Tuesday  26/04/2011/2011 Issue 14089

الثلاثاء 22 جمادى الأول 1432  العدد  14089

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لكل لقاءٍ متون وهوامش كما الأودية والشعاب والبحار والسواقي (ومن قصد البحر استقل السواقيا) وإلفي للمؤتمرات واللقاءات وما يحف بها من (كواليس) و (لوبيات) وتحكم صارم بأوقاتها القليلة أصلاً يجعلني أعدو برؤيتي إلى ما وراء المتون والمتداول واللقاء الذي شرفت

بحضوره واستفدت من مداولاته فرض علي لملمة أطرافه وتجميع خيوطه، والخلوص فيه ببعض الفوائد التي نحن بأمس الحاجة إلى مثلها في زمن المخاضات والابتسارات.

لقد كان لقاءً ممتعاً ذلك اللقاء الذي تم في (قاعة المؤتمرات) بمقر إمارة منطقة القصيم ببريدة، تلك القاعة المستديرة ذات القبة الواسعة والأشياء التي تبعث على الابتهاج والارتياح.

لم أكن أدري ماذا يراد بي ولا بالمدعوين مجرد دعوة كريمة تلقيتها من مسؤول العلاقات العامة بناء على توجيه من صاحب السمو الملكي أمير المنطقة، وما كانت تلك أولى الدعوات وعسى ألا تكون الأخيرة.

كنت على موعد لقضاء إجازة نهاية الأسبوع في منتجعات يلوذ بها الفارون من لظى المهمات والمسؤوليات، ولهذا كنت أرقب نهاية هذا اللقاء لألحق بالسلف الذي سبقني للسّلو والخلوص من شغب الحياة ومنغصاتها، ومن ذا الذي يحتمل بعض ما يعصف بعالمنا العربي وما يرقبه من متغيرات معتقة أو موبقة، غير أن معطيات اللقاء وأجواءه الممتعة استلت لحظات الترقب وأتاحت الفرصة للاندماج مع الحدث.

كان الحضور من صفوة الصفوة، محافظو المحافظات وأعيان المنطقة وشيوخ القبائل وطائفة من ذوي الاهتمام بالشأن المحلي أمثالي، كان اللقاء مهيباً ومنظماً ألفنا مثله في كثير من اللقاءات لم تكن هناك مقدمات ولا فواتح، وإنما هي لحظة هدوء تعقب أخذ الأماكن بعدها استهل سمو الأمير الحديث المرتجل مشيراً إلى دواعي هذا اللقاء شاكراً الحضور على استجابتهم، مبلغاً رسالة القائد لمواطنيه المتمثلة بشكره للوفاء بالعهد وتجلى المعدن الكريم في أتون الفتن التي تعصف بعالمنا، وحثه -حفظه الله- على التواصي بالحق والصبر على ما يصيب البلاد من دخن الفتن المحدقة بها.

فالمملكة عضو فاعل في جسد الأمة وتداعيها بالسهر والحمَّى يتطلب الصبر والمصابرة والمرابطة علىثغور المسؤوليات ومواجهة التداعيات بالحلم والأناة وأقصى درجات الوعي والترقب، وظروف كتلك التي تواجهها الأمة العربية تستدعي رفع درجة اليقظة وأخذ الحذر وحماية الأبناء من مضلات الفتن.

لقد كانت رسالة أبوية حانية نقلها حكيم بكل أمانة وبعد إبلاغها طلب سموه المداخلات المقتضبة للخلوص من سيف الوقت المصلت، فتقاطر المتحدثون ببعض مايعتمل في نفوسهم من مشاعر الحب والارتياح، فمنهم من أجاد وأفاد وأفاض بالحديث إلى مُقِرَّاتِ النعم، ومنهم من تكلم ولم يقل شيئاً، ولكن الجميع ردوا المشاعر كما التحية بمثلها أو بأحسن منها، ولم تكن هناك مطالب ولا ملاحظات فالأوامر الملكية الكريمة التي تواصل صيِّبُها النافع كادت تجعل المواطن يصحب الدنيا بلا أمل كما يقول (المتنبي) في إحدى مدائحه المغرقة في المبالغة، ولما لم يكن هناك مزيد من الوقت لتزاحم المسؤوليات وتداخلها لدى سموه فقد ختم اللقاء في عنفوان أدائه، وفي ذلك الخضم زوَّرت في نفسي كلمات كنت أود الإفاضة بها لكن تكاثر المتحدثين ومقاطعة المطيلين حملني على الإيثار، فلقد تكون لي مداخل أخرى ربما لا تتاح لغيري.

ومجمل القول ان الظروف العربية التي نصطلي بحرها بأمس الحاجة إلى مثل هذا اللقاء وإلى تواصل المسؤولين على مختلف مستوياتهم بمختلف شرائح المجتمع، فالأوضاع التي تعصف بعالمنا لا تبشر بخير وهي وإن كانت مبررة في بعض أحوالها إلا أنها باهظة التكاليف غير مأمونة العواقب، فالفراغات الدستورية كما فقد المناعة تجعل جسم الأمة قابلاً لأي عارض مذهب للريح، والشعوب العربية محكومة بثقافات متباينة وبتركيبات سكانية متنافرة وبطائفيات متناحرة وتلك الظروف قد لا تمكن الحكومات المؤقتة أو المنتخبة من ضبط الإيقاع، وبخاصة في ظل تلك الانهيارات المتلاحقة والسريعة، فالثورات البيضاء يخاتلها مُنْدسُّون مغرضون تملأ الأحقاد جوانحهم ويجدون في تلك الأجواء الموبوءة ما يمكنهم من نفث السموم وإفراغ الأحقاد الدفينة، ولسنا بحاجة إلى ضرب الأمثال، فالمؤامرات والدسائس والتدخلات تعج بها مشاهدنا حتى لقد همَّ بالبلاد من لا يدرأ عن نفسه عوائل الحياة.

وأي مجتمع مهما بلغ من الخيرية لا يخلو من الضعفاء والمنافقين القابلين للتجييش حتى مجتمع المدينة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى:

?وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ? وهذا نقد وتوجيه للمرجفين في المدينة زمن الرسول، فكيف بمجتمع القرن الخامس عشر وما هو عليه من جهل ذريع بفقه الأحكام والمقاصد والواقع والأولويات والتمكين.

والعلماء والمجربون وعقلاء الأمة هم أولو الأمر والمستنبطون لتقلبات الأحوال من خوف وأمن، وواجب المقتدرين التواصل مع شرائح المجتمع الذين يسهل اقتناصهم وتضليل أفكارهم وتجنيدهم لإحداث الفوضى والإخلال بالأمن، ومسؤولية التواصل تتعين على أهل الحل والعقد من علماء وخطباء ومعلمين وأدباء ومفكرين وإعلاميين فكل واحد من هؤلاء على ثغر من ثغور الأمة الإسلامية وواجبه أن يحفظ ثغره ولاسيما أن الأمة تعيش حالة استثنائية من ثورة الاتصالات والانفجار المعرفي واختراق الأجواء بالعهر والكفر ومضلات الفتن، والتصدي لهذا الفيض من فروض العين على كل مقتدر.

والمملكة لم تكن في منأى عن تلك المفاسد، لقد منيت بمثل هذا التضليل واختطف بعض شبابها ليكونوا عدواً وحزناً لأمتهم، وكان حقاً على كل مقتدر العمل على استعادة المضلَّلين من أبنائنا الذين فرطنا بهم وأطْرِهِمْ على الحق والحيلولة دون تهافتهم في حبائل دعاة السوء. فالأمن الذي ننعم به والاستقرار الذي نغبط عليه وتماسك الجبهة الداخلية التي بهرت أصحاب الرهانات الخاسرة لم تكن بلا ثمن، ومن تصور أن ما نحن عليه أوتيناه على علم من عندنا فقد عرض نفسه للخسارة الفادحة ودخل في وعيد الله: ?وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ?.. إن نسيان النفس يعني نسيان ما يحفظها من أمر الله.

والبلاد التي استقامت على الطريقة بالحكم بما أنزل الله وكسبت الخيرية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعانت الأخ ظالماً أو مظلوماً وأحبت له ما تحب لنفسها وأفاضت من خيراتها على الأقربين حققت وعد الله.. ?إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ?، فالله وحده المنعم المتفضل وما نفعله ونجنيه تفضل من الله من غير حول منا ولا قوة: ?فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى?

?وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ?.

لقد جاء هذا اللقاء مثيراً لكوامن الأنفس فالأوضاع العربية لمَّا تزل مضطربة وغير مأمونة ودعاة الفتنة يلحون بمعسول القول وينفثون سمومهم عبر وسائل الإعلام وفينا سماعون لهم شئنا أم أبينا غالطنا أو استكبرنا وحينئذ يصبح مثل هذا اللقاء مطلبا رئيسا من مطالب تلك المرحلة.

نسأل الله أن يجنب البلاد والعباد مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ لهم دينهم كما أنزله وكما أمر به ودنياهم التي فيها معاشهم وأن يوفق ولاة أمرهم إلى ما فيه الهداية والرشاد، وأن يجمع كلمة علمائهم ومفكريهم وأولي الأمر منهم وأن نؤجر بالشكر على النعم لا بالصبر على النقم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

لقاء الوفاء والثناء
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة