Friday  22/04/2011/2011 Issue 14085

الجمعة 18 جمادى الأول 1432  العدد  14085

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

استمع لما يقال لا لمن يقول.. هكذا كانت القاعدة قبل أن تتحول وتنقلب على رأسها لتصبح استمع لمن يقول لا لما يقال، فأصبح النسق الثقافي الذي يتعزز في نفوس وفكر العامة يبنى على مكانة الأشخاص لا على ما ينثرونه من معرفة أو علم، فترسخت مفاهيم جديدة وقبيحة تحت هالة مكانة أحدهم أو وجاهته.

في الماضي عندما يكذب أحدهم يقال له كذبت، لأن الناس كانوا يتفاعلون مع الحق والحقيقة التي يعرفونها دون التأثر بمكانة من يصدر منه الكذب، اليوم أصبح الكذب فن يتعلمه الناس لأنهم يعرفون أن حياتهم لن تسير إن لم يداهنوا هذا الكبير بالكذب عليه ورفع مكانته فوق حقيقتها، والغريب أن الكبير يعلم أيضاً أنهم يكذبون عليه وينافقونه، لكنه النسق الجديد لثقافة تقوم على تبادل المصلحة والمنافع، قوامها أن يكذب الصغير ليحصل على مال أو جاه يدفعه الكبير، ويقبل الكبير الكذب ليحصل على تمجيد وتفخيم لمكانته.. وهكذا صارت الأمور وانقلبت المفاهيم. وعليه أكتب ما شئت، وقل ما شئت، فلا أحد يسمع ما تقول، حتى تصنع لنفسك مكانتها الاجتماعية ليبدأ الناس بمتابعة ما تكتب وما تقول، هذه المكانة لا يشترط تحققها أن تكون أكثر الناس علماً أو أحكمهم وأزهدهم في الدنيا وأتقاهم، فمعايير المكانة لا علاقة لها بهذا اليوم وإنما تصنعها المصالح والحظوة..

الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، في قصة حان لأبي حنيفة أن يمد رجليه، لم يكن يعرف القادم عليه، ومع هذا أنصت له ووقره تأثراً بثقافة الأولين، حتى تكلم وفضح ما في عقله، فمد أبو حنيفة رجليه. لكن هذا ليس حالنا، فقد سمعنا كل الذين يملئون فضائنا بالضجيج، وتابعنا ما يطرحونه من موضوعات، أو ينادون به من أفكار، وأيقنا أننا من كثير منهم لن نكسب معلومة جديدة، ولا يرجى منهم ما ننتفع منه، ومع هذا لا خيار أمامنا غير أن نتابعهم وأن نردد أفكارهم وغوغائيتهم، لا لأنهم يقولون شيئاً جديداً أو أمراً مفيداً وإنما لأن مكانتهم الاجتماعية تسلب منا إرادة أبي حنيفة في أن نمد أرجلنا عندما نقرأ أو نسمع كلاماً لا يرتقي لمستوى الكلام...

بالمناسبة لك بعد أن قرأت ما كتبت أن تمد رجليك الآن.. والله المستعان.

 

ما يقال ومن يقول
نادر سالم الكلباني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة