Friday  22/04/2011/2011 Issue 14085

الجمعة 18 جمادى الأول 1432  العدد  14085

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

ثالثاً: مكافحة الفساد: من زرع القيم إلى محاسبة الذمم!

الأمر الملكي القاضي بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كان قاطعاً وواضحاً بأهدافه التي تتمثل في حماية المال العام ومحاربة الفساد والقضاء عليه وبالمهام التي حددها للهيئة والتي تشمل كافة القطاعات الحكومية ولا يستثنى من ذلك كائن من كان، وتسند إليها مهام متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام ويدخل في اختصاصها متابعة أوجه الفساد المالي والإداري. وقد نص الأمر كذلك على وجوب تزويد الهيئة بالأوامر ذات الصلة والرفع للهيئة بكل المشاريع المعتمدة وعقودها ومدة تنفيذها وصيانتها وتشغيلها، كما نص على قيام الهيئة بالتنسيق مع الجهات الرقابية فيما يخص الشأن العام ومصالح المواطنين.

صحيح أن هذا الأمر لم يتضمن إسناد صلاحيات تنفيذية تتخذها بناءً على متابعتها لتلك الأمور التي تضمنها أمر الملك - كما هو الحال مثلاً مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وهل ينتهي دور الهيئة عند رفع تقريرها بنتائج المتابعة إلى الملك؟.. لا أظن ذلك لأن المطلوب في محاربة الفساد ليس المتابعة والمراقبة المتنهية بتقرير، بل المؤدية إلى التغيير والتطهير.

معالي رئيس ديوان المراقبة العامة ذكر في كلمة افتتاحه لندوة معهد الإدارة العامة عن قياس الأداء لدى الجهات الحكومية المقامة بتاريخ 2-5-1432هـ أن الديوان لديه خبرة (30) عاماً قضاها كجهة رقابية في تقصي قضايا التجاوزات المالية، وأما مدير عام الرقابة المالية بهيئة الرقابة والتحقيق فقد ذكر في الندوة نفسها أن جهازه كشف من خلال الجولات الرقابية عن وجود (42) مليار ريال كمبالغ مستحقة للخزينة العامة خلال الفترة من عام 1400هـ إلى عام 1425هـ. ومعالي الأستاذ محمد الشريف رئيس الهيئة المشهود له بالكفاءة والنزاهة عمل ردحاً من الزمن وكيلاً لوزارة المالية للشئون المالية والحسابات، فهو يدرك ما أثمرته من الناحية العملية جهود ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق من نجاح في القضاء على الفساد، فإن الرقابة اللاحقة قد تأتي متأخرة بعد أن تكون الطيور قد طارت بأرزاقها، فهي قد تكشف التجاوزات ولكنها لا تملك الوسائل لمنعها، وإن كانت هناك من وسيلة لمنع التجاوزات المتعمدة قبل وقوعها فهي وسيلة الردع بتشديد العقوبة والحزم في تطبيقها. ولكن متى يحدث ذلك؟ الواسطة والتدخلات والمحسوبية وقانون (عفا الله عما سلف) كل ذلك يجعل من الإجراءات الرادعة مسألة يستهان بها، مع أن الحزم في تطبيق العقوبات رادع فعال -كما تبين للجميع من تطبيق (نظام ساهر) مثلاً. وربما يقول قائل: لو كان العقاب الرادع فعالاً في كل الأحوال لا نقطع تهريب المخدرات -فما أقسى عقوبة المهرب، وما أشد حزم الدولة في تطبيقها، وهذا صحيح، غير أن القياس غير صحيح. فالمهرب طبعه من أساسه منحرف، ولا شيء يردعه، ويعرف أن ما يفعله حرام ومهلك له ولغيره، فالإجرام متجذر في ذاته ولا يبالي أبداً بعواقب إجرامه- وليس مثل هؤلاء المجرمين من نقصدهم بالحديث. وإنما الفئة التي تهمنا هم أولئك الذين يسهل إغراؤهم أو خداعهم أو يسيل لعابهم إذا لمحوا المنفعة القريبة، أو أولئك الذين يجيدون انتهاز الفرص المتاحة أو استغفال من يمنحهم ثقته العمياء أو أولئك البسطاء الذين يرون أنهم لم يشذوا عما يفعل غيرهم من صغار وكبار أو أولئك المحرومون الذين يرون غيرهم يملك البيت والسيارة والزينة وهم قاعدون لا يفعلون شيئاً. كل هؤلاء وأولئك وغيرهم يمكن أن يكونوا عرضة للفساد المالي والإداري أو مفسدين لغيرهم. وكلهم يمكن أن يرتدعوا إذا رأوا جدية في تطبيق العقوبة وإحكاماً للرقابة ولكن لماذا الانتظار حتى يأتي الردع؟ إن الانزلاق في وحل الفساد يبدأ أو يشتد في المنطقة الرمادية الفاصلة بين الحلال القطعي والحرام القطعي. على سبيل المثال كلنا نعرف أن الكسب المشروع من خلال العمل الحر أو الوظيفة -حلال، كما نعرف أيضاً أن السرقة حرام بيّن وكذلك خيانة الوظيفة (هي أمانة)- ولا أحد يفعل ذلك عمداً إلا شخص منحرف أو أبله. فهل توجد منطقة رمادية بينهما يسهل فيها الانجراف إلى مزالق الفساد؟ تذكروا قول الرسول الكريم (الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات... إلخ الحديث).

وهذا ينطبق على أمور الدين والدنيا فنقيس على المشتبهات بالمنطقة الرمادية التي ذكرناها هذه المنطقة تحوي دروباً كثيرة نعرفها كلنا ولكننا قد لا نحسب حساباً لخطورتها.. مثال ذلك الواسطة في غير مظلمة أو حتى في غير حاجة مشروعة. لكننا مع ذلك لا نستنكرها، بل ربما نفتخر بها. وأثر الواسطة يشبه أحياناً أثر الرشوة. مثل التوسط في ترسية مشروع بالشراء المباشر أو في تعيين موظف غير مؤهل للوظيفة أو في قبول طالب تقل درجاته كثيراً عن نسبة القبول إلى غير ذلك من الأمثلة التي تمر علينا مر الكرام ولا نعيرها اهتماماً. ومثال آخر التلويح بالشدة في تطبيق إجراءات النظام بحثاً عن مقابل للتساهل و غض النظر، ومن الأمثلة التقرب إلى المسؤول والتزلف إليه للحصول على المزايا أو العطايا قبل غيره. وعلى عكس التلويح بالصرامة في تطبيق النظام هناك التفسيرات الانتقائية للوائح والأنظمة حسبما يظهر من مصلحة شخصية ثم هناك الإكراميات و (القهوة) والعمولات، والمشارطة في العمليات الكبيرة والتنازلات المؤدية لخفض قيمة المشروع والتهام الفرق، وهناك النظرة الدونية لما يسمى بالأنظمة الوضعية المؤدية إلى التساهل في خرقها.. إلى غير ذلك من الأمثلة التي تغطي مساحة المنطقة الرمادية. وهنا يبرز السؤال الملح: هل هناك من أسلاك شائكة تحول دون التورط في المنطقة الرمادية؟.

يبدو لي -بكل تواضع- أن القضية أكبر من قدرتي على التصور. كل ما أستطيع قوله أن المسؤول عن مكافحة الفساد لا يحتاج فقط إلى الدعم من الجهات العليا -وهذا حاصل- أو إلى صلاحيات واختصاصات ولوائح واضحة وضوح الشمس، فهذا يتحقق كما أظن من خلال التنظيم الخاص بالهيئة الخاصة الذي حدد الأمر الملكي لصدوره ثلاثة أشهر -أو إلى التعاون التام والتجاوب من قبل الجهات والمسؤولين الذين تنسق معهم الهيئة، بل يحتاج أيضاً إلى الدعم الوقائي- كما أحب أن أسميه. وهو زرع القيم في النفوس لإضاءة أو جلاء سطح المنطقة الرمادية. قيم الصدق والأمانة واحترام حق الغير واحترام النظام سواء كان وضعياً أو شرعياً؛ مع إعطاء هذه القيم الأولوية فوق الولاء للقرابة أو العشيرة أو الشركة أو الإدارة أو المنفعة الشخصية. زرع القيم هو الرادع الوقائي والأقوى. لكنه ليس مهمة هيئة مكافحة الفساد بل مهمة الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام. مهمة الهيئة الكبرى هي محاسبة الذمم في ضوء ما ينكشف لها من وقائع أثناء متابعة تطبيق الأنظمة وتنفيذ المشاريع من بدايتها إلى نهايتها. أعانها الله!،،،

 

الملك أمر.. فماذا نرجو مع التنفيذ؟ 2-2
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة