياف في العالم كله هي التي تنتج الغذاء، وتنتج الكثير من المواد الخام المستخدمة في الصناعة، ولقد بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا في منتصف القرن الثامن عشر معتمدة على النسيج، والنسيج يعتمد على القطن والصوف.

وهناك تجارب كثيرة في العالم للتنمية الريفية تستحق أن تدرس دراسات مستفيضة، ويجب التركيز على أكثرها قرباً للتطبيق في المجتمع السعودي، فهناك تجارب عربية ناجحة في تنمية الريف في كل من مصر والجزائر وتونس ولبنان والسودان، ومثل ذلك يقال عن أوروبا، والأمريكتين، وتعتبر تجربة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تنمية المدينة المنورة عندما وصل إليها مهاجراً، من أهم وأبرز التجارب العالمية، فقد جعل المسجد محور الارتكاز، ومركز الانطلاق للتنمية في صورها المختلفة، مركزاً على تغيير ما في أنفس الناس من أحقاد وثأر وأنانية، وأمراض اجتماعية مثل الخمور والزنا والظلم والعنصرية، والكذب وخيانة الأمانة وغيرها من الأمراض الاجتماعية، وأرسى قواعد العدالة، والإخاء، والتعاون، والإيثار، وبعد بناء المسجد، قام -صلى الله عليه وسلم- بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وكتابة صحيفة المدينة التي تعتبر من أقدم العقود الاجتماعية في التاريخ، وبين فيها حقوق ووجبات على الفئات التي تعيش في المدينة، بمن فيهم اليهود الذين ضمن لهم أملاكهم ودور عبادتهم، وأوجب عليهم مثل غيرهم من السكان الدفاع عنها، والمشاركة في محاربة من يحاربها ويعتدي عليها، باعتبارهم جميعاً مواطنين، ونظم الرسول قضايا الزراعة والتجارة والحرف، وحث على العمل والإنتاج، والسيرة مليئة بالدروس المفيدة في عمارة الأرض، ومحاربة البطالة والتسول، وتشجيع الاعتماد على الذات، ويجب على المجتمعات المسلمة استلهام تلك التجربة النبوية الرائدة في تنمية الإنسان والمكان، وهناك تجربتان للتنمية الريفية من أكثر التجارب نجاحاً في العالم، هما التجربة اليابانية والتجربة الماليزية، فاليابان تم غزوها من قبل أمريكا في عام 1858م وقام قائد الأسطول الأمريكي فردريك بري بإجبار اليابان على توقيع اتفاقية تجارية مع أمريكا، واعتبر اليابانيون تلك الاتفاقية إهانة لهم، فقاد الإمبراطور ميتسو هيتو ثورة تغييرية بداية من عام 1876م اعتمد فيها على الريف في توفير المال اللازم لتمويل التنمية، وخاصة عائدات الحرير والشاي والأرز، وبدأت اليابان باستيراد مصانع وسكك حديد مستعملة، لرخص ثمنها، وبساطتها وإمكانية تفكيكها وفهمها، ومن ثم تطويرها، وبدأت في ابتعاث طلاب إلى الدول الغربية، وعندما عادت الدفعة الأولى من المبتعثين كان أربعة منهم قد فشلوا في بعثهم لانسياقهم وراء رغبات النفس وشهواتها، فعقدت لهم محاكمة وأدينوا بتهمة الخيانة الوطنية، وتم إعدامهم في ساحة عامة، ثم استأنفت اليابان بعثاتها، فتفوق المبتعثون اليابانيون على طلاب البلاد التي ابتعثوا لها، وبعد عدة عقود أقيم لأولئك الأربعة نُصب تذكارية لأن حياتهم لم تذهب هدراً، ورويداً رويداً تقدمت اليابان وأصبحت من أبرز الدول الصناعية في العالم، ورغم ذلك لم تهمل الريف، فقد زادت عنايتها به، من حيث تقديم القروض، وتدريب الفلاحين، وتقديم الاستشارات لهم، وركزت اليابان في تجربتها في تنمية الريف على القيم اليابانية التي تعلي من قيمة الأسرة، وقيمة التعاون، والحوار، واحترام الكبير، واحترام المرأة لزوجها وإخلاصها لأسرتها وزوجها.

أما التجربة الثانية التي تجب دراستها والاستفادة منها فهي تجربة ماليزيا، والتي انطلقت معتمدة على الريف كما كان الحال في التجارب اليابانية، فكان زيت النخيل، والمطاط من أهم المواد التي تم الاعتماد عليها في توفير الأموال اللازمة للتنمية، وهذا ليس غريباً فمهاتير محمد رائد التنمية في ماليزيا أطلق شعار (النظر إلى الشرق) ويقصد بذلك محاكاة اليابان بدلاً من محاكاة الغرب، للتشابه بين المجتمعين، وتذكر الأدبيات أن التجربة الماليزية انطلقت معتمدة على ثمانية أسس رئيسة تتمثل في:

1- الاعتماد على الذات، والانطلاق من الاعتماد على الريف في التنمية (المطاط وزيت النخيل).

2- المحاكاة المبصرة من خلال سياسة (النظر إلى الشرق).

3- الموضوعية السياسية والاعتراف بالخطأ والعمل على تصحيحه.

4- الرشد وعدم التبذير والإسراف، وهي خاصية يحث عليها الإسلام ويدعو إليها، والمجتمع السعودي من أحوج المجتمعات إلى الأخذ بها، وتطبيقها أفراداً وأسراً ومؤسسات.

5- احترام أصحاب الخبرة والتجربة من الكبار ومن السلطة.

6- المحافظة على الأسرة باعتبارها أهم لبنة في بناء المجتمع.

7- التسامح والوئام العرقي، فالمجتمع الماليزي مكون من ثلاثة أعراق رئيسة: المالية ويشكلون حوالي 50% وهم سكان البلاد الأصليون، ثم الصينيون ويشكلون حوالي 30% ثم الهنود ويشكلون 25% وقد تم التركيز في التعليم ووسائل الإعلام وفي السياسات على أهمية الوئام والتعاون بين جميع فئات المجتمع.

8- دعم الحب والولاء للوطن، وهذه الخاصية فطرية ولكنها تحتاج إلى دعم وتعزيز من الجهات المختلفة، وبرزت في اليابان وغيرها من البلدان. وفي تحفيز التنمية عموماً، والتنمية الريفية خصوصاً يجب على المجتمعات المسلمة استلهام التعاليم الإسلامية لغرس القيم الرفيعة البناءة، ومحاربة القيم الفاسدة، ودراسة التجارب العالمية في مشارق الأرض ومغاربها، سواء التجارب المحلية، أو التجارب المتخصصة في مجال من مجالات التنمية مثل تجارب برامج الأسر المنتجة، وتجارب المشروعات الصغيرة، وتجارب الزراعة الحديثة المعتمدة على التنقيط والتقنيات الحديثة، وتجارب السياحة الريفية، والسياحة الثقافية، وغيرها من التجارب المفيدة. والله الموفق.

أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية

zahrani111@yahoo.com
 

تجارب عالمية في التنمية الريفية
د. عبد الرزاق بن حمود الزهراني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة