Tuesday  26/04/2011/2011 Issue 14089

الثلاثاء 22 جمادى الأول 1432  العدد  14089

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

تكلمنا في موضوعٍ سالف عن نعمة التخدير والتقدم في المجال الطبي، وذكرتُ في نهاية المقال قصة رجل اسمه لينيد، وهذا موضوعنا اليوم إن شاء الله.

قصة الروسي «لينيد روجوزوف» غريبة ومخيفة، فقد حصل له موقف سيجعل جلدك يقشعر لو تخيلت حصوله لك، أبعد الله عنكم الشر، لكنه أيضاً مدهش ويُظهر مدى قوة الإرادة البشرية، والذي حصل هو التالي: في عام 1961م أنشأ الاتحاد السوفيتي قاعدة في القطب الجنوبي كمركز للأبحاث، كان طاقمها آنذاك 12 شخصاً، منهم لينيد. في صباح 29 أبريل من تلك السنة استيقظ لينيد على بعض الغثيان وضعف عام إضافة إلى ارتفاع بسيط في درجة حرارته. بعدها ظهر ألم في المنطقة السفلية اليمنى من بطنه. حاول لينيد علاجها بكل الأشياء المعتادة لكن لم تفلح. في اليوم التالي ازدادت الأعراض سوءاً، وأيقن لينيد أن أعراضه تشير إلى شيء واحد: التهاب الزائدة الدودية. لحسن الحظ كان هناك طبيب واحد من ضمن الطاقم، أرسلوه احتياطاً لمثل هذه الحالات، لكن لسوء الحظ، الطبيب كان هو لينيد نفسه! ماذا يفعل؟ القطب الجنوبي بعيد عن المدن، وأقرب قاعدة أبحاث كانت على بعد 1600 كم، والطيران مستحيل بسبب عواصف ثلجية جبارة كانت تثور في تلك الأشهر، ولا مستشفى في الجوار (لأنهم في القطب الجنوبي!). بدون تدخل جراحي سريع لعلاج التهاب الزائدة فإن احتمال الوفاة عالٍ، ذلك أن الزائدة قد تنفجر، وقد يحصل ضعف في التروية الدموية، والتروية هي قيام الدورة الدموية بتزويد الأنسجة والأعضاء بالأكسجين والغذاء، فإذا ضعفت التروية وقل وصول الدم لأعضاء مهمة كالمخ والقلب حينها تكون الحياة في خطر، وأيضاً هناك احتمال التهاب الأغشية المعوية. كل هذه عوامل تجعل التهاب الزائدة حالة تحتاج جراحة عاجلة. ولينيد لا شك أنه أعرف بهذه المعلومات مني، ولعلها اعتملت في عقله عندما اشتد الألم، لأنه قام يقلّب الخيارات ووجد أنه أمام واحد من اثنين: إما أن لا يفعل شيئاً، حينها ستتفاقم الآلام إلى أن يلقى حتفه ويموت بلا شك، ورفض لينيد هذا الخيار واستقر على الخيار الثاني: أن يحاول إجراء العملية بنفسه!

ما رأيك؟ هل تتخيل أمراً كهذا؟ لكن هذا ما اضطر لينيد لفعله، لأنه لما حل ليل 30 أبريل كان الألم قد وصل لأعلى حالاته ولم يطرف له جفن في الليلة السالفة، فقد كتب في دفتر مذكراته: «لم أنم إطلاقاً الليلة الماضية. الألم شنيع! فكرت ولم أجد إلا طريقة واحدة للنجاة: أن أجري العملية بنفسي. إنها مهمة شبه مستحيلة، لكن لن أرمي يدي وأستسلم». لما أشارت عقارب الساعة إلى العاشرة مساءً جهّز لينيد أدواته واستقر على الطاولة في وضع بين الجلوس والاستلقاء، واستدعى اثنين من طاقم القاعدة، أحدهما سائق والآخر عالم طقس، أحدهما يناوله الأدوات والآخر يحمل المرآة التي تعكس موضع الجراحة. حقن لينيد نفسه بإبرة التخدير الموضعي وبدأ الجراحة: صنع شقاً بطول 12 سم أسفل بطنه وكشف أحشاءه معتمداً على المرآة والتلمّس. ولعله يَحسن أن نقرأ ما كتبه لينيد بنفسه، فيقول: «عملت بدون قفازات. كانت الرؤية صعبة. المرآة تساعد لكنها أيضاً تعيق، لأن الرؤية معكوسة، لذلك اضطررتُ للتحسس واللمس. بالخطأ جرحت غشاء في البطن واضطررت لخياطته. بدأت أضعف أكثر وأكثر وبدأ الدوار في رأسي (بعد 30 دقيقة). كل 4 أو 5 دقائق أتوقف لأستريح لعشرين أو خمس وعشرين ثانية ثم أواصل. ثم أخيراً.. ها هي! الزائدة اللعينة! كنت مرعوباً لما شاهدت تلك البقعة السوداء أسفلها. هذا يعني أنني لو انتظرت يوماً آخر لانفَجَرَت. أخذت في استئصال الزائدة، لكن أثناءها وفي أسوأ وقت ممكن حصل شيء ما: قلبي بدأ يُبطئ ويضعف. شعرت أن يداي صارتا كالمطاط. حينها أحسست أن نهايتي اقتربت. لكن فوجئت أنني قد انتهيت من قطع الزائدة واستئصالها!». لما أزال لينيد الزائدة حقن الموضع بالمضادات الحيوية وخاط الجرح. استغرقت العملية ساعة و45 دقيقة، وتعافى لينيد وذهبت الحرارة، وعاد لعمله بعدها بأسبوعين. لما عاد من القطب الجنوبي وانتشرت القصة صار لينيد بطلاً لدى الروس، وقامت دولته بتقليده وسام شرف لقاء صنيعه بالغ الشجاعة. عاش لينيد طويلاً بعدها، وتوفي عام 2000م عن ست وستين سنة.

هذه القصة تذكير بأن الله وهبنا قابلية لصنع أشياء مذهلة، وإذا كان لدى المرء همة وعزم فحتى الأشياء التي تبدو مستحيلة يمكن إنجازها.

 

الحديقة
القرار المُرعب
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة