Monday  04/04/2011/2011 Issue 14067

الأثنين 30 ربيع الثاني 1432  العدد  14067

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

ما الإصلاحات ؟

رجوع

 

كنت قد كتبت في صفحة الفيس بوك قبل جمعة أهل المطالب، وذلك (يوم الخميس 5 ربيع الثاني 1432 هـ - 10 مارس، 2011) مقالا بعنوان « هل المظاهرات محرمة؟ « بينت فيه أن بلادنا ليست بحاجة إلى تظاهرات، وأن مشروعات الإصلاح تحصل دون اللجوء إلى تلك التظاهرات، وألمحت إلى أن البلاد ربما تفقد بمثل هذه التظاهرات ركائز شرعية ؛ لأنه لا بد أن يكون بين المطالبين ذو منحى طائفي، أو انحلالي، ينادي بإحالة أمور دينية بحتة إلى التصويت، وهذا هو معنى العلمانية بالعرف الأوروبي، وأريد الآن أن يرجع معي القارئ قليلا بعد تلك القرارات الملكية الصادرة (يوم الجمعة 13 ربيع الثاني 1432 الموافق 18 مارس 2011)، لنرى جميعا ما مستوى طموح المنادين بالمظاهرات، وما الذي تحقق في أرض الواقع.

فالمطالبون - على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم - يجتمع قولهم في الرغبة في إصلاحات اقتصادية، وإدارية، ودينية، وسياسية، أما الاقتصادية فدافعها غلاء المعيشة، وتدني مستوى دخل الفرد، وأما الإدارية فالحامل عليها القضاء على الفساد في الدوائر الحكومية، وأما الدينية فتطمح إلى تطهير المجتمع من المنكرات، وأما الإصلاحات السياسية فلم تكن مطلبا لكل المتظاهرين، ولا لأكثرهم، وسأذكر إن شاء الله أبعاد مطالبيها.

فأما الإصلاحات الاقتصادية ؛ فيجتمع أهل التظاهرات وغيرهم على أنه متى كانت الأحوال المعيشية للناس مرضية ؛ لم يكن ثمة داع إلى حشد تلك التجمعات لأجل الأمر الاقتصادي، لأنها ليست أمرا مطلوبا لذاته، وإنما يراها أولئك المنادون بها وسيلة للتعبير عن الرغبة الملحة في الإصلاح، وهم مختلفون في مستوى الإدراك والتفكير، ومعرفة مناط أفعالهم، فطائفة منهم ترى أن تحقيق عدالة كعدالة الخلفاء الراشدين، وعمر بن عبد العزيز ؛ أمر عزيز الوجود، ولسان حالهم يقول: « حنانيك بعض الشر أهون من بعض «، و « ما لا يدرك جله لا يترك كله «، وطائفة لا تنظر إلى المتاح من الإمكان، وإنما تطلب المثالية على كل حال، وطائفة لا تعي من الاحتشاد إلا تكثير السواد، بناء على رأي فلان أو فلان، ولولا أن لفعل هذه الأصناف الثلاثة أثرا على مجتمعنا وفكره ؛ لما اقتحمت هذا المجال الذي يبدو في قالب سياسي.

فأما الصنف الثالث فواضح أنه ليس له رأي، فلا كلام معه، وأما الصنف الثاني فإنه لا يبالي بمآلات فعله ولو كان على حساب أيدلوجيته، لأن غرض التغيير لديه مطلب أساس، فهو كالمقامر الذي يخسر كل ماله في سبيل نيل القليل، وأما الصنف الأول فلا أشك أنه سيعجبه توجه الدولة إلى إنشاء 500 ألف وحدة سكنية في البلاد، بما قيمته 250 مليار ريال، ورفع قيمة الحد الأعلى لصندوق التنمية العقارية من 300 ألف ريال، إلى 500 ألف ريال، والدعم السخي له وللضمان الاجتماعي، واعتماد حد أدنى لرواتب المواطنين، وهو ثلاثة آلاف ريال، وإحداث الوظائف في وزارة التجارة والصناعة لمراقبة أسعار السلع في الأسواق، للتصدي للمتلاعبين بالأسعار، والتغيير الفوري للحد الأعلى - في برنامج تمويل المستشفيات الخاصة - من 50 مليون ريال إلى 200 مليون ريال، بالإضافة إلى إحداث وظائف جمة، وصرف ألفي ريال شهريا لمدة عام لخريجي الجامعات الباحثين عن وظائف، وتنجيز أمر مستحقي الترقيات في المجال العسكري، وإن كان الطموح أن يشمل هذا أيضا المجال المدني، فإن تلك الأوامر تساهم إلى حد كبير في رفع المستوى المعيشي والسكني لدى الفرد، وتعزيز المستوى الصحي في البلاد.

نعم، لست أرى أن المستوى سيتغير ما بين عشية وضحاها، ولست أرى أن الفقر سيزول برمته، ولا أرى وجها لأن يصفق للخبر المنقول عن الاستخبارات البريطانية الموحي بأن السعودية - بسبب تلك الأوامر الملكية التي ستنفق ما يقارب ميزانية تسع دول أوروبية - ستكون الدولة الآسيوية الأولى المرشحة كأفضل مستوى معيشة خلال الأعوام الثلاثة (2012، 2013، 2014 م)، لأن هذا - وإن كان له حقيقة بقدر ما - لا يعني دخول جميع الأفراد، فإن الدراسات التي تحدد دخل الفرد في بقاع العالم دراسات وسطية، تبنى على أن حجم المال المتداول موزع على عدد السكان، مع أن البلاد لا تخلو من فقير معدم، ولكن مرادي أن هذا التوجه الحكومي لا بد من شكره، وتشجيعه، والثناء عليه، وإن كان بعض من تمسح بشيء من الثقافة يقول: « لا شكر على واجب « ؛ فإن هذه المقولة لا رصيد لها من الحكم الشرعي، ولا الموروث التقليدي، فإن الله تعالى يشكر لعبده الطاعة، مع أنها واجبة عليه، بل لو كانت تلك المقولة صحيحة فإنك في بعض الأحوال تحتاج أن تشكر على الواجبات، لقلة القائمين بها، فكم رأينا من يشكر الرجل على بره بوالديه، أو على قيامه بما وجب عليه نحو أولاده وأهله، أو جيرانه، أو غير ذلك.

وأما الإصلاحات الإدارية فهي مطلب كل فرد من أفراد المجتمع، ولا يخفي أن في السلك الإداري ما هو بحاجة إلى إصلاح كبير، وهذا مما صرح به الملك - حفظه الله - في أكثر من مناسبة، ولا أدل على هذا من أمره بإنشاء هيئة لمكافحة الفساد، ومن المفرح في هذا أن الأمر الملكي نص على أن القرار يشمل جميع القطاعات الحكومية، ولا يستثنى منه أحد كائنا من كان، ولا بد من التكاتف بين أطياف المجتمع للوقوف مع هذا التوجه الملكي، لأن أمام مجتمعنا - لأجل الحد من تورم الفساد - طريقا شاقا، وإذا كان هَمُّ محاربة الفساد هَمًّا حكوميا ؛ فما معنى التظاهر لمحاربته؟ قد يكون الغرض من التظاهرات الحث على دفع عجلة التغيير، ولكن هل الأنجح في الحل التكاتف أو التنافر؟

وأما المجال الديني فعمدته تهيئة الواقع لإقامة أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والعناية بالكتاب والسنة، وتطهير المجتمع من المنكرات الظاهرة، وإقامة الحدود، والمطلب الديني ليس كالمطلب الدنيوي، فإذا كانت مطالبة أكثر العقلاء أن يُكتفي ببعض الدنيا عن كلها ؛ فإن الدين لا يكفي منه شيء عن شيء، فإن الدين جملة واحدة، فإذا جاء الأمر الملكي ليعلن الهمة في تغطية جوانب الدين، كان ذلك محمدة يجب شكرها، ولا يلزم أن تتطابق الهمة مع الواقع في ساعة من نهار، فإن الإصلاح يتطلب وقتا غير آني، ولن ترى أحدا من أهل الخير إلا وقد سرته تلك الأوامر الملكية بحفظ جناب العلماء، وتعزيز مكانة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشجيع مكاتب الدعوة والإرشاد، والعناية بالمساجد، وإنشاء مجمع فقهي، فهذه الأوامر معلنة على الملأ، وهي مستند لكل مريد للإصلاح أمام أي مسؤول في الدولة.

وأما الإصلاحات السياسية؛ فقد ذكرت سابقا أنها لم تكن مطلبا لكل المتظاهرين، ولا لأكثرهم، والمتأمل يرى أنها ليست إلا موضة جارى فيها بعض أهل بلادنا فضاءات أخرى، وقد كانت طموحا نادرا ؛ أما على المستوى الخارجي فإن علاقة بلادنا بجميع بلدان العالم علاقة قائمة على مصالح مشتركة، فلم يكن ثمة داع للمماحكة فيها، وأما على المستوى الداخلي فإن الفلك الذي يدور فيه أهل ذلك الطموح إنما هو حرية التعبير، والمشاركة في القرارات، وهذا - على ما في النفوس من تشوف إليه - لا يلزم قبوله مطلقا، ولا رده مطلقا ؛ فإن حرية التعبير لا ضابط لها، فأنا وأنت نختلف فيما هو موضع للحرية، ولهذا تفصيل وتأصيل أذكرهما في مقال قادم إن شاء الله، كما أن طلب المشاركة في القرار - وإن كان مطلبا وطنيا - قد يكون فجا ؛ فإن لازمه أن التنمية الوطنية، والمشروعات الإصلاحية، والخطط التعليمية، والعمرانية، وغير ذلك - مما قامت عليه البلاد - لم يكن يشارك فيها أحد من الشعب، وأن هذا المنادي أو ذاك هو الذي يقرر صلاحية نفسه لهذه المشاركة، وكلاهما لا يسلم من تجنيح، نعم، هناك قصور في نواح شتى في البلاد، والحس الوطني لدى أبناء هذا الوطن يدفع إلى سد الخلل، ولكن لكل مراد مسلك صحيح، ومسالك غير صحيحة.

فهذه المطالب السياسية - إذا اختصرنا صحتها في بعض جوانبها - تبقى مطلبا يدور حول الأولوية، وتقدير مستوى صلاحية هذا الفرد أو ذاك، وأما المطالب الاقتصادية، والإدارية، والدينية، فهي تخص كل فرد من أفراد المجتمع، ولهذا انصبت عليها القرارات الملكية.

إنك لن تجد شعبا من الشعوب يلجأ إلى تحشيد الحشود إذا كان لدى حكومته توجه جاد إلى الإصلاح، فإن كان غرضنا الإصلاح فلا بد من اللحمة الوطنية التي يشد أطرافها كل فئات المجتمع مع حكومتهم، وإن كان الغرض مجرد المجاراة لمتظاهري البلدان الأخرى، فلن يردع عن هذا الغرض إصلاح مهما بلغ من العلو، وسيكون تحقيق هذا الغرض على حساب كثير من مسائل الدين، ومسائل الأعراف الطيبة، وعَلَى حساب تلك الإصلاحات الكبيرة، فستذكرون ما أقول لكم.

د . عبد العزيز بن أحمد البجادي -جامعة القصيم

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة