Thursday  21/04/2011/2011 Issue 14084

الخميس 17 جمادى الأول 1432  العدد  14084

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

صدقا... إن لنا عيونا ترى الأسوأ والأفضل، وعقولا تدرك الغث من السمين، وعلما يقدر المصلحة ويتجنب المفسدة، وفهما يميز الخطأ والصواب، وإدراكا يفرق بين الجميل والأجمل، وعروقا تجري فيها الحرية..

..وتأبى جيناتها أي شكل من أشكال العبودية ومستوياتها الملونة، لأن الشرع الإسلامي علمنا أن مطلق الحرية في عبادة الله جل وعلا...

هذه العبارة (أنت ملكي أكثر من الملك) يظن من يطلقها على مخالفه أنه ضربه في مقتل وأنه أسقطه مضرجا بدمائه في أي حلقة من حلقات النقاش حول جدلية الدولة والمجتمع والنظام في أي طور من أطوار الدولة الثلاثة التي ذكرها ابن خلدون في نظريته المشهورة وبخاصة أن الحديث عنها بأي أسلوب مؤيد أو معارض بدأ يستحوذ على أطياف المجتمع بشمولية في هذه الأيام الشاهدة على حال العالم العربي المؤسف ومواطنه المتسمر أمام الفضائيات الذي يراقب ويحلل وربما كان التحليل والنقد موضوعيا تارة وتارات غير موضوعي تماما، الحرية لا يمكن أن تتأتى للإنسان في ظل الخوف والشر والجحيم، وستتعطل بفقدها كل مقومات الإنسانية وستكون الضرورات الخمس التي نادت الشرائع قاطبة بحفظها في خطر...

نعم حينما يكون الملك عبدالله بن عبدالعزيز،هذا الإنسان الذي أبت إنسانيته إلا أن تفيض في صورة مجمع على حبها من الجميع فلا يملك الشعب إلا أن يكون في الحفاظ عليه أحرص منه على نفسه لأنه مصدر الأمان والاستقرار والوحدة الوطنية واللحمة وسلامة الدين والمعتقد ومظاهر الإسلام، والعقلاء حينما يكونون ملكيين أكثر من الملك فلأنهم يدركون أن وجوده ضرورة وأن مجتمعنا لغيره غير قابل للسيطرة إطلاقا، تهدده العواصف بالتدمير والتشرذم وبخاصة أن عقله الباطن يستحضر دائما التصفيات والثارات والحروب الأهلية والنعرات العصبية والمذهبية بشهادة الخطاب الإعلامي والثقافي في القنوات الفضائية والمنتديات القبلية واحتفالات الأسر في الأقاليم المختلفة والمجالس والأندية، فحرية الفرد والأسرة والمجتمع والدولة ترتبط ارتباطا وثيقا بسلامة المليك إذ يمثل رمزا للوحدة والاجتماع والإجماع عليه من جميع الطوائف والأقليات والقبائل والأقاليم، وما من فرد من هذا المجتمع إلا وهو يستحضر بإعجاب وتقدير للتضحيات والجهود المبذولة من أولئك الرجال حول المؤسس رحمهم الله تعالى وقد أفنوا ما أفنوا في سبيل بناء هذا الكيان وقيامه على الصورة المشرقة بشهادة المنجزات والمكتسبات التي تحققت في فترات قصيرة تحتاج الدول والمجتمعات إلى أكثر منها بكثير لتبلغ نصف ما تحقق للمملكة العربية السعودية، ذللوا الصعاب وتحملوا المخاطر وركبوا الأهوال، فرفع هذا الوطن منهم الصغير وقدّر الكبير ووقّر العالم وعطف على المسكين في لحمة وطنية استثنائية، وكان ذلك نتيجة من نتائج فهم الملك عبدالله للصلاحيات والمسؤوليات على السواء تجاه الإنسان الخليفة في أرض الله من خلال كفاحه من أجل الحرية والكرامة واحترام آدميته ومضمونه الإنساني الرافض للبطش والاستبداد ويتجسد كل ذلك في قوله: «يشهد الله تعالى أنني ما ترددت يوما في توجيه النقد الصادق لنفسي إلى حد القسوة المرهقة كل ذلك خشية من أمانة أحملها هي قدري وهي مسؤوليتي أمام الله». وتابع مؤكداً أن «تلك النفس القادرة على توجيه النقد العنيف الهادف قادرة -بإذن الله- أن تجعل من ذلك قوة تسقط باطلا وتعلي حقا». ولهذا نجح خادم الحرمين الشريفين بطابعه الاستثنائي في رسم تلك الرؤية التكاملية لمدرسة الإصلاح ومناهجها ونظرياتها وأدواتها الموضوعية وحقولها الفكرية، فاستحق الحب الذي لا يمكن أن ينتزعه من قلوب الناس بالقوة والدكتاتورية، وخير دليل على حبه انحسار كل الدعوات التي كانت تنادي بالتجمهر ومظاهرات الاحتجاج في صورة تؤكد أن العدل والحب المتبادل بينه وبين شعبه حقيقيان وليسا على صورة أولئك الذين يبصمون بدمائهم ادعاء لحب الحاكم والسلطان والرئيس ثم يتحولون إلى أول منتقم منه لشتمه وتمزيق صوره وهدم تماثيله في الانفلاتات الأمنية في كثير من الدول البوليسية التي تعتمد على التقارير في الحكم على مواطنيها، وصدق ابن خلدون في قوله: «الحاكم العادل يظهر له الشعب الولاء ويبطن له الحب والوفاء، فإذا نزلت نازلة جعلوا نحورهم دون نحره، والحاكم الظالم يظهر له الشعب الولاء ويبطن له الكره والبغضاء، فإذا نزلت به نازلة أسلموه ولا يبالون»، لم يحجب الملك عبدالله شيء عن شعبه ولم يستأثر بالنعمة دونهم، بنى الإنسان واحترم آدميته، وطور الإنسانية حينما بنى غيره من المستبدين والطغاة السجون والقلاع والمعتقلات وتفننوا في استيراد أدوات التعذيب لشعوبهم وحبال المشانق لعلمائهم فعلقوا الأبرياء على أعوادها وسحلوهم في الشوارع وجلدوهم على ظهورهم...

نعم لم يكن الملك عبدالله على صورة أولئك الحكام الذين قال عنهم ابن خلدون: «حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة، تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه، فيصلون له من الأخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعاني منها الشعب... والحاكم العادل هو مَن يدع حياة الترف ويستقصي أخبار شعبه، وذلك بنزوله إليهم وملامسة واقعهم عن كثب»...

نعم هو أبو متعب الذي يعتذر لنا حينما نسلم عليه ونصافحه ولا يستطيع القيام، ذلك أبو متعب ما إن سمع بأي مواطن يحتاج إلى مساعدة في أي جهة إلا وأصدر أوامره بحل قضاياه، رجل منا ونحن منه بكل تفاصيله العربية وأدبياته ومنظوماته القيمية... قال في خطبة توليه الملك: «إنني إذ أتولى المسؤولية بعد الراحل العزيز (أخي الملك فهد) وأشعر أن الحمل ثقيل وأن الأمانة عظيمة أستمد العون من الله -عز وجل- وأسال الله سبحانه أن يمنحني القوة على مواصلة السير في النهج الذي سنه مؤسس المملكة العربية السعودية العظيم جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- واتبعه من بعده أبناؤه الكرام -رحمهم الله- وأعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستورا والإسلام منهجا وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة ثم أتوجه إليكم طالبا منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة وأن لا تبخلوا عليّ بالنصح والدعاء».

وأيضا نحن العرب -مادة الإسلام- الذين منحوا مليكهم الولاء والوفاء بإرادتهم ورغبتهم، وهم المتوحشون والأحرار في صحاريهم وقراهم على الرغم من حاجتهم وبأسهم، وحالهم في إيمانهم بنبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم واتباع خلفائه الراشدين ومَن بعدهم تطبيقا للشرع الإسلامي الذي أكد على ضرورة طاعة ولي الأمر والأمير في غير معصية الله جل وعلا ابتداء من السفر والصلاة وانتهاء بالولاية الكبرى والإمامة العظمى ثم اجتماع هذا الشعب الكريم على خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في هذا العصر أبلغ من رد النعمان بن منذر على كسرى حينما عير العرب وذمهم أمام الأمم الأخرى في مجلسه أمام الوفود بأنهم لاينقادون لرجل يسوسهم ويجمعهم في قصة أوردها ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد إذ قال كسرى: «لم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا، ولا حزم ولا قوة، مما يدل على مهانتها وصغر همتها محلتهم التي يقيمون بها مع الوحوش النافرة والطير الحائرة، يقتلون أولادهم من الفاقة، ويأكل بعضهم بعضا من الحاجة، قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها ولذاتها، فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع، لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها وإن قرى أحدهم ضيفاً عدها مكرمة، وإن أطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم». فرد عليه النعمان: العرب لم يطمع بهم طامع، ولم ينلهم نائل، حصونهم ظهور خيلهم، ومهادهم الأرض، وسقوفهم السماء، وجنتهم السيوف، وعدتهم الصبر وليس أحد من العرب إلا يسمى أباءه أبا فأبا، حاطوا بذلك أحسابهم، وحفظوا به أنسابهم، فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينتسب إلى غير نسبه، ولا يدعي إلى غير أبيه، وأما سخاؤهم فإن أدناهم رجلا الذي تكون عنده البكرة والناب، عليها بلاغه في حموله وشيعه وريه، فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة، ويجتزئ بالشربة فيقعرها له، ويرضى أن يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن الأحدوثة وطيب الذكر، ثم خيلهم أفضل الخيل، ونساؤهم أعف النساء، ولباسهم أفضل اللباس، ومطاياهم التي لا يبلغ على مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قفر، وأما وفاؤهم فإن أحدهم يلحظ اللحظة، ويومئ الإيماءة فهي ولث وعقدة لا يحلها إلا خروج نفسه، وإن أحدهم ليبلغه أن رجلا استجار به وعسى أن يكون نائياً عن داره فيصاب، فلا يرضى حتى يفني تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته، لما خفر من جواره، وأنه ليلجأ لهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله، وأما قولك أيها الملك: يئدون أولادهم فإنما يفعل من يفعله منهم بالإناث أنفة من العار، وأما قولك: إن أفضل طعامهم لحوم الإبل على ما وصفت منها فما تركوا ما دونها إلا احتقارا له، فعمدوا إلى أجلها وأفضلها، فكانت مراكبهم وطعامهم مع إنها أكثر البهائم شحوماً، وأطيبها لحوماً، وأرقها ألبانا، وأقلها غائلة، وأحلاها مضغة، وإنه لا شيء من اللحمان به لحمها إلا استبان فضلها عليه، وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضاً، وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم، فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا أنست من نفسها ضعفاً، وتخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف، وأما العرب فإن ذلك كثيراً فيهم حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكاً أجمعين»...

إن تلك الحال المملوءة بالحب الحقيقي ما زالت ترجو وتؤمل مزيدا من الإصلاح والنزاهة في مسيرة هذه الدولة وهذا المليك المبارك..

والله من وراء القصد

abnthani@hotmail.com
 

نَعَمْ ...أنَا مَلكِيٌّ أكْثرُ مِنَ المَلِك !!
د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة