Tuesday  19/04/2011/2011 Issue 14082

الثلاثاء 15 جمادى الأول 1432  العدد  14082

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

لو وصفك شخصٌ ما بالفيل، ماذا ستكون ردة فعلك؟ حتى لو كنت «متعافياً» كما يقول العامة فلا تدعها تغيظك، فالفيل كائن متحضر وراقي. نعم! هل ستصدقني لو قلت لك إن أضخم كائن بري هو أيضاً أرهفها إحساساً وأحسنها مراعاة للغير؟

على ضخامتها وقوتها فإن الفيلة كائنات حساسة ورقيقة المشاعر، فغير البشر فإن الكائن الوحيد الذي له طقوس خاصة عند وفاة أحد بني جنسه هو الفيل. عندما يمشي الفيل ويصادف عظام فيلة فإنه يبدي اهتماماً وتركيزاً عليها حتى لو كانت تتبع فيلة غريبة لا علاقة له بها، فيقوم بتفقد العظام بقدمه وخرطومه برفق، ويظل صامتاً تماماً أثناءها. والأعجب من هذا هو ما شاهده عالم الأحياء أنتوني هول والذي درس الفيلة في جنوب إفريقيا لثمان سنوات، فقد شاهد بأم عينه مراسم دفن وعزاء أدتها الفيلة. ينقل العالِم هول ما شاهده في مدينة أدو، والذي حصل أن قائدة قطيع الفيلة توفيت وكان لها ابن صغير (أو دغفل كما يسمّى ابن الفيل)، فلما رآها القطيع وقد فارقت الحياة اجتمعوا حول جثتها وهم يلمسونها بخراطيمهم برفق، أثناءها كانوا يصدرون أصوات إرعاد عالية، ورؤي الابن كأنه يبكي مثل بكاء البشر وأصدر أصواتاً عالية كالصياح، ثم هدأ الجميع مرة واحدة. سكوت مطبق. بعد فترة من السكون قام القطيع يضع جذوع الأشجار وأوراقها والتراب على الفيل الأم، وقضوا يومين كاملين بعدها وهم واقفون حول الجثة.

ولا تقتصر هذه التقاليد على بني جنسها فقط بل إلى الأعداء أيضاً. الأسود عادة تتجنب الفيلة الكبيرة لكن إذا وجدت دغفلاً وحيداً بدون حماية أمه فإنها تنتهز الفرصة، وأتذكر بعض ما نقله الكاتب بين أفريت، وهو مستكشف قضى سنيناً في إفريقيا مع الحيوانات، وكتب كتاباً دون فيه تجاربه بعنوان «دفتر يومياتي في إفريقيا»، ذكر فيه قصةً آسرة، فيروي أن هناك لبؤة كانت تتبع دغفلاً صغيراً بينما أمه بعيدة، ثم انقضت اللبؤة وقتلت الدغفل، ولما سمعت الفيل الأم صياحه انقضت على اللبؤة والتي لم يمكنها أكل الفريسة واضطرت للهروب، حينها أخذت الأم تتفقد ابنها، ولما رأت أنه مات ولا يمكنها مساعدته انتقلت ببصرها إلى اللبؤة التي تمشي بعيداً وأخذت تتبعها عن بُعد، وبعد قرابة 8 كم من التتبع وصلت اللبؤة لبعض الشجيرات ونادت بصوتها، وخرج شبل وانطلق لأمه، في تلك اللحظة انقضت الفيلة الثكلى والتقطت الشبل بخرطومها وضربته أرضاً وفارق الحياة فوراً، ثم حملته وعادت من حيث أتت، إلى جثة وليدها، فوضعت الشبل الميت بجانبه وأهالت عليهما جذوع الأشجار إلى أن دُفنا.

بسبب هذه القصص وأمثالها فإن الخبراء ينصحون المستكشفين بعدم النوم إذا كانت هناك فيلة بالجوار، ذلك أنها دائماً تدفن جثث البشر إذا رأتها، ومن الشائع أن يرى الفيل شخصاً نائماً فيدفنه معتقداً أنه ميت! وفي نفس الكتاب يذكر الكاتب أنه ومجموعة من المستكشفين قد ناموا في خيامهم ذات مرة، وأتى فيل بجانبهم ليأكل، ووضع الفيل قدمه على طرف إحدى الخيام، وصادف أن كان عند طرف الخيمة من الداخل امرأة نائمة، فصار رأسها تحت قدم الفيل مباشرة ولم تستطع أن تتحرك، ولما أحس الفيل أن شيئاً ما تحت قدمه توقف قليلاً ثم رفع قدمه، وذهبت المرأة لم يصبها أي أذى. والهنود قد استخدموا الفيلة سابقاً في الحروب، ولكن عرفوا كيفية تفادي هجمات الفيلة إذا استخدمها العدو: كان الهنود يُلبسون خيولهم أقنعة ذات خراطيم، فإذا هجمت فيلة العدو ورأت تلك الخيول فإنها تتوقف وترفض مهاجمتها، ظانة أنها فيلة صغيرة!

إذاً كلمة «يا فيل» لا يفترض أن تكون سباً وشتيمة، فلا تدعها تغضبك، ولكن نصيحة أن لا تستخدمها إلا مع عزيز يعرف حسن نواياك، وإلا كنتَ كما ذاك الأعرابي الذي دخل على الخليفة فأنشد وهو يظن أنه يمدحه:

أنت كالكلب في حفاظك للود

وكالتيس في قِراع الخطوب!

 

الحديقة
يا فيل!
إبراهيم عبدالله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة