Monday  25/04/2011/2011 Issue 14088

الأثنين 21 جمادى الأول 1432  العدد  14088

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

في محاضرة ألقاها ضمن فعاليات الملتقى الإعلامي العربي
د. عبد العزيز خوجة: دعوة خادم الحرمين لحوار الحضارات نموذجاً يحتذى في التأسيس لأدبيات الحوار

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قدم معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز بن محيى الدين خوجة أمس محاضرة ضمن فعاليات الملتقى الإعلامي العربي الثامن بدولة الكويت.. إليكم النص الكامل لمحاضرة معاليه:

الإخوة والأخوات..

سيكون حديثي إليكم واضحاً مباشراً، فنحن، لكثرة ما خضنا في حديث (حوار الحضارات)، أو (حوار الثقافات)، أصبح الحديث هذا مشوشاً غامضاً، مع أن لدينا الأنموذج الذي ينبغي لنا أن نحتذيه، وهو قول الله - تبارك وتعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. ومن هذا المنطلق جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (حفظه الله) للحوار بين أتباع الديانات والحضارات الذي كان منطلقه من مكة المكرمة ثم مدريد فالأمم المتحدة وأصبح نموذجاً يحتذى في التأسيس لأدبيات الحوار في العالم كله. وهل غير الإعلام بكل وسائله محقق لهذه الدعوة الرائدة؟

الإخوة والأخوات:

في عالمنا العربي، اليوم، هناك أكثر من 500 محطة فضائية قوية جداً، لكنها موجهة لمن؟ إنها موجهة لنا.. إننا نتحدث إلى أنفسنا، ونواجه أنفسنا، ونحرض بعضنا على بعض، ونكرر أصواتنا ووجوهنا، ولم نلتفت إلى العالم من حولنا، حتى يعرفونا، ويعرفوا ديننا، وثقافتنا، ومجتمعاتنا، واستهلكنا قوانا، حين انشغلنا بالمثالب والمعايب، وأصبح خطابنا الإعلامي، في جانب كبير منه، تنافساً ممقوتاً بين (داحس والغبراء) ونسينا خطاب المحبة والأخوة والتعارف، وشغلنا أنفسنا بالتنابز والتلاسن.

الإخوة والأخوات:

أنا، هنا، أحاول أن أختصر ما ذكرته، مفصلاً في ورقتي، ففيها تفاصيل كثيرة، لا أستطيع سردها تقديراً للوقت، وسأتحدث في موضوع العلاقة ما بين الإعلام وحوار الحضارات، في آخر ما انتهت إليه المعرفة الإنسانية.

في الموجة الثالثة للمعرفة الإنسانية، وهي موجة (المعلومات) قطعت البشرية في سنوات يسيرة ما لم تقطعه في قرون طويلة، وكانت ثورة (الميديا) ومجتمع المعلومات ثورة اجتماعية عالمية، لم تتح، لسرعتها ونموها الفلكي، الفرصة لتأملها وتدبرها، فمن الحواسيب الضخمة، إلى الحواسيب الشخصية المكتبية، فالحواسيب المحمولة اختلفت أنماط المعرفة والحياة، ولكن الثورة التي نتجت من الثورة، هي ثورة المتناهي في الصغر، أعني بذلك الهواتف الجوالة بأجيالها الذكية المختلفة، وفضاء الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، وشبكات التواصل الاجتماعي وخاصة (الفيس بوك) و(التويتر)، ومن قبلها المواقع الإلكترونية، والمدونات الشخصية، والصحف الإلكترونية، وها نحن الآن نعيش الثورة الأجد والأحدث، وهي ثورة (البلاك بيري)، و(الآي فون)، و(الآي باد)، ولا ندري، عما قليل، من أين تسير سيول هذه التقنية العجيبة والذكية؟

كم اختصرت هذه التقنيات الحديثة والذكية عالم اليوم.. وكم جعلته قريباً جداً ذلك القرب الذي يجعله في متناول أيدينا، إننا نحمل العالم في كفنا، ونكون، إن شئنا، مع العالم، وقت الحدث، ولكم يتملكني العجب حين أدرك أنني أستطيع مراجعة أعمالي، والاتصال بمن أريد، وتصفح بريدي الإلكتروني، والالتقاء بالأصدقاء على (الفيس بوك)، في جلسة واحدة، وأن أكتب ما أشاء، وأرى ما أشاء، وأقرأ ما أشاء، دون رقيب أو حسيب، وأتحاور مع من أشاء، وكم أدهش حين أرى أحفادي يلعبون لعبة (البلاي ستيشن) مع أطفال من إسبانيا أو النمسا أو الكويت بعد اتصال هذه اللعبة بالنت!

إننا بتنا، افتراضياً، أكثر قرباً، ولكن هل نحن كذلك؟

إن الميزة لهذه الموجة الذكية لوسائل الاتصالات أنها قوضت مفهوم (النخبة)، وأزاحت التصور التقليدي للوصاية والرقابة، وفي هذا مكسب كبير للبشرية لاشك فيه، وهل ما نقوم به عبر شبكة الإنترنت، هو حوار حضارات، أو هو حوار ثقافات؟

الذي أظنه أنه حوار من نوع آخر، فحوار الحضارات، وحوار الثقافات، ولد نتيجة ظرف تاريخي ألح على الإنسان، بعد الحرب العالمية الثانية، وتأسيس منظمة اليونسكو التي جعلت الحوار بين الأمم والشعوب من أولوياتها، وازداد الاهتمام بهذين المفهومين، عقب انتهاء الحرب الباردة، وما تلاها من حرب الخليج الثانية، فأحداث سبتمبر 2001م، وهي المرحلة التي شهدت بدايات الثورة المعلوماتية والتقنية التي نحيا الآن حقبتها الذكية.

ازدادت الرغبة في الحوار، والعجيب أنه كلما اقتربت البشرية، ثقافة وحضارة، زادت الرغبة في الحوار، وتتنوع الندوات والملتقيات، ويختلف المنتدون: أحوار حضارات أم حوار ثقافات؟ وهل نحن في ظل حضارات متعددة أم أننا في ظل حضارة واحدة وثقافات متعددة؟

وفي الحق إنني أميل إلى أننا في ظل حضارة كونية واحدة تعيشها البشرية كلها، وفي ظل ثقافات متنوعة ومتعددة تخشى على نفسها هيمنة الحضارة الكونية المعولمة، هذه الحضارة التي تسللت إلينا في أشكال مختلفة، من بينها وسائل الإعلام الحديثة.

في إبان الحرب العالمية الثانية، وفي أوج ازدهار الأفكار المكافحة من أجل بناء الدولة الوطنية، ومقاومة الاستعمار، تعالت أصوات ومدارس فكرية وسياسية وتربوية تشكو الهيمنة الأحادية للثقافة المهيمنة التي تنصب على الشعوب صباً، ولم يكن ذلك قدر المجتمعات النامية وحدها، بل اشترك في ذلك مجتمعات متقدمة كأوروبا الغربية التي رأى بعض ساستها ومثقفيها خطراً كبيراً من انجراف الثقافة الاستهلاكية الأمريكية عليهم، في الشارع، وفي السوق، وفي المنزل، حيث تبث القنوات الأمريكية، من خلال نظام (الكيبل) ثقافة جديدة سرية الاستهلاك، لكنها سريعة التأثير.

ومنذ ذلك الوقت، وحتى يومنا هذا توالت المئات من الندوات عن (حوار الحضارات)، و(حوار الثقافات)، ولا يزال في القلم بقية من حبر للحديث في هذا الموضوع الذي لا يمل المنتدون من كثرة اللت والعجن فيه، حتى خشي أن يصبح حواراً أكاديمياً بارداً.

يحدث ذلك في الدوائر الرسمية، وفي الجامعات، وفي أوساط الأكاديميين والمثقفين.. والنتيجة تراكم تلك البحوث، واشتغال آلة الطباعة لتمد المكتبات بكتب جديدة يبلغ بعضها مجلدات عديدة..

وذلك طيب..

ولكن هل له من أثر في أجيال من الشباب والشابات في الشارع والبيت والمدرسة والجامعة؟

هل له أثر في تلك الأجيال التي لا تعرف شيئاً عما يدور في تلك الندوات، وفي ندوتنا هذه؟

إن واقعاً جديداً أطل على العالم مع ثورة الاتصالات ووسائل الإعلام، وإن هذا الواقع الجديد أصبحنا نعيشه الآن في منطقتنا العربية، فالأصداء السياسية التي حدثت في عدد من البلدان العربية، إن هي إلا ثمرة لتلك الثورة التقنية العجيبة، وبخاصة شبكات الاتصال الاجتماعي (الفيس بوك) التي كونت فكراً جديداً، ومفاهيم جديدة، وأجيالاً جديدة، لا أظنها تهتم، كثيراً، بحواراتنا ذات الطابع الأكاديمي المصطلحي.

وأنا لا أسيء الظن في هذا الواقع الاتصالي الذي يجد فيه الشباب حلمه وأمله وألمه، وأحسب أن هذا الواقع الافتراضي الجديد أسس له مساحات مختلفة للحوار والمثاقفة، تختلف عما يأخذ به الرسميون، وهذا أمر واضح، لأنه ينبغي علينا أن نعترف بأن وسائل إعلامنا الرسمية انصرفت عن هؤلاء الشباب مدة طويلة، وحين أحست بهذا التقصير، ومدت الأيدي إليهم، كان أولئك الشباب قد أنشأوا وسائل خاصة بهم، وباتوا أكثر قرباً من إيقاع الحدث، من وسائلنا التقليدية، وباتوا يعيشون واقعاً وتطبيقاً ما ظللنا نعيشه نظرية وفلسفة، وكأني بهم إذا ما ساقوا خبراً عن ندوتنا هذه في صحيفة إلكترونية شابة، أو على جهاز من أجهزة هواتفهم المحمولة الذكية.. كأني بهم يقولون: إننا تحررنا من الإيديولوجيا، وانعتقنا من المصطلح الأكاديمي، وانفسحت لنا فضاءات جديدة للحوار الذي قد يكون حاداً، وساذجاً، وبسيطاً، ولكنه سيكون بداية لحوار جديد بين الناس الذين لا يعبأون، كثيراً، بجدلكم الذي لا ينتهي حول (حوار الحضارات)، و(حوار الثقافات)!

الإخوة والأخوات:

إن التقدم في التقنيات الحديثة للاتصالات يلقي علينا بمسؤوليات ضخمة كبيرة فالوسائل كلها متوفرة لدينا وسهولة الاتصال والتواصل مع العالم ومع الحضارات ومع الثقافات أصبح ميسراً.

ولكن كيف تقوم بهذا العمل.. وكيف نحمل هذه المسؤولية... وكيف نخاطب الناس بلغة يفهمونها..

كيف نفرق بين لغة نخاطب فيها الشعوب التي تريد أن تفهمنا أكثر.. تفهم عن ديننا، عن ثقافتنا، عن واقعنا.

إن الإعلام يعكس الصورة الواقعية من زاوية معينة، ولكن هل يعكس دائماً الحقيقة المجردة، وهذه مسؤولية ضخمة تقع على علمائنا ومفكرينا لكي نتواصل مع العالم بالطريقة المثلى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

عبد العزيز بن محيى الدين خوجة - وزير الثقافة والإعلام

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة