Friday  11/03/2011/2011 Issue 14043

الجمعة 06 ربيع الثاني 1432  العدد  14043

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

فسبحان من قدّر ذلك التنظيم في النوم، واستقامت به أحوالنا، ووقته، لما وراء ذلك من فوائد ومصالح، وهيأ سبحان هذا النوم، الذي يهجم علينا بالقوة، عندما يحتاج إليه الجسم، ليكون متنفساً للجسم سواء كان آدمياً أو حيواناً أو طيراً أو غير ذلك، حتى النباتات تحتاج النوم، ولتنشط العقول، وتتجدد به القوى في الأجسام، سواء كانت النتائج ظاهرة أو باطنة، أو في الرأس وما حوى، من متطلبات الإنسان المهمة التي تتأثر بقلة النوم، ومن ثم تنشط إذا أخذ الجسم كفايته من النوم، حيث يتأثر الأعضاء كلها، وتنشط الأنسجة الباطنية في الجسم، وهذا حسب حاجة جسم الإنسان، فالناس يختلفون كما يختلفون في العادات والطبائع والقدرات.

بحسب الكمية التي نالها هذا الجسم، لتغطية حاجته من النوم، والذي يرتاح فيه كل عضو وخاصة الرأس وما حوى، والأعصاب والعضلات، فإن الأشخاص يختلفون في القسط المطلوب لأجسامهم، لكن المعدل للبالغ من بني آدم، ما بين 7 ساعات إلى 8 ساعات، عدا الأطفال فنومهم أطول.

والأمثال العربية جاءت متتابعة، في الدلالة على أهمية النوم، ومنها نوم القيلولة، كما جاء في الأثر: (أقِلْ فإن الشياطين لا تُقِلْ)، إذْ كان علماء الإسلام يراعون، ذلك الوقت، الاهتمام بنوم النهار وهو ما يطلق عليه خاصة: نوم القيلولة: وهو نوم الظهر.

فقضاة المسلمين في الأندلس أيام ازدهارها وعلماء الإسلام فيه، وفي بغداد والشام، وفي مكة والمدينة، كان يعطلون العمل للنوم والاستجمام: في أربعانية الشتاء، وفي أربعانية الصيف، وما ذلك إلا لشدة الحر، وشدة البرد، فيهما، فلا يزاولون فيهما عملا لمدة 40 يوماً لكل منهما، وقد بان هذا في سِير حياتهم، نموذج ذلك: عبدالله بن العباس رضي الله عنه، في طلبه العلم، فقد كان يتوسد عتبة دار من يجدُ عنده علماً، أو حديثاً يسأله حتى إذا استيقظ رآه عند الباب ولم يرغب إيقاظه فيعتذر ذلك الصحابي، ويقول يا ابن عم رسول الله: هلا دَقَقْتَ الباب؟ فيعتذر ابن عباس بعدم إفساد نومته عليه، وهذا من أدب طلب العلم مع شيوخهم.

وهذا التقسيم عندهم والتوقيت للنوم لم يأتِ إلا عن تجارب واستدلالات.. وكان هذا عند علمائنا في هذه البلاد فالشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله أخبرني عن نومته في القيلولة عندما كان قاضياً من عام 1357هـ، ثم في الرياض عندما كان مدرساً في كلية الشريعة في الرياض، وهي بعد صلاة الظهر.

لكنه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ودوامها كالموظفين إلى الظهر الساعة 2.30 ظهراً، صار يعوض بالنوم بعد صلاة العصر وقد أخذتُ هذه العادة عنه، كما هي عادة كثير من الموظفين، ليرتاحوا بعد العمل، وقد قال له شخص في يوم من الأيام، عن ما قيل له - رحمه الله- عن سوء النوم في العصر مستشهداً بعجز بيت من الشعر وهو (ونوم سويعات العشي خَبالُ) فردّ عليه رحمه الله بالقول: هذه عادة اعتدتها منذ عملت في الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة، حتى الآن، وما شِفْت من ربي شرّ. وقد تأثرت به في ملازمة النوم عصراً وغيري فسبحان من أودع في أجسامنا أسراراً نرتاح إليها وبالتجربة، ولا نُدرك كُنهها، إذْ هيأ الله ما يكون متنفساً للجسم، ومريحاً لخفايا خلاياه، وأنسجته الداخلية ومجدداً للنشاط والذهن من أجل مصالح الدين والدنيا للفرد والجامعة، والتقوية على طاعة الله، لمن أعانه الله على قيام الليل، ومقوّياً على طاعة الله سبحانه، والنشاط للفجر، امتثالاً للأمر، وخوفاً من عتاب، وأداء للأمانة.

ولذلك أُمِرَ المتعبد في صلاة الليل، وغيرها بالنوم إذا كَثُر تَعَبُه حتى لا يختلط عليه الأمر في أدعيته وقراءته وصلاته فيضر نفسه، من حيث لا يدري مع غلبة النوم وهجومه عليه حيث لا يمكن مدافعته، أو التغلب على سلطانه، لأن القلب ثم اللسان لا يمكن السيطرة عليهما مع النوم.

وحكاية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضوان الله عليهم في أحد أسفاره لما غلبهم النوم على صلاة الفجر ولم يستيقظ أولهم وهو المؤذن بلال إلا بطلوع الشمس، فأيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالرحيل، وقال: حضرنا في هذا المكان شيطان ثم بعدما ابتدعوا قليلا، نزلوا وصلوا: وهذه معروفة في كتب الحديث.

كما أنه ليس خافيا، على كل مسلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أمره لكل مسلم إذا أراد أن ينام، أن من السنة أن يكون على طهارة، وترغيبه صلى الله عليه وسلم لمن كان على جنابة، ألا ينام إلا بعد الغسل.. وعلل ذلك بعض العلماء: بأن النوم الموتة الصغرى، وقد يفاجئه الأجل، وهو في نومته هذه، فلعلّ ذلك مما يُحسن خاتمته.

كما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النوم على الأدعية والأوراد، مع ذكر الله وقراءة السور: المعوذات الثلاث وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك من آداب النوم وأن ينفظ فراشه مع الذكر وقراءة الفاتحة احتياطاً حتى يطمئن على خلوه من بعض الحشرات والزواحف الضارة، ويقرن ذلك بقراءة آية الكرسي، كما أخبر عن علّة أخرى، صلى الله عليه وسلم، في أدعية الورد وفائدة آداب النوم، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يعقد على قفا النائم، ثلاث عُقدٍ، فإنْ قام وذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلّتْ العقدة الثانية، وإذا صلى انحلتْ العقدة الثالثة، فيصبح منشرح الصدر مرتاحاً، وإلا صار خبيث النفس، منقبض الصدر - أو كما قال، وفي الحالة السابقة أخبر في موثوق: قرأ آية الكرسي ولما قمت للصلاة إذا ثعبان نائم تحت فراشي، وجاء في الأثر أن القرين من الشياطين، الملازم للإنسان وفق الآية الكريمة حيث يتبرأ من الإنسان: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (ق آية 27)، وهو من الشياطين.

هذا القرين يلازمه في نومه، فإن استيقظ وأراد الصلاة أوحى إليه بأن الليل طويل والنوم لذيذ والصبح بعيد حتى يكسله عن القيام والصلاة في وقتها ومع الجماعة.

والنوم كعجيبة من العجائب تحدّث فيه فلاسفة الأمم، والأطباء قديماً وحديثاً، وخاصة فيما يتعلق به مع الإنسان كيف يأتي وكيف يذهب، يذكر بالموت، ويربط المخلوق بقدرة الخالص، فكان يُطلق عليه الموتة الصغرى، استدلالا بالآية الكريمة التي قالها الله سبحانه: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (الزمر آية 42)، فسمى الله سبحانه النوم موتاً، وهي الموتة الصغرى.

فكم من إنسان في أيّ موقع من الأرض، نام وكانت نومته هذه أبدية؟ ولذا كان المؤمن على يقين من ربه، ويأخذ الأهبة للنومة الكبرى، بالأدعية التي حث عليها دينه، لأنه متهيئ ومستعد للقاء قدره المحتوم، لأن الآجال محجوبة عنه، ومن حُسْن ثقته بربه، فهو مستعد وهو يتهيأ للنوم، بمثل هذا الدعاء المأثور: (باسمك ربي وضعْتُ جنبي، وباسمك أرفعه فإنْ أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها، وإنْ أرسلتها فاحفظها بما حفظت به عبادك الصالحين).

وقد جاء ذكر النوم في كتاب الله الكريم: تسع مرات، وبمثلها جاء السُّبات والنعاس.. ذلك أن السبات أو النعاس، يعتبره العلماء غير ناقض، ويعتبر الناقض هو النوم الطويل، ويسميه الفقهاء: نوم ليل.. لأن الإنسان يفقد وعيه وينطلق أحياناً وكاؤه.

ورى بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعس وقال: فنفخ وقام للصلاة واعتبروا هذا النفخ من النوم القليل، الذي لم يذهب معه العقل، فإن قيل إنه قد قال فهو من خصائص النبي، والأول أخفى للترخيص ونوم الليل يرتاح فيه الإنسان أكثر من نوم النهار، ذلك أن الجسم البشري فيه مواطن قوة ومواطن ضعف، فإذا أجهِدَ وأحسّ بالتعب، ضعُفَ نشاطه حتى يستجمَّ ويعاود نشاطه والنوم من أهم ما يريح الجسم من التعب والإرهاق، فيتجدد النشاط ويكون هذا بالنسبة للإنسان بمثابة الماء والمنظفات التي تستعمل في تنظيف الثياب وغيرها مما يستعمله الإنسان ليعود الثوب أو الأثاث والمتاع نظيفاً وجديداً.

وكذلك النوم بالنسبة لبدن الإنسان يجلأ صدأ التعب والإرهاق مثلما يَجْلو الماء مع تعدد المنظمات الأوساخ على الملابس وغيرها فتعود جديدة وكذلك الكير يجلو صدأ الحديد.

فسبحان من رعانا وحمانا من الشرور، في أنفسنا ومَنْ حولنا وفي أجسامنا وما أودع سبحانه فيها، من الأسرار والعجائب، التي تدعو إلى قوة الإيمان، وشكرا لمنع المتفضل سبحانه، القائل وقوله الحق: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (النحل آية 53) ونِعَمُ الله لا تعدّ ولا تُحْصى.

(للحديث صلة)

 

النوم وفوائده (2-3)
د. محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة