Friday  22/04/2011/2011 Issue 14085

الجمعة 18 جمادى الأول 1432  العدد  14085

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ينطبق على سلمان الفارسي رضي الله عنه قول الله سبحانه في سورة المجادلة: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٌٍ} (11) سورة المجادلة، فقد أنار الله بصيرته، وصار يبحث عن سعادة الدنيا، وفوز الآخرة ومع أن والده مجوسيّ، من عَبَدَة النار، فقد قذف الله في قلبه الحب لدين الهداية، فصار يتلمسه، حتى وجده بعد رحلة طويلة،

مرّت بعناء خسر فيها ماله وأهله، ثم حريته إذ رضي بالرّق في سبيل الوصول إلى نور الحق.. إنه لشرف عظيم ناله الصحابي الجليل سلمان، عندما وصل المدينة وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يكفيه فخراً بعد الفوز بالهداية أن قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلمان منّا آل البيت».

فما حظي إسلام أحد من الصحابة بالتتبع والأسفار والسؤال مع البحث عن طريق الهداية، بمثل ما مرّ في الإسلام بسلمان الفارسي رضي الله عنه، وما كان لأحد في المشوار والرحيل بحثاً عن الحق بمثل ما مر على سلمان الفارسي.

ولما كان لسانه أعجمياً فقد حظي في الفهم والذكاء، ثم الفتيا بمكانة، لم يصل إليها غير سلمان، حيث يعتبر واحداً من فقهاء الصحابة، ونسب نفسه إلى أنه ابن الإسلام وشرّفه رسول الله بقوله: سلمان آل البيت.

فقد جاءت سيرته، وسابقة إسلامه، في أكثر من 25 كتاباً، علاوة على الدراسات والكتابات الحديثة باللغة العربية وغيرها، وألف ابن بابويه القميّ كتاب: أخبار سلمان وزهده وفضائله، ومثله للجلودي (الأعلام للزكلي 3-170) ثم قال: كان يسمي نفسه سلمان الإسلام، أصله من مجوس أصبهان، رحل إلى الشام، فالموصل، فنعيبين فعمّورية، وقرأ كتب الفرس والروم واليهود، وقصد بلاد العرب، فلقيه ركب من بني كلب فاستخدموه ثم استعبدوه وباعوه، فاشتراه رجل من قريظة يهوديّ، فجاء به إلى المدينة، وفيها عَلِمَ بخبر الإسلام، فقصد النبي صلى الله عليه وسلم بقباء وسمع كلامه، ولازمه أياماً، وكان يسمي نفسه: سلمان ابن الإسلام.

ذكر ابن الأثير قصة إسلامه في كتابه: أسد الغابة، فقال: بالسند إلى سلمان رضي الله عنه: كان ابن دُهقان أرضه وكنت أحب الخلق إليه، وفي رواية: أحب عباد الله إليه، فأجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسية، وفي المجوسية، فكنت في النار التي توقد فلا تخبو، وكان أبي صاحب ضيعة، وكان له بناء يعالجه في داره، فقال لي يوماً: يا بني قد شغلني ما ترى، فانطلق إلى الضيعة ولا تحتبس، فتشغلني عن كل ضيعة بهمي عليك، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم.

وقلت هذا والله خير من ديننا، فأقمت عندهم حتى غابت الشمس، لا أنا أتيت الضيعة، ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلاً في طلبي، وقد قُلت للنصارى حين أعجبني أمرهم، أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، فرجعت إلى والدي فقال: يا بني قد بعثت إليك رسلاً، فقلت: مررت بقوم يصلّون في كنيسة فأعجبني ما رأيت من أمرهم، وعلمت أن دينهم خير من ديننا، فقال: يا بني دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت: كلا والله، فخافني وقيدني.

فبعثت إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم، وسألتهم إعلامي من يريد الشام، ففعلوا وألقيت الحديد من رجلي، وخرجت معهم، حتى أتيت الشام، فسألتهم عن عالمهم، فقالوا: الأسقف، فأتيته فأخبرته، وقلت: أكون معك أخدمك وأصلي معك، قال: أقم. فمكثت مع رجل سوء في دينه، كان يأمرهم بالصدقة، فإذا أعطوه شيئاً أمسكه لنفسه، حتى جمع سبع قِلالٍ مملوءة ذهباً وورقاً، فتوفي فأخبرهم بخبره، فزبروني - أيْ نهوه-، فدللتهم على ماله فصلبوه ولم يغيّبوبه ورجموه، وأحلوا مكانه رجلاً فاضلاً في دينه، زُهداً ورغبة في الآخرة وصلاحاً، فألقى الله حُبّه في قلبي، حتى حضرته الوفاة، فقلت: أوصني؟ فذكر رجلاً بالموصل وكنّا على أمر واحد حتى هلك.

فأتيت الموصل، فلقيت الرجل فأخبرته بخبري، وأن فلاناً أمرني بإتيانك، فقال: أقم. فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة، فقلت له: أوصني؟ فقال: ما أعرف أحداً على ما نحن عليه، إلا رجلاً بعمورية، فأتيته بعمورية، فأخبرته بخبري، فأمرني بالمقام، وثاب لي شيئاً، واتخذت غُنيمة وبُقيرات، فحضرته الوفاة، فقلت إلى من توصي بي؟.

فقال لا أعلم اليوم، على ما نحن عليه، ولكن قد أضلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، مهاجره بأرض ذات نخل، وبه آيات وعلامات، لا تخفى، بين منكبيه خاتم النبوة، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت فتخلص إليه.. فتوفى.

فمرّ بي ركب من العرب، من كلبٍ فقلت: أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني إلى بلادكم؟.

فحملوني إلى وادي القرى، فباعوني من رجل يهودي، فرأيت النخل، فعلمت أنه البلد الذي وصف لي فأقمت عند الذي اشتراني، وقدم إليه رجل من بني قريظة، فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأقمت معه أعمل في نُزُله، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وغفلت عن ذلك، حتى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عوف، فإني لفي رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي، فقال: أين فلان قاتل الله بني قيْله - يريد الأوس والخزرج - مررت بهم آنفاً، وهم مجتمعون على رجل قدم إليهم من مكة، يزعم أنه نبي، فوالله ما هو إلا أن سمعتها، فأخذني البرد، ورجفت بي النخلة حتى كدت أن أسقط، ونزلت سريعاً فقلت: ما الخبر؟ فلكمني صاحبي لكمة. وقال: وما أنت وذاك؟. أقبل على شأنك، فأقبلت على عملي حتى أمسيت، فجمعت شيئاً فأتيته به، وهو بقباء عند أصحابه، فقلت: اجتمع عندي ما أردت أن أتصدق به؟ فبلغني أنك رجل صالح، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة، فرأيتكم أحق به، فوضعته بين يديه، فكف يديه، وقال لأصحابه: كلوا.. فأكلوا، فقلت هذه واحدة، ورجعت.

وتحوّل إلى المدينة، فجمعت شيئاً فأتيته به، فقلت: أحببت كرامتك، فأهديت لك هدية، وليست بصدقة، فمد يديه فأكل، وأكل أصحابه، فقلت: هاتان اثنتان ورجعت.

فأتيته وقد تبع جناة في بقيع الفرقد، وحوله أصحابه، فسلمت وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه، فرأيت الخاتم، فقبلّته وبكيت، فأجلسني بين يديه، فحدّثته بشأني كله، كما حدّثتك يا ابن عباس، فأعجبه ذلك، وأحب أن يسمعه أصحابه.

ففاتني معه بدر وأحد بالرقّ، فقال: كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته على أن أغرس له 300 نخلة صغيرة، وعلى 40 أوقية من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعينوا أخاكم بالنخل، فأعانوني بالخمس والعشر، حتى اجتمع لي فقال لي: فقّر لها - أحفر لها موضعاً تغرس فيه -، ولا تضع منها شيئاً، حتى أضعه بيدي، ففعلتُ، فأعانني أصحابي حتى فرغت، فأتيته فكنت آتيه بالنخلة، فيضعها، ويسوي عليها تراباً، فينصرف.

والذي بعثه بالحق فما مات منها واحدة، وبقي الذهب، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب، فقال: أدّ هذه؟ فقلت: يا رسول الله وأين تقع هذه مما عليّ؟ قال أبو الطفيل: قال سلمان أعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ببيضة من ذهب، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه. (2 : 417 - 419). وكان عطاؤه خمسة آلاف درهم، فإذا خرج عطاؤه فرّقه في المحتاجين ولا يأكل منه شيئاً، وأكل من كسب يده، وكان يسفّ الخوص.

قال الذهبي عنه: كان لبيباً حازماً، من عقلاء الرجال وعبّادهم ونبلائهم، وله في مسند بقيّ، ستون حديثاً، وأخرج له البخاري أربعة ومسلم ثلاثة أحاديث.

وفي غزو الشام، كان من المشاركين وذهب لأبي الدرداء المرابط في بيروت، فقال سلمان: يا أهل بيروت: ألا أحدثكم حديثاً، يذهب عنكم عرض الرباط، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم وليلة كصيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً أجير من فتنة القبر، وجرى له صالح عمله إلى يوم القيامة، إسناده حسن وأخرجه مسلم في الإمارة، رحم الله سلمان الفارسي فقال قال: فترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، ست مائة سنة، وروي أنه مات في خلافة عثمان بن عفان في المدائن، واختلف في عمره رضي الله عنه.

 

رجال صدقوا.. سلمان الفارسي
د. محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة