Saturday  16/04/2011/2011 Issue 14079

السبت 12 جمادى الأول 1432  العدد  14079

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

 

بوادر صعود جديد لأسعار السلع الغذائية مع القوة الشرائية الإضافية
تباين قوي لأسعار المواد الغذائية بين المدن ومارس يسجل أعلى مستوى للقوة الشرائية

رجوع

 

د. حسن الشقطي

لا تزال أصداء المنح الملكية السخية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين تتوالي، إلا أن أصداء هذه المنح أخذت شكلاً مختلفاً بالنسبة لمعدلات التضخم وبخاصة القادم من أسعار المواد الغذائية.. ورغم أن العديد من القرارات الملكية جاءت ملبية لتطلعات شرائح وفئات معينة، مثل جمعيات تحفيظ القرآن أو مكاتب الدعوة والإرشاد أو هيئة الأمر بالمعروف، إلا أن القدر الأهم والأكبر من هذه القرارات الملكية صبت مباشرة في طريق ضخ المزيد من السيولة النقدية الجديدة والإضافية والتي تزيد عن 300 مليار ريال، وبالطبع فإن السيولة تضيف قوة شرائية جديدة إلى الانفاق الاستهلاكي المحلي بمقدار كبير وخلال فترة زمنية قصيرة.. ويعد تزايد معدل التضخم المحلي من أكبر من الجوانب التي تقلق الاقتصاديين والمراقبين خوفاً من أن يتم استغلال الجوانب الإيجابية للقرارات الملكية يعمد إلى رفع قصري لأسعار بعض السلع الأساسية.. فماذا حدث؟ وهل صدقت التوقعات بارتفاع معدل التضخم المحلي؟ وهل زيادة القوة الشرائية أدت فعلاً إلى زيادة غير عادية في أسعار المواد الغذائية؟ وهل أسعار العقارات والإيجارات سايرت القرارات الملكية سلباً؟ ولماذا الآن كل التركيز على أسعار المواد الغذائية؟ وهل بالفعل لارتفاع أسعار الواردات من المواد الغذائية دور في هذه الزيادات بالسوق المحلية؟ بل نتساءل: هل هناك ثمة دور للتاجر المحلي أو المستورد في رفع أو خفض أسعار استيراد المواد الغذائية؟ إنها تساؤلات هامة، وتحتاج إلى إجابات، ولكن ضآلة القدر المتاح من البيانات والمعلومات عن مستويات الأسعار بالسوق المحلي تقف حجر عثرة أمام وضع إجابات حاسمة لهذه التساؤلات.. فرغم أنه يصدر مؤشر رئيس للسلع الاستهلاكية، إلا أن أي محلل يواجه صعوبة في التعامل مع المؤشر لأنه لا يعطي التاريخ الكامل لأسعار السلع، بل يعطي مقارنات لفترة تصل إلى شهر تقريباً.. كما أن المؤشر يرصد أسعار السلع بالمدن يبدو أنها تركز على الهايبر ماركات الكبرى، والتي قد يغلب عليها العروض الترويجية، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أخذها معياراً لمستوى أسعار السلع.. فالعروض غالباً تتقيد بكميات صغيرة من السلع للترويج عنها، كما أن هذه العروض قد تتاح في هايبرات ولا تتاح في أخرى تنتمي للشركة نفسها.. كما أن المؤشر لا يتعامل مع اختلاف مستويات الجودة للسلع. أيضاً فإن مؤشر السلع الاستهلاكية الصادر عن وزارة التجارة حبيس بعض المشكلات التي من أهمها عدم التفرقة بين التباين في مستويات سعر السلعة وبين الاختلاف في مستوى جودتها وبين ما هو عرض ترويجي وما هو سعر سائد.. وسنعطي مثالاً لذلك، أنه في بيان يوم الثلاثاء الموافق 08 جمادى الأولى 1432ه ورد سعر كيس السكر الناعم بمدينة الرياض (وزن 5 كجم) بسعر مختلف ما بين الأسواق الأربعة المأخوذة لاستقصاء المعلومات، واختلفت هذه الأسعار ما بين 20.45 إلى 23.95 ريال (كما يتضح من جدول 3).. وهنا تساؤل كيف ولماذا اختلفت الأسعار ما بين هذه الأسواق داخل المدينة نفسها وللمنتج نفسه ويفترض بالجودة نفسها؟ قد يكون هناك بالفعل فروق بين أسعار شراء كل شركة، وقد يكون هناك فروق حسب معدلات التكلفة التشغيلية لكل شركة، ولكن هناك أيضاً عنصر آخر، وهو أن بعض هذه المحلات تقدم عروضاً ترويجية لأهداف الدعاية والإعلان عن نفسها.. أي أنه توجد صعوبة في الاعتماد على أسعار الهايبر الكبرى والتي تعتمد على العروض الترويجية في التعبير عن المستوى السائد للأسعار.. وأكبر دليل على ذلك هو أن هناك فروقاً ملحوظة بين أسعار السلعة الواحدة بين المحلات الصغيرة والمتاجر الكبرى.

ارتفاع سقف القوة الشرائية

تعد الفترة من 20 مارس الماضي وحتى 10 أبريل الحالي (20 يوما) من الفترات المميزة في تاريخ القوة الشرائية بالسوق السعودي، وتعد الأعلى على الإطلاق، ففي خلال هذه الفترة تم ضخ قوة شرائية إضافية إلى السوق المحلي تعادل ما يلي:

(1) صرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة، وهم يعادلون نحو 900 ألف موظف.

(2) بالتوازي تم صرف راتب شهر إلى شهرين لنسبة قد تصل إلى 50% من موظفي القطاع الخاص من السعوديين، أي بما يعادل 500 ألف موظف سعودي.

(3) صرف مكافئة شهرين لطلاب التعليم العالي.

(4) صرف (2000) ريال شهرياً للعاطلين الباحثين عن العمل، ويمكن افتراض صرفها لنحو 50 ألف حتى الآن.

إن التساؤل الذي يثير نفسه، هو كم حجم القوة الشرائية المعتادة بالسوق المحلي؟ لا توجد معلومات واضحة في هذا الشأن ولكن يمكن الاستدلال ببعض المعلومات عن إيرادات قطاع تجارة التجزئة والجملة، فحسب بيانات 2007 (هي المتاحة) بلغت إيرادات تجارة الجملة بالسوق السعودي حوالي 186.3 مليار ريال، في حين بلغت إيرادات تجارة التجزئة حوالي 138.6 مليار ريال، أي أن متوسط المبيعات الشهرية لسوق التجزئة السعودي يصل إلى حوالي 12 مليار ريال، وهو رقم كبير ولا يستهان به وخاصة بمقارنته بعدد السكان. الآن نحتاج أن نعرف: كم حجم القوة الشرائية التي أضيفت إلى القوة الشرائية المعتادة بالسوق المحلي خلال العشرين يوماً الأخيرة؟

إن حجم القوة الشرائية الإضافية خلال العشرين يوماً الأخيرة في ظل حجم انفاق حكومي شهري على رواتب موظفي الدولة يصل إلى حوالي 13.4 مليار ريال، وبعد إقرار تثبيت غلاء المعيشة فإنه يصل إلى حوالي 15.4 مليار ريال، فإن حجم القوة الشرائية الناجمة فقط عن صرف شهرين لموظفي الدولة وحدها يصل إلى حوالي 30 مليار ريال تقريباً.. ويمكن أن نضيف إليها حوالي 5 مليارات ريال تم ضخها من قبل شركات القطاع الخاص الكبرى.. أي أنه تم إضافة نحو 35 مليار ريال إلى القوة الشرائية المحلية خلال فترة زمنية قصيرة.. وهذه الزيادة بلا شك أدت إلى ارتفاع الطلب على سلع ومنتجات معينة، أهمها المواد الغذائية والملابس والسيارات.. إن كل زيادة في الطلب بلا شك يتزامن معها زيادة في السعر، وخاصة عندما يرتبط الأمر بسلع أساسية أو ضرورية لا يوجد بدائل لها.

أسعار المواد الغذائية

الأساسية.. إلى أين؟

أشار تقرير أوضاع السلع التموينية الصادر هذا الأسبوع عن وزارة التجارة والصناعية إلى أن أربعة من أهم خمس سلع استهلاكية بالسوق المحلي سجلت ارتفاعاً بنسب متفاوتة خلال الشهور الأربع الأولى من 1432هـ مقارنة بالأشهر المماثلة والأخيرة من عام 1431هـ، بلغت أقصاها للسكر بنسبة 19.4%، تلاها الدواجن بنسبة ارتفاع 16.7%، وبنسب أقل حدة للزيوت (2.7%)، ثم الحليب المجفف بنسبة ارتفاع 1.5%.. هذا في مقابل انخفاض أسعار الأرز بنسبة 2.8%.. وهذه المقارنة لا يمكن الاعتماد عليها لتقدير معدلات ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية خلال الشهر الأخير نتيجة القوة الشرائية الإضافية.. إلا إن هذا التقرير في حد ذاته مؤشر على موجة صعود في أسعار السلع الاستهلاكية، والتي بدأت تحتد بشكل واضح وملفت لعدد من السلع.

ضبط الأسعار

تشير تقارير وزارة التجارة إلى أنه تتم حملات تفتيشية ويتم عقد لجان وهناك العديد من الأنشطة والفعاليات للضبط والسيطرة على الأسعار.. ولكن الشيء الملفت هو هل فعلاً الأسعار ممكن ضبطها؟ فعلى سبيل المثال لكي يتم ضبط سعر سلعة يجب أن يحدد سقف لصعودها أو سعر ينبغي أن لا ترتفع عنه، ولكن هذا الأمر يصعب تحقيقه، فكل متجر أو شركة الآن تعلن عن سعر للسلعة مغاير عنه في المتاجر الأخرى داخل المدينة نفسها، ومن غير الواضح ما هي الآليات للتعامل مع ذلك؟ أما الشيء الأكثر صعوبة، فهو التباين الأكثر حدة بين أسعار السلعة الواحدة فيما بين المدن المختلفة، وهذه الاختلافات لا تبررها تكاليف النقل بشكل مقبول، فتكلفة النقل بالمملكة من المعروف أنها أقل ما يمكن، إلا إن الاختلافات بين أسعار السلع تعد واسعة.. إن صعوبة ضبط السعر تتجلى في كيفية تحديد السعر العادل الذي يضمن للتاجر تحقيق ربح مناسب، كما يضمن سعراً غير مبالغ فيه للمستهلك.. إن هذه العلاقة بين ربح البائع وعدالة سعر المستهلك عملية حساسة للغاية، ويتخللها عناصر كثيرة أهمها جودة السلعة وجودة المتجر أو غيرها.. لذلك، فهل متاح هذه الأسقف لكي يتم ضبط الأسعار بناء عليها؟

تأثير الأسعار العالمية للسلع

غالباً ما يتم تبرير ارتفاع سعر سلعة أساسية بالسوق المحلي بارتفاع الأسعار العالمية لها، وهذا المبرر منطقي ومقبول في حالات معينة، ولكن ليس على الدوام يتم قبوله.. وسنأخذ مثالاً بسلعة السكر الذي انخفضت أسعاره العالمية (كما يشير تقرير وزارة التجارة) مع بداية شهر أبريل بنسبة 5% تقريباً، كما تشير التوقعات إلى زيادة حجم الإنتاج العالمي من السكر بنسبة 6%، أي أن التوقعات تشير إلى احتمال حدوث انخفاض جديد في السعر العالمي للسكر مع زيادة المعروض منه خلال هذا العام، ومع ذلك فقد سجل السعر المحلي للسكر ارتفاعاً حاداً بنسبة بلغت 19.4% خلال الشهور الأربع الأخيرة.. أي أن ثمة مؤثر قوي يقف وراء هذه الزيادة، في الاعتقاد أنه هو الزيادة الكبيرة في حجم السيولة النقدية والقوة الشرائية بالسوق. إن السوق المحلي يحتاج إلى بعض الانضباط في ضوء ارتفاع القوة الشرائية حتى لا يتم استنفاذ القرارات الملكية في ارتفاعات سعرية، كما أن ترك موجات صعود السلع الاستهلاكية الأساسية حرة قد يدفع بمعدل التضخم المحلي لمستويات غير مقبولة، ربما تتسبب في ضياع بعض مكتسبات الفترة الحالية، والتي تعد مكتسبات استثنائية وهامة تحتاج للمحافظة عليها.

مستشار اقتصادي - Dr.hasanamin@yahoo.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة