Monday  18/04/2011/2011 Issue 14081

الأثنين 14 جمادى الأول 1432  العدد  14081

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

معالي الأخ الكريم الأستاذ محمد بن عبدالله الشريف

رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حفظه الله

- تحيةً من عند الله مباركةً تصحبها تهنئةٌ تتجدَّد لمعاليكم بمناسبة تقلُّدكم وسام الثقة الملكية السامية لإدارة هذه الهيئة المثقلة بالهموم والمهام الجسام، والمشْبعة بالآمال العِظَام لتطهير مناخنا الإداري من عاهة الفساد بسبب تلّوث بعض الذمم به، ونرجو لكم العون من الله والسداد.

- وبعد.. يا معالي الرئيس،

- تطفُو على سطح وعي الكثيرين عند الحديث عن مشكلة الفساد محنةٌ ابتُلِيتْ بها معظم شعوب الدنيا ومجتمعاتها، تلكم هي محنة (الرشوة) باعتبارها وسيلة (تمرير) لمنافع معينة، عبر ثَغَرات في نفوس تعاني من شَرَه المال. وتلك قضية كُتب عنها الكثير وقيل عنها الكثير، بدْءاً بهذا السؤال:

- هل الرشوة داء نفسي أمْ عادة تتوارثها الأجيال، أمْ وسيلة غير سوية لقهر إحباطات العيش السوي؟! ولهذا السؤال رديفٌ آخر يقول:

- هل الرشوة امتدادٌ لمحنة الفقر أمْ إفراز لتَرف الغِنَى أمْ ظاهرة سلوكية يتقاسمها الطرفان بأساليب مختلفة ولأغراض متباينة؟ وقد تكون هناك تساؤلات أخرى أبلغ أثراً وأشد إيلاماً مما يفرزه الذهن وتشقى به النفس!

- والردُّ على هذه التساؤلات وسواها يا معالي الرئيس ليس بالأمر الهيِّن، بل ويتَعذَّر على كاتب هذه السطور بقُدراته المتواضِعة إشباع شغف القارئ بمحاولة الرد عليها في عجالة كهذه!

- هناك في تقديري بعضُ (المسلمَّات) حول قضية الرشوة يمكن إيجازُها في التالي:

- أولاً: الرشوةُ فتنةٌ إنسانية، لا ينفرد بها مجتمع دون آخر، والقول بغير ذلك مغالطةٌ صريحةٌ للتاريخ والجغرافيا، وسِير المجتمعات، قديمها وحديثها.

- ثانياً: الرشوةُ مظْهر سلوكيٌّ قديم تَزامنَ مع نمو الإنسان نفسه منذ أن بدأ معاناة البحث عن العيش في الصحاري والأدغال حتى زمننا الراهن المكبَّل بأغلال المصالح المعقدة والتنظيمات والطقوس والممارسات البيروقراطية وغير البيروقراطية بفنونها وأحجامها المتباينة بين الشعوب!

- ثالثاً: الرشوةُ ليست محنةَ الفقير المسيَّر بقَهْر العَوز، وليست فتنةَ الغنيِّ استجابةً لشَهْوة التَّرف، ويبقى لكل من الفريقين حِيلُه ومسوِّغاته وأغراضُه منها.

- رابعاً: أحياناً تنشأُ الرشوةُ نتيجةَ عِوَج في بُنية وآليَّة التعامل بين أفراد المجتمع من جهة، والمؤسسات التي تخدم هؤلاء الأفراد من جهة أخرى، فمثلاً:

(أ) الغلوُّ في الإجراءات الإداريَّة التي تُكيَّفُ بها مصالحُ الناس قد يدفع بعضهم أحياناً إلى توظيف المال، طمَعاً في (الالتفاف) على هذه الإجراءات أو الهُروب منها، وقد يستعينُ المتورط فيها بادئ الأمر بذي قُرْبَى له أو نفوذ لاخْتراقِ حَواجِز تلك الإجراءات وصُولاً إلى غايته، وهذا ما يُعرف ب(الوساطة)، فإن عزَّ عليه ذلك، لجأَ إلى المال وسيلةً لبلوغ ما يريد، وهذا ضرْبٌ من ضرُوب الرشوة، مما يعزِّز القول بأنَّ كليهما وجْهان لعملة واحدة!

(ب) أحياناً تُحْكِمُ محنةُ الفقر قبْضتَها على موظف تُصيِّره ظروفٌ معينةٌ ليكونَ ذا نفوذ في بيروقراطية ترتبط بمصالح الناس، ولكنها تعاني شيئاً من (الانفلات الإداري)، (فيستثمرَ) الموظف نُفوذَه خدمةً لأغراضه (بتسهيل) بعض الإجراءات لقاء (نفع) مادي ما، مُوهِماً نفسه أنه يسلك هذا السبيل مؤقتاً للتغلُّب على محنة فقره وعَوزه وقصُور (دخله المشروع)، وقد يَمضي هذا الموظفُ فترةً من الزمن سالكاً النهجَ نفسه، حريصاً على درْءِ الشُّبهات عن نفسه ومن حوله من (المنتفعين) حتى يغْدو فقرُه غنىً، وقد يقودُه (الثراء غير المشروع) إلى إغداق الهبات على (المتعاونين) معه داخل الجهاز وخارجه درْءاً للشك أو شراءً للصمت أو هما معاً، فلا عينَ ترى، ولا أذنَ تسمعُ، ولا يطرأُ على بال أحد شيءٌ ذو بال!!

وبعد،

معالي الرئيس أبا هاشم، لم أردْ مما سبق أحاطتَكم بما لم تُحيطوا به علماً من قبل، فقد تناولتم (أدب) التعبير عن الفساد الإداري زمناً طويلاً في شتّى ضروبه، كتابةً وحديثاً، أمَّا هدف هذه الرسالة المفتوحة فهو محاولة فتح ملف (الرشوة) على مصراعيه باعتباره جزْءاً مهمَّاً ضمن (أجندة) الإصلاح ومحاربة الفساد. وجاء التركيز على هذه المحْنة تحديداً لأنها حديثُ الخاص من الناس والعام!

وختاماً، أكرر التهنئة لمعاليكم موصولةً بالدعاء لكم بالتوفيق والسداد.

 

الرئة الثالثة
رسالة مفتوحة إلى معالي رئيس هيئة مكافحة الفساد!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة