Tuesday  15/03/2011/2011 Issue 14047

الثلاثاء 10 ربيع الثاني 1432  العدد  14047

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      



يتذرع يوسف الأحمد وفرقته في مشاغباتهم بالاحتساب، وأنه حق من حقوق أي مسلم، يمارسه متى أراد، وكيفما أراد، ولا يلغيه إلا من ألغى شعيرة من شعائر الإسلام، ومَنَعَ الناس عن مزاولتها.

وهذا كلام يحتاج إلى نقاش وتفصيل. صحيح أن هذه الدولة قامت وتأسست وبقيت على مدى ثلاثة قرون على الإسلام عقيدة وشريعة؛ وهذا ما نصَّ عليه بوضوح النظام الأساسي للحكم. غير أن هذا لا يعني أن دولة اليوم في مؤسساتها - وليس في مرجعيتها - تشبه دولة الأمس. في الماضي لم يكن هناك مؤسسات (حكومية) تنظم شؤون الناس؛ فلم يكن هناك وزارات لخدمة الشأن العام، ولا محاكم تحكمها أنظمة، وتضبط قضاتها ضوابط تنظيمية، وتدوّن أحكامها في سجلات. ولم يكن هناك - أيضاً - كتابات عدل، ولا صكوك رسمية تصدرها الدولة، ولا أي شيء من هذا القبيل. مؤسسات الدولة الحديثة، وتنظيماتها، وعلاقاتها ببعضها، أفقياً ورأسياً، شأن (حديث) لم يعرفه السلف، جاء إلينا من الخارج، ولا يمكن اليوم تصور دولة حديثة دون مؤسسات؛ فلو أتى رجلٌ و(تبرّع) - مثلاً - بأن يوثق مبايعات الناس خارج مؤسسات الدولة الرسمية (محتسباً) دون مقابل، كما كان السلف يفعلون، لمنعته الدولة؛ فهو يسعى (عملياً) إلى إقامة سلطة (موازية) لسلطة الدولة؛ فمؤسسات الدولة الحديثة يجب أن تكون (منفردة) هي المعنية بتقديم هذه الخدمات، وكل من ادعى أنه عندما يمارس مثل هذه الممارسات كان (يقتدي) بالسلف في هذا الشأن كما يزعم الأحمد وفرقته، فيجب أن يقال له إن الدولة في زماننا تختلف عن الدولة في عصور السلف؛ وإذا كنت لا تدرك هذه الفوارق بين دولة الأمس ودولة اليوم، فهذه مشكلتك وليست مشكلة الدولة.

وما ينطبق على كتابات العدل ينطبق أيضاً على قضايا (الاحتساب)؛ فلا يمكن أن يكون الاحتساب قضية يُمارسها كل من وجد في نفسه الكفاءة كما يطالب الأحمد؛ فمثلما لكتابات العدل اليوم مؤسسات رسمية، فإن للاحتساب أيضاً مؤسسات رسمية، تتمثل في الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعاملون فيها يعملون بموجب (ولاية) مخولة لهم من السلطات الرسمية، ويَحكُم احتسابهم نظام، ويمتثلون إلى تعليمات يتلقونها ممن أعطتهم الحكومة دون غيرهم هذه السلطة على سبيل الحصر.

أعرف أن هناك من سيأتي ويقول: طيب؛ لماذا تنتقد ممارساتهم لأعمالهم طالما هم مخولون؟.. أقول: أنْ أنتقد ممارسات الهيئة، لا يعني إطلاقاً أنني أطالب بإلغائها، أو شطبها كما يتصور البعض؛ نقدي للهيئة هو نقد تقويم وبناء، وليس نقد هدم وإلغاء؛ فهل أنا عندما أنتقد - مثلاً - بعض ممارسات البلديات أو وزارة المالية أو غيرها من مؤسسات الدولة يعني أنني أطالب بإلغاء سلطات الدولة وتعطيل مؤسساتها؟.. كل ما أطالب به بالنسبة للهيئة أن يُعاد تنظيمها، وتحديد سلطات ومسؤوليات العاملين فيها، وتعريف المنكر الواجب النهي عنه بوضوح، والمعروف المطلوب الأمر به بوضوح أيضاً، وإيكال مهام الاحتساب الميداني ليس للصبية غير المؤهلين، أو (الحمقى) المندفعين، وإنما لمن يدركون حساسية الاحتساب، وواجباته وضوابطه، بحيث يكون من يعمل في الهيئة تحكمه أنظمة وقوانين من جهة، ومن جهة أخرى لديه من الحصافة والتعقل وتقدير الأمور وعواقبها، ما يجعل الاحتساب عنصر بناء لا معول هدم وتخريب وشغب.

إن إطلاق يد يوسف الأحمد وفرقته (ينافسون) مؤسسات الدولة الرسمية بحجة الاحتساب، (فوضى) لا يمكن أن تقره اليوم أي دولة؛ فضلاً عن أنّ فيه انتقاص للدولة، مؤداه أن مؤسساتها الشرعية لم تضطلع بمهامها ومسؤولياتها على الوجه المطلوب؛ وهذا ما يجب أن تأخذه السلطات في المملكة، وتحديداً هيئة الأمر بالمعروف، بعين الاعتبار.

إلى اللقاء.













 

شيء من
يا يوسف الأحمد اعقل!
محمد عبد اللطيف آل الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة