Friday  15/04/2011/2011 Issue 14078

الجمعة 11 جمادى الأول 1432  العدد  14078

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

على كثرة عمل مقص الرقيب فيما أكتبه من مقالات، وعلى ما يتركه هذا المقص من جروح دامية في الفكر تؤدي إلى شلل جزئي في أنامل اليد التي تمسك بالقلم حتى تصبح كتابة المقال كمخاض عسير قد يتمخض عن جنين مشوه أو يتيم، إلا أنني لم أعترض قط على منع مقال لي، أو اقتراح بتعديل بعض جمله أو محتوياته. فأنا أدرك بأنني لا أحسن العوم في بحر سياسة الخطوط الحمراء السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية التي تقيد فكر مجتمعنا السعودي وتحكم ردود أفعاله، لذا، فمن الحكمة عندي أن أترك قيادة الدفة لمن هم قد ألفوا على الإبحار في هذا البحر وتمرسوا في الغوص في أعماقه وتعاملوا مع عواصفه واضطراباته كالأستاذ خالد المالك (رئيس تحرير الجزيرة) الذي دائما ما يشرح لي بإسهاب وتفصيل أسباب المنع أو التنقيح، ولم يبخل علي قط بالنصائح والتوجيه، وهو هنا في مقام الأستاذ القدير المتمكن العريق الذي عركته الأيام والتجارب وعركها، فلم يعد يختلط عليه الخط الأحمر من الخط الرمادي.

الرقابة على الصحافة قيد لم تفرضه الصحافة على نفسها، بل هو أمر قد فُرض عليها. وعلى الرغم من هامش الحرية الذي أعطي لها مؤخرا إلا أنها ما تزال في آخر الركب. وقد يتفهم المرء جدوى سياسة الرقابة على الصحف والمجلات في العقود المنصرمة، ولكنني أعتقد أن هذه السياسة اليوم تشكل عاملا مهما في الإسراع في عملية الإجهاز على الصحافة وإخراجها من الأدوات الإعلامية التي تؤثر على المجتمع وتقود فكره واتجاهاته.

اليوم انقلب دور الرقابة، فأصبحت نتائجها عكسية عن ما كانت عليه بالأمس؛ فبالأمس كان للرقابة دور في تحجيم الفكر وتوجيهه، وأما اليوم فقد أصبح للرقابة دور عكسي. الرقابة اليوم تدفع الجمهور للبحث عن المعلومات خارج الصحافة بعين انتقائية تبحث عما يخالف توجه الصحافة بشكل عام، وبذلك تفقد الصحافة دورها في إدارة الأزمات، بعد أن تكون قد أفقدتها مكانتها الإعلامية في المجتمع.

في العقود الماضية أذهبت التقنية الكثير من المهن العريقة والعتيقة وأتت بمهن أخرى جديدة فأحلتها مكانها. والحصيف آنذاك من تدارك الوضع في بداياته فتأقلم مع الجديد وطوع مهاراته له فهو اليوم لم يقعد يبكي زمانه ويشكو حاله، بل هو اليوم يتغنى بأيامه الخوالي بدلا من أن يتأسف عليها. واليوم لم يعد يخفى على أحد جدية تهديد تنقية المعلومات بجميع أشكالها على الصحافة التقليدية، فلم يبق للصحافة التقليدية اليوم إلا قراؤها من الجيل الماضي والحالي من دون فئة الشباب، فالشباب يجد صحافته في الإنترنت وفي القنوات التلفزيونية، هذه التقنية الإعلامية المعلوماتية ليست كشريط كاسيت البارحة.

لم يعد الزمان كالزمان، فالحول اليوم كالأسبوع بالأمس والأمور لم تعد كما هي: مجرد موضات عصرية تمر بها المجتمعات كل نصف قرن، إذا انحنى لها المجتمع وهادنها فإنها ستمر عليه بسلام، ثم تزول ويعفو عليها غبار النسيان.

لم يُختصر الزمان اليوم بتقارب المسافات، بل بتقارب العلوم والمعارف والثقافات وهيمنة إمبراطورية تقنية المعلومات العظمى.

الميزة التنافسية للصحافة التقليدية اليوم هي مصداقيتها الرسمية بسبب تعرضها للمساءلة وتحملها للمسئولية. هذه الميزة التنافسية يمكن استثمارها بذكاء وحكمة للوقوف بقوة أمام الهجمات الشرسة التي يشنها الفضاء المفتوح للمعلومات. وإن إمعان مقص الرقيب في تشديد الرقابة على جسد الصحافة التقليدية سيؤدي حتما إلى ضياع هذه الميزة التنافسية للصحافة التقليدية.

من أحسن ما قيل في حكم النظرات الإستراتيجية : «لا ينفع البر يوم الغارة»، وإن مما سكت عنه أنه إن لم تُؤسس الصحافة التقليدية اليوم قدم صدق لها في عقول شباب البلاد، فلن يقوم للصحافة التقليدية مقام مستقبلي. فالصحافة كلمة، وحالها حال العملة الورقية والطبيب والمعلم ما أن تهتز ثقة الناس فيهم فلا يصلحها شيء، ولو بذل العطار أعشابه كلها في سبيل ذلك.

hamzaalsalem@gmail.com
 

المسكوت عنه
مقص الرقيب.. نعش الصحافة التقليدية
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة