Monday  25/04/2011/2011 Issue 14088

الأثنين 21 جمادى الأول 1432  العدد  14088

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

لقاء سمو أمير منطقة جازان

بعد السلام على سمو الأمير في مساء الأربعاء 11-4-1432هـ أخذ كلٌ منا مقعده في مجلس ليس بالكبير جداً، ولكنه أنيق ومنظم، حيث جلس الأمير وأركان الإدارة في منطقة جازان بمن فيهم قائد منطقة جازان العسكرية اللواء حسين معلوي الذي ميّز نفسه بصفته قائداً متمرّساً في الحرب ضد الحوثيين. وكان الأمير وكل أركان إدارة المنطقة في صف، ونحن في صف مقابل، أي صفان متقابلان لا يفصلنا بعضنا عن بعض سوى أمتار قليلة. وقال الأمير في مستهل حديثه بعد الترحيب بنا تعمّدنا أن نكون في هذا المجلس هكذا على الطريقة التي ترونها لكي نكون قريبين بعضنا من بعض للحديث إلى بعض بيسر وسهولة. أخذ الأمير مكبِّر الصوت وأعاد الترحيب بنا، ثم حدثنا حديث الرجل المسئول، حديثاً صريحاً شفافاً عن منطقة جازان الإنسان والتاريخ والحضارة، ثم دلف إلى صلب الموضوع، وهو الحديث المستفيض عن مسيرة التنمية في منطقة جازان، ما أنجز وما هو تحت التنفيذ، وما هو مكان الأخذ والرد بيننا كمنطقة وبين المركز العاصمة، وخاصة ذلك المتعلّق بالعلاقة بين المنطقة، وهي منطقة طرفية وبين المركز. والشكوى من المركزية لمستها لدى معظم أمراء المناطق الذين كان لي شرف اللقاء بهم في مناسبات مختلفة، وقرأتها واضحة صريحة لبعضهم على صفحات الجرائد، مثل تلك التي تحدث عنها ذات يوم سمو الأمير عبد الإله بن عبد العزيز، حينما كان أميراً للجوف، وكذلك سمو الأمير سعود بن عبد المحسن أمير منطقة حائل، وأعتقد أنّ الإصرار على عدم معالجة أضرار المركزية والتمسك الشديد بها سيزيد الأمر ضرراً.

ثم تحدث الأمير عن أهمية منطقة جازان بصفتها منطقة حدودية شهدت، وتشهد كثيراً من التحديات، وأن تكثيف عملية التنمية من أهم الوسائل لمواجهة تلك التحديات؛ وأشاد بالإمكانات الهائلة التي تمتلكها منطقة جازان الأرض الخصبة، والأمطار الدائمة، والتنوّع الجغرافي.. الجبال والسهول والبحر، ثم لم يتردّد في إلحاق اللوم بالمستثمر السعودي الذي مازال متردداً في استثمار أمواله في أرض بكر، وتعلل بعضهم بعدم اكتمال البنية التحتية هناك. وقد أشار سمو الأمير إلى أن الدولة تنفذها بشكل ملموس، وفي أوقات قياسية؛ وأشار إلى ميناء جازان الذي يُعرف عنه أنه يُعَد ثالث أكبر ميناء بعد جدة والدمام، إلاّ أنه لا يُشغل إلاّ بنسبة ضئيلة من طاقته الاستيعابية، بينما يجب أن يكون ميناء إقليمياً يخدم المناطق الجنوبية الأربع جازان وعسير ونجران والباحة. كما يجب أن يكون أحد أهم الموانئ للمملكة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهمزة وصل - كما كان في الماضي - مع البلدان المجاورة لنا في الطرف الأفريقي من البحر الأحمر.

ثم تحدث الأمير عن أحد عوائق الاستثمار في المجال الزراعي وهو مشكلة تفتيت ملكية الأراضي الزراعية إلى حيازات صغيرة. ومعلوم عنها كلما زاد عدد الورثة نقص نصيب كل وارث وضاقت المساحة، وهذا العائق يمكن البحث له عن حل كلما ارتقى الوعي لدى الإنسان، والإيمان بتشكيل الشركات المساهمة وكل بحصته أو سهمه حسب مساحة أرضه.

تحدث الأمير عن الوحدات السكنية التي أمر ببنائها خادم الحرمين الشريفين وعددها عشرة آلاف وحدة سكنية لسد احتياجات المواطنين النازحين من قراهم على أثر حرب الحوثيين، لم نتمكن من زيارة المناطق المعدّة لإنشاء هذه المدن الجديدة، ولا معرفة المواصفات التي بنيت أو سيتم بناؤها بموجبه، أرجو أن تكون فعلاً مساكن ومدناً نموذجية بمدارسها وميادينها وحدائقها ومراكزها الصحية ومراكز الترفيه فيها ومكتباتها وأقبيتها في حالات الطوارئ، حيث إنها مدن حدودية وأن لا تدخل العشوائية في تخطيطها وتنفيذها.

تحدث الأمير بفخر عن الجامعة، جامعة جازان ونحن نشاطره ذلك الشعور، حيث الجامعة كمركز علمي وحضاري هي من ستخرج العقول التي يعتمد عليها بعد الله بناء مستقبل جازان.

كما تحدث الأمير بإسهاب عن عوائق التنمية في المناطق الجبلية، ومنها جبل فيفا والأخطار البيئية التي تهدد تلك الجبال الجميلة.

أستطيع القول إنّ سمو الأمير في حديثه الصريح والشفاف والعميق بمعرفة التفاصيل عن كل شيء يتعلّق بمنطقة جازان، كان أكثر وضوحاً وصراحة عما سمعناه من أبناء المناطق التي قمنا بزيارتها، الذين وعدناهم بأن ننقل مطالبهم بكل أمانة إلى سمو الأمير. وعندما جاء دورنا في الحديث، قلت - من ضمن ما قلته - لسموه وهو مستمع جيد كما هو متحدث بارع، وصريح وصادق، قلت - يا سمو الأمير أردنا أن ننقل لسموكم ما رأيناه وما سمعناه في تلك المناطق، وما وعدنا به الأهالي هناك من إيصال أصواتهم إلى مقام سموكم، إلاّ أنكم في حديثكم أتيتم على كل ما نريد قوله وما نرى أن ننقله إليك نيابة عن أولئك الإخوة السكان. وقلت لسموه إنّ ما تشهده جازان من تنمية متسارعة، جعلتها مكان جذب للكثير من الباحثين عن فرص العمل أو الاستثمار في المشاريع الصغيرة، حتى من أبناء المناطق المجاورة، وضربت مثالاً لبعض أو ناس من بلدتي في منطقة عسير والبلدات المجاورة الذين يعملون في مجالات المقاولات الصغيرة أو الاستثمار في بناء الشقق السكنية، أو الحيازات الزراعية، أو في مجال المراكز الصحية.

كان الحديث مع سمو الأمير ممتعاً ومفيداً وصريحاً ينم عن طموح كبير؛ يعمل الأمير بجد على تحقيق تلك الطموحات، كما يعمل، بجد، على تذليل الصعوبات التي تعترض مسيرة التنمية الطموحة في منطقة واعدة، إلاّ أنّ تحقيق تلك الآمال مرهون بتذليل كل الصعاب من مختلف الجهات، خاصة تلك الموجودة بالمركز (العاصمة). ودّعنا سمو الأمير بنفس الحرارة التي استقبلنا بها، بعد أن تناول العشاء على مائدة سموه، حيث استمر الحديث مطولاً على مائدة العشاء حول القضايا المتعلقة بالتنمية في منطقة جازان، وتمكّنا من أخذ صورة تذكارية ستبقى ذكرى لهذه الزيارة وكنا - بعد مقابلة سموه - على موعد بزيارة معالم النهضة الحديثة في جازان المدينة.

جولة في مدينة جازان

في طريقنا إلى أول محطة في جولتنا في مدينة جازان وهو منتزه مرسى الأحلام، عبرنا طرقاً فسيحة جميلة في تنفيذها، وفي إضاءتها، وفي نظافتها، خالية تماماً من المطبات أو ما يعوق حركة السير على طول شاطئ جميل، يزيد جماله انعكاسات أنوار الإضاءة على مياه الشاطئ الصافية النظيفة؛ وعلى جانب الطريق غير الملاصق للساحل تُشاهد مباني جميلة، كلها حديثة البناء، مدهشة التنفيذ، بعضها فنادق، وبعضها شقق مفروشة، وبعضها أسواق ضخمة، وبعضها فروع لبنوك أو دوائر حكومية حديثة. إن ما نشاهده حتماً ليست جازان التي أعرفها، إنها فعلاً جازان العصر الجديد.

وصلنا إلى مرسى الأحلام، وهو مشروع سياحي جميل في تصميمه بمساحاته الواسعة المطلة على البحر، والممتد بلسان بحري يزيد امتداده على 600 متر، يوصلك إلى ميناء جميل لليخوت بهذا المشروع السياحي الجميل الذي نفذه مستثمر وطني يحب وطنه، له مشاريع مشابهة في كل من جدة، والمنطقة الشرقية، به كثير من المقاهي المفتوحة والشاليهات، إضافة إلى جماله هناك المحافظة على البيئة البحرية؛ وقد وجدناه مزدحماً بالزوار. والملفت للانتباه أنني لم أر في ممراته، ولا على مطلاته البحرية أية حالة من العبث أو رمي المخلّفات، والكل مرتاح لما جاء من أجله، ألا وهو الاستمتاع بقضاء وقت ممتع في مكان جميل، وعلى ضفاف بحر هادئ بمياه نقية لا نسمع إلا وشوشة مياه البحر تتناغم مع همسات روّاد مرسى الأحلام.

في مدينة جازان التراثية

على مساحة واسعة من الأرض، وبالقرب من الساحل، أقام أهالي جازان على حسابهم الخاص مدينة تراثية تشبه مدن الأحلام، تحكي قصة المدن والقرى والجزر والجبال والسهول الجازانية الرائعة. زائر هذه القرية التراثية يرى تاريخ جازان، الإنسان الرجل المرأة الطفل، ابن الجبل وابن السهل، وأبناء السواحل والجزر صناعاتهم حرفهم تراثهم أزياءهم حليهم سلاحهم وألحفتهم، سفنهم القديمة قوارب صيدهم، حقيقة ما كنت ولا أي من زملاء الرحلة (القافلة)، نتوقع أن نرى هذه القرية التراثية، ترى الناس يتجوّلون داخل قريتهم التراثية، يرون حياة أجدادهم ماثلة أمام أعينهم، يتجوّلون بين مبانيها وفي أسواقها، ويشترون أطعمة وحلويات ومأكولات شعبية يصنعها الرجال والنساء ويبيعونها على رواد القرية؛ وترى في كل جانب من جوانب القرية الرقصات الشعبية يقوم بها رجال وشباب وشابات صغار يشاركهم الجميع، الكل ترى على وجوههم الفرحة والبشر والسعادة. شاركنا الجميع رقصاتهم واستمعنا واستمتعنا بما يردّدونه بأهازيجهم الجميلة. أي شعب حي وحيوي كشعب أبناء هذه المنطقة لم نر أحداً يضايق أحداً ولا ينهر أحداً ولا يتدخل في شئون أحد. الكل جاء للمتعة بليلة تراثية جازانية أصيلة، تباع في طرقات هذه القرية المنظمة الزهور والورود والفل الجازاني المتميز؛ كما تباع المصنوعات الحرفية التراثية، كلٌ يبيع ما يصنع، ما تصنعه النساء تبيعه النساء، وما يصنعه الرجال يبيعه الرجال، لا تفصلهم حواجز ولا موانع إلا التنظيم المحكم والقيم والأخلاق، والتعامل الحضاري. والجميل في هذه القرية أن الأهالي هم من أقام هذه القرية التراثية التي لم أر لها مثيلاً في المملكة بأموالهم وتبرعاتهم؛ حتى قرية الجنادرية التراثية في الرياض، أعتقد أنها تحتاج إلى أن تأخذ درساً في جودة تنفيذ وعمل القرية التراثية الجازانية. فإذا كان أهالي جازان هم من أقام قريتهم التراثية على حسابهم، وتم عرض محتويات البيوت التقليدية على أيدي أبناء جازان المهرة في فن العرض المتحفي، فإنني أرى أن يتضاءل أشهر بيوتات الخبرة العالمية الذين نستعين دائماً بهم في إقامة معارض كثيرة تقام في مدننا الكبرى، تتضاءل أمام مواهب أبناء وبنات جازان في طريقة فن العرض.

المدهش الآخر هو أن من يشرف على القرية بكل ما فيها، وما يقام على أرضها من عروض وأسواق وأنشطة فنية هم من أبناء جازان، منهم مديري مناطق تعليمية، منهم أساتذة جامعة، منهم موظفو دولة ومدرسون وطلاب وطالبات، كل ذلك يقومون به عملاً تطوعياً، لأنهم يحبون أرضهم، ويحبون ويفخرون بتراثهم، ويحتفون بزوارهم.

إن هذه القرية التراثية الجازانية جديرة بأن يُشد إليها الرحال، وأن يضع كل مواطن سعودي في رزنامته يوماً أو يومين لزيارة قرية جازان التراثية؛ ولعل في مخطط القرية أن تقيم على أرضها أو بالقرب منها نُزُلاً ينزل فيه زوار قرية جازان.

إن جهود سمو أمير منطقة جازان، وسعادة وكيله، وأمين منطقة جازان يشكرون على مساعدة أبناء جازان على إنجاز هذا المشروع السياحي الحضاري الكبير؛ وأهم الجهود كان تمكين أهالي جازان من الحصول على الأرض التي أقيمت عليها القرية. وأمام سؤالي عن سر نظافة شوارع مدينة جازان، وعدم وجود حفريات أو ما يعوق السير، خاصة في شوارع جازان الجديدة، كان الجواب ممن كنت أسألهم بأنّ أمين أمانة جازان رجل نشيط مؤمن بعمله ورسالته؛ وقالوا لي إن معظم العاملين في الإدارة في جازان من الشباب. فألف تحية للعاملين المخلصين؛ وإني أهمس في أذن كل منهم قائلاً: إن البلدان لا تنهض إلا بهمة رجالها ونسائها وإخلاصهم.

 

في رفقة قافلة السياحة إلى منطقة جازان 3 - 4
د. محمد بن عبدالله آل زلفة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة