Thursday  28/04/2011/2011 Issue 14091

الخميس 24 جمادى الأول 1432  العدد  14091

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

الشيخ ناصر الشثري مع الأخ العقيد... في الحافلة
د. أحمد بن علي تمراز

رجوع

 

عادة ما أقرأ لمؤلفين معينين مؤلفاتهم فور نشرها مباشرة. من هؤلاء معالي الأخ والصديق الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي.. فأنا عاشق لكتب القصيبي وأدبه وأسلوبه في الكتابة الذي لا أتمالك نفسي أمامه. فبعض كتبه أقرأها في ليلة واحدة، وأخرى في يوم واحد، وثالثة في أسبوع واحد... وهكذا.. فإن غازي القصيبي بأسلوبه الممتع لا يُمَل.

قرأت منذ فترة- بعد وفاته- أن هناك شيئا ما في الطريق للنشر للكاتب والمفكر غازي القصيبي، فما كان إلا «الوزير المرافق» الذي صدر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2010م، وتجاوزت صفحاته المائتي صفحة.

تناول الكتاب موضوعات متنوعة، كان أمتعهم بالنسبة لي الفصل الخاص بالعقيد صاحب الزنقة والجدل الذي يدور حوله. فقد قالوا عنه أنه «مجنون ليبيا»، مراهق ليبيا، عقدة ليبيا. هذا العقيد الذي يحاول «تنوير» الإسلام بطريقته الخاصة، وتفسير السنة بطريقته الخاصة.

علاقة الأخ العقيد مع الدول العربية عادة ما ينتابها الفتور، وأصبحت هذه الظاهرة ملازمة للعلاقات الليبية- السعودية منذ أول أيام ثورة الفاتح من سبتمبر. عام 1979م/ 1399هـ قرر الأخ العقيد أن يزور المملكة العربية السعودية ودول الخليج. وكالعادة طلب فتح صفحة جديدة ونسيان الماضي. وطلب من هذه الدول أن تشارك في احتفالات العيد العاشر «لثورة الفاتح المجيدة». ومرت زيارة العقيد للمملكة بسلام لولا حادثة غريبة كادت أن تعصف بالزيارة. فقد أرادت زوجة العقيد زيارة سوق الرياض، وأصَرَّ الليبيون أن تكون الزيارة بدون مرافقين، وبدون حراسة، وبدون ترتيبات أمنية مسبقة. وصادفت جولتهم وقت صلاة الظهر، حيث تقفل الأسواق، وينشط رجال «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وكانت إحدى المربيات المرافقات لزوجة الأخ العقيد ترتدي ثوباً قصيرًا، الأمر الذي أدى بأحد رجال «الهيئة» إلى زجرها. وكان مع زوجة العقيد أخوها الذي ثارت ثائرته، فصب جم غضبه على رجل «الهيئة» وتجمع الناس، وتكهرب الجو وكاد الأمر أن يتطور إلى مشاجرة يدوية، لولا مندوب المراسم المرافق الذي تمكن من إركاب زوجة العقيد ومرافقيها السيارات والعودة بهم إلى قصر الضيافة.

غضب العقيد واعتبر الحادثة إهانة مقصودة، وأصر بأن تستعد طائرته للإقلاع الفوري. إلا أن حكمة الملك خالد وخبرة الأمير فهد وسعة صدرهما، تمكنت من إحتواء الموقف. غادر العقيد المملكة وقدم دعوة للملك خالد لحضور الذكرى العاشرة لثورة الفاتح، وكان الوفد السعودي برئاسة الملك خالد بن عبد العزيز مع وفد رسمي كبير رفيع المستوى وكان بينهم د. غازي القصيبي صاحب «الوزير المرافق»، وكان ذلك في صيف 1980م/ 1400هـ.

نزل الملك في قصر الضيافة وهو مبنى صغير قديم في أطراف بنغازي، ونزل الوفد المرافق في الفندق الرئيسي في بنغازي. كان تليفون الفندق معطلاً، والتكييف لا يعمل مما اضطر الوفد أن يسحب كل واحد سريره إلى البلكونة الصغيرة المطلة على البحر.

في ثاني أيام الزيارة اصطحب العقيد الوفد السعودي في رحلة إلى الجبل الأخضر في حافلة بدلاً من السيارات الصغيرة، وبذلك أتيحت فرصة أكثر من ثلاث ساعات في نقاش مع العقيد بحرية وانطلاق، خصوصاً أنه لم يكن في الحافلة سوى الأعضاء الرسميين في الوفدين. وقد أتيح للعقيد- كما يذكر الدكتور القصيبي- أن يتحدث عن الكثير من أفكاره ونظرياته. بدأ برأيه في السنة النبوية، وكان الملك خالد حريصاً على أن يسمع منه شخصياً تكذيباً لما بلغه من إنكاره لحجية السنة. ويؤكد القصيبي إلى أن هذا الموقف الديني من جانب القذافي أزعج الملك أكثر من أي موقف سياسي اتخذه العقيد ضد المملكة، إلا أن العقيد لم ينكر بل أوضح!! «أنا لم أنكر السنة كلها، أنا آخذ بالسنة العملية، لا السنة القولية. أنا أعترف بمسائل الصلاة والصيام والحج والزكاة. أما الأحاديث المنسوبة للرسول ملفقة ومزيفة وكتبت بعد وفاته بمدة طويلة. كيف يمكن الاعتماد عليها؟ أمامنا القرآن، أنا لا أعترف إلا بالقرآن، لا أناقش إلا بما جاء في القرآن».

أما إنكار العقيد للسنة، وعدم الاعتراف بها؛ انبرى السعوديون للرد على القذافي، وكان أفصحهم الشيخ ناصر الشثري، إمام الملك ومستشاره في الشئون الشرعية، إلا أن العقيد لم يقتنع. ويضيف القصيبي: إلا أن العقيد خرج علينا برأي «قذافي» آخر.

«في القرآن إشارات ودلالات إلى أن الإسلام هو دين العرب وحدهم!!. محمد كان عَرَبِيَّا، والقرآن نزل بلسان عربي للعرب.. الإسلام لا يصلح إلا للعرب، والعرب لا يصلحون إلا للإسلام؛ وبالتالي يجب أن يكون العرب جميعاً مسلمين. أما غير العرب فلا ينبغي أن يكونوا مسلمين. إن أي مسلم غير عربي هو شعوبي مخادع لم يدخل الإسلام إلاَّ للكيد له».

وهنا انطلق الشيخ ناصر الشثري في محاضرة طويلة معززة بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية مؤداها أن الإسلام للبشر جميعاً وليس للعرب فقط، إلا أن العقيد رفض أن يغير موقفه.

انتقل الحديث بعد ذلك إلى «تعدد الزوجات». قال العقيد إن تعدد الزوجات مبدأ لا يعرفه الإسلام، ولا يعرفه القرآن. وطلب من أعضاء الوفد السعودي قراءة النص القرآني «وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامي، فانكحوا ما طاب لكم من النساء...» وأضاف العقيد قائلاً: هذه الرخصة مقصورة على الفتيات اليتيمات اللواتي يتربين في حضانة رجل يود حمايتهم عن طريق الزواج بهن.. فيما عَدَا ذلك لا يجوز التعدد مطلقاً.. انتهى كلام العقيد.

إنقض الشيخ ناصر الشثري كعادته على العقيد، وكان الملك خالد يتابع النقاش وهو يبتسم وكأنه يستغرب «ضلال» العقيد. وفي النهاية أنهى العقيد النقاش مع الشيخ ناصر نهاية قذافية كعادته.

ثم انتقل الحديث إلى نظرية العقيد الثالثة وكتابه الأخضر. ويدعي العقيد في حضور أعضاء الوفد الرسمي السعودي أن نظريته هي طريق المستقبل ليس للعرب والمسلمين فحسب، بل للعالم الثالث كله، بل للبشرية بأجمعها. ويردف قائلاً: لقد أفلست الشيوعية والرأسمالية، ولم يبق إلا النظرية الثالثة.

فالشيوعيون أصيبوا بذعر شديد عندما ظهر الكتاب الأخضر، وأن الماركسية سوف تنتهي على يد نظريته. وقد جمع القذافي مفكرين وعلماء وأساتذة جامعات من كل أنحاء العالم، حيث قضوا أسبوعين يبحثون عن النظريات التي يتضمنها الكتاب الأخضر. وفي النهاية فاجأهم وقال للمجتمعين «أنتم في وَادٍ والكتاب الأخضر في وَادٍ. وأنه سوف يتولى شرح الكتاب بنفسه ولن يعتمد على أحد».

سأله الدكتور غازي القصيبي: هل انتهت أجزاء الكتاب الأخضر أم هناك بقية؟

يقول العقيد «الكتاب الأخضر عالج ثلاث معضلات: المعضلة الاجتماعية، والمعضلة الاقتصادية، والمعضلة السياسية، ووضعت لها الحلول.. لقد انتهى الكتاب نفسه، ولكن بقيت الشروح والهوامش. وسوف أكتبها أنا!!».

في الحافلة ظل النقاش مستعرًا بين العقيد بمفرده، والوفد السعودي مجتمعين. وكان الموضوع هذه المرة حول التقويم الإسلامي الذي غيره العقيد فجعله يبدأ بوفاة الرسول عليه السلام لا بهجرته يقول القذافي «في حياة كل إنسان حدثان رئيسيان: ميلاده ووفاته. هجرة الرسول من مكة إلى المدينة حدث إقليمي قد يهمكم أنتم في السعودية، ولكن لا يهم التاريخ. الذي يهم التاريخ الميلاد والوفاة. لقد أَرَّخ المسيحيون بميلاد المسيح، فينبغي أن نخالفهم ونؤرخ بوفاة الرسول عليه السلام.

علا احتجاج الوفد السعودي بتقديم الحجج الشرعية والأسانيد التاريخية الشيخ ناصر الشثري. فقد كانت هجرة الرسول مولد أول مجتمع إسلامي في التاريخ. كيف خُفِيَت الأبعاد النفسية والسياسية والاجتماعية والتاريخية للهجرة على هذا العقيد؟ الذي ما زال متشبثاً برأيه. من الذي أَرَّخَ بالهجرة؟ هل هناك نص في القرآن؟ هل أمر به الرسول؟ إنه اجتهاد من عمر بن الخطاب. وعمر بن الخطاب حاكم مسلم وأنا حاكم مسلم، وله اجتهاده ولي اجتهادي.

قال الملك خالد مذهولاً «هل أنت مثل عمر بن الخطاب؟!».. كعادة العقيد حسم القضية ليقول الأيام بيننا. خلال عشر سنوات لن يكون هناك إنسان في العالم الإسلامي يأخذ بالتاريخ الهجري.. سوف يتبع جميع المسلمين تقويمي!!

بدا على مُحَيَّا العقيد شيء من الضيق لكثرة الاعتراضات على الكتاب الأخضر.. إيمان العقيد بالكتاب الأخضر ظاهرة تستدر العجب والرثاء معاً.. هكذا يقول الدكتور غازي القصيبي. يقول العقيد «سمعت أن الناس في السعودية يتخاطفون الكتاب الأخضر!! عشرات الآلاف من الناس.. وأكثر من يطلبه الفتيات!».

ومن مراقبة الدكتور القصيبي للعقيد طيلة فترة زيارة الوفد السعودي إلى ليبيا، ومن استقرائه لتصرفاته ومن حوله، أيقن أن هناك مفتاحاً أساسياً للدخول إلى شخصية العقيد بكل تعقيداتها وتناقضاتها. الطموح.. الطموح المحترق.. الطموح الأعمى.. الطموح غير المحدود. ويتساءل القصيبي: ما هو طموح العقيد؟ الجواب ببساطة أن يكون زعيم العالم الثالث كله، لا زعيمه السياسي فحسب، بل معلمه الروحي والفكري!!

«أَلاَ يعتبر الطموح عندما يصل إلى هذا الحد من العنف نوعاً من أنواع الجنون؟».

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة