Sunday  13/03/2011/2011 Issue 14045

الأحد 08 ربيع الثاني 1432  العدد  14045

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

يوم الخميس كان علي أن اتخذ قراراً مهماً: هل أحضر مساءً حفلة زواج العزيزة وئام في البحرين؟ أم أتجنب السفر لأن الأوضاع متقلقلة؛ متذكرة ما ركزت عليه نشرات الأخبار أن في البحرين معتصمين في الدوار رغم محاولات الحوار؟ ومن يدري إن كان شيء ما سيتصاعد في الشوارع ما دامت هناك احتقانات واتهامات وتصعيد؟

وزاد الحيرة بلة واتخاذ القرار صعوبة أن تعالت أصوات أقرب؛ محذرة ومترصدة ومنذرة بتحسبات لمواجهة نداءات مغرضة بمظاهرات متوقعة!! وزكمت الأجواء رائحة مزعجة لما سموه «ثورة حُنين» حددوا لها موعداً مشئوماً هو يوم 11 مارس.. أي الجمعة التالية لخميس الفرح.

القرار إذن يعني العبور إلى شوارع متأزمة ثم العودة إلى شوارع تكهنوا لها بالتأزم! حاصرتني وساوس ما امتلأت به الشبكة والفضاء الإعلامي من «استعدادات لمواجهة أعداء الوطن الذين استجابوا للتحريضات الخارجية أو سينفذون أغراضها». وما امتلأت به شوارع الفيسبوك من صخب بلُغةٍ كشفت ضحالة الوعي العام؛ حيث لا فرق أن نتجمع هاتفين بالدعاء لاستقرار أمن الوطن أو أن نسمح أن ينحدر الصخب للسب المقذع تجاه من حملناهم تهمة العقوق ونية الخيانة، آلمني أن أكتشف مدى هشاشة فهمنا لمعنى المواطنة حين نستخدم في ذكرهم لغة لا تتورع عن ذكر أجساد أمهاتهم وأخواتهم وكأن إثبات مواطنتنا مربوط بما تحت الإزار وبالإقصاء والتصنيفات الفوقية والتحلل من كل أدبيات الحوار وتعاليم الدين.

في هذه الأجواء النفسية القاتمة كان علي أن أقرر. ولا أعرف هل تغلب المنطق على العواطف أو العاطفة على المنطق حين أقنعني أفراد العائلة أن اللغط الدائر يضخم الأمور وأن حضور الاحتفال مهم لأن وئام بمثابة إحدى بناتي!

والحمد لله أنهم كانوا على حق. وأنني استجبت بالتفاؤل!!

وهكذا وجدتنا ضمن عشرات السيارات، نعبر جسر الملك فهد، ثم نواصل إلى المطار لاستقبال ابنتي التي حضرت من مقر عملها في الخارج لحضور فرح زميلتها، ومن ثم إلى الفندق مقر الاحتفال الذي وجدناه عامراً بالكثيرين من المعارف والجيران جاءوا للمشاركة في الفرح.. وكثير ممن لا نعرف جاءوا أيضاً لحضور عرس آخر تزامن معنا.

ولم نجد في الشوارع بين الجسر والمطار والفندق أي شيء ينم عن كل التخوفات التي حذرتنا الأخبار المتناقلة منها. وقضينا وقتاً سعيداً نشارك العروسين فرحهما وتفاؤلهما بأسرة سعيدة وخرجنا ندعو لهما بمستقبل مستقر قائم على التعاون والحب المتبادل.

ومض في بالي وأنا أتأمل العروسين الشابين أن مشروع بناء أسرة سعيدة لا يختلف عن مشروع بناء وطن مثالي، إلا في كون المعنيين بالأسرة أقل عدداً من المعنيين ببناء الوطن. ثم الحال واحد في أن لكل فرد منهم مرئياته ورغباته الخاصة وتحيزاته لأفكاره. ولا يمكن البناء الإيجابي إلا بروح التفهم وتحمل المسؤولية وبممارسة البناء كفريق متعاون يتبادل الأطراف فيه التقبل والرغبة الصادقة بإنجاح مشروع التعايش. وأهم مستلزماته قدرة الحوار الإيجابي.

وأنه من السهل جداً أن نلقي بمسببات فشل المشروع على طرف نتحيز له دون آخر ملتمسين الأعذار لأنفسنا في أن الآخر هو من تمادى في متطلباته. ولكن، في الحقيقة النهائية تعثر أي مشروع أو تأخر نجاحه أو فشله يحدث بفقدان قدرة «التفهم والتقبل والوئام»؛ المادة التي يتم بها تماسك الأطراف معاً في كيان واحد. ولضياعها مفعول السم الذي لا ترياق له. وبمفعوله تتصدع الأوطان.

وصلنا المنزل فجر الجمعة، واستسلمت لنوم مضطرب نوعاً ما وأنا أدعو الله أن يحمي الوطن من أعدائه.. وقلة وعي أبنائه.

والباقي تاريخ معروف: لم يحدث شيء يوم الجمعة 11 مارس.. إلا في شوارع الفيسبوك حيث انشغلوا بإثبات حب الوطن بلغة السباب والإقصاء والتهم واحتدام الفصام وكان الأفضل حكمة بسيطة تذكرنا: حب الوطن هو أن تتذكر إن الوطن حق للجميع دون تمييز.. ولا وطن يبنى في انعدام الوئام.

 

حوار حضاري
في الوئام .. واحتدام الفصام !!
د. ثريا العريض

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة