Friday  29/04/2011/2011 Issue 14092

الجمعة 25 جمادى الأول 1432  العدد  14092

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

من بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة.. يا إيران
د. أحمد بن يوسف الدريويش(*)

رجوع

 

ليس بالعصبية العرقية أو المذهبية الطائفية ترتقي الأمم والشعوب وتكون لها السيادة والريادة.. ولا بالثورات وإثارة الفتن تتحقق الأماني والطموحات.. ولا بالتعالي ورفع الشعارات وترديد العبارات ينقاد الناس..

وقد رسم لنا الإسلام أروع الصور والأمثلة وأجلاها التي تبين سبل الريادة والسيادة، وتوضح انتماء الإنسان لدينه ووطنه وأمته..

وجعل تفاضلنا بالتقوى والعبادة إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ .

وحثنا على الوحدة والائتلاف والتعاون ونبذ الفرقة والاختلاف والتنازع.. أوالتعصب للعرق أو اللون أو المذهب أو الطائفة أو الجنس..إلخ، وأرشدنا إلى الطريق الصحيح الذي علينا أن نسلكه في أوقات الشدائد والمحن والفتن لنسلم ويسلم المسلمون معنا..

ذلك أن زمن الفتن - نعوذ بالله منها - زمن تطيش فيه عقول العقلاء، وتذهب فيه حكمة الحكماء ؛ لقوة الشبه الواردة فيها، وكثرة الخائضين في أعماقها بلا علم ولا فقه ولا روية وبصيرة، واختلاط الحق بالباطل والتباسه به.. ولا يسلم من ذلك كله إلا من عصمه الله فتمسك بالمحكمات من الكتاب والسنة، وسار على منهج سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان.. ورد المتشابه إلى ذلك.. وجعل الحق غايته، ومعرفته والوصول إليه مراده وهدفه.. وآثر رضا الله- سبحانه وتعالى- على رضا نفسه أو أحد من خلقه.. وتجرد عن الهوى واتباع الأهواء أو التعصب المقيت الذي ليس هو إلا من بقايا الجاهلية الأولى، وبقايا الحضارات البائدة.. فيحمله ذلك على الكبر والتعالي والاعتزاز بأقواله وأفعاله والتسليم لها، ومعاداة الآخرين ولو كان الحق معهم، والسلم والأمان مطلبهم..

أكتب هذا وأنا أورد سؤالاً مفاده: ماذا تريد إيران من دولنا الخليجية العربية لاسيما وطننا الآمن المسالم المحب للعدل والسلام المملكة العربية السعودية..؟!

والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.. أياً كانت هذه الفتنة عامة أو خاصة.. إلا أنها إن كانت عامة فالخطر أشد وأدهى وأَمَرْ..!

فما تقوم به إيران من تهديدات وتدخلات في الشوؤن الداخلية لدول المجلس الخليجي العربية، وإثارة للفتن بين شعوبها؛ هو (الفتنة) - والله -بعينها وعلمها.. وهذا أمر مرفوض شرعاً وعقلاً , ومخالف للدين والعقل السليم، والنقل الصحيح، والقيم وسائر الأعراف المحلية والعربية والإسلامية والدولية..

هذا إذا كانت إيران تعد نفسها دولة إسلامية تنتسب إلى أمة الإسلام والقرآن..؟! وما يحويه دستور هذه الأمة من حث على الوحدة والتماسك والتعاون والتكامل مصداقاً لقوله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ الآية.. وقوله تعالى وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وقوله تعالى وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ .. الآيات.. وقول النبي صلى الله وعليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتآلفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).. وقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)..

إلا أنني لا أخال إيران تبحث عن ذلك وتدخل في هذا الصنف ظاهراً وباطناً؟! إنما همها هو إثارة الفتن والقلاقل والحروب ليس فقط في خليجنا العربي المعطاء، ووطننا الوادع الأمين.. بل في العالم أجمع..

وإن كنا أحياناً قد نعذر من ينخدع بآياتها و حججها و ملاليها ومنظري نظامها لما يصدر عنهم من قلب للحقائق، وتزويق للكلام، وإثارة للعواطف، وكذب ظاهر وزور وبهتان صريح على الإسلام وأهله.. والإسلام وأهله الشرفاء من كل ذلك براء.. فكل يعلم مما تتكون إيران الحديثة بكيانها السياسي الحالي وموقعها الجغرافي وتشكيلة شعبها المحتلفة المتمثل بـ (70 %) من غير الشعوب الفارسية و (30 %) فقط هم من الفرس.. وأن الغرب لمصالح محددة يراها آن ذاك كون إيران على هذا النحو أيام الحكم البهلوي البائد، وقواها ودعمها بل ودافع عنها حتى التهمت ما حولها من جزر ودول وأقليات وأعراق آمنة.. لا تتوافق مع منطلقات وتصورات ومذاهب ومناهج بل وديانة قادتها سلفاً و خلفاً.. فسكانها بالإضافة إلى الفرس هم من العرب والأكراد والبلوش والآذريون.. ومعروف ما المذهب السائد لهؤلاء أصلاً - أو لأكثرهم - ألا وهو (المذهب السني)..

ولقد قابلنا فئاماً من هولاء في الحج وغيره - الذين يعدّون أقليات في عرفهم - وأبلغونا ماذا يعانون من الظلم والضيم والتسلط الفارسي عليهم، ومنعهم من أبسط حقوقهم الدينية و السياسية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية..

وبناء عليه ندرك أن من يقطن في بيت زجاجي فعليه ألا يرمي الناس بالحجارة حتى لا ينفضح أمره، ويتبين عَوَرَهُ، وينهار بناؤه.. لاسيما وقد فقهت شعوبنا الخليجية الأمر، وأدركت الأطماع، وعرفت الصديق من العدو، ولم يعد ينطلي عليها نظام الملالي الذي لايمكن أن يستمر إلا في ظل الحروب والتوترات و الشعارات الزائفة والوعود الكاذبة، والعبارات الساقطة، واستثارة العواطف، وشراء الذمم، واستئجار عقول من لا خلاق لهم.. كما سقطت لديها حسابات مدبري الثورات، وأدركت الأخطار المحدقة بها فأخذت الحيطة والحذر، و اعتبرت بمن حولها، واتعظت بالنذر، وعلمت آثار هذه المتغيرات والظواهر المحيطة بها يميناً وشمالاً.. فقالت بلسان حالها ومقالها: لا، لإيران..، لا، للمد الصفوي وأتباعه وأذنابه..، لا، للانسياق خلف الشعارات الصفوية الرنانة..، لا، للثورة..، لا، للفتنة ومثيروها..، لا، للإشاعات المغرضة..،لا، للجماعات والأحزاب والفرق الظالمة..، لا، لمن يريد أن يفرق جمعنا ويشق عصانا..

نعم، للوحدة والاتحاد ونبذ الفرقة والاختلاف..، نعم، للسلم والأمان..، نعم، للزوم الجماعة وطاعة ولاة الأمر في المنشط والمكره والعسر واليسر والوقوف معهم صفاً واحداً في السراء والضراء..، نعم، للدفاع عن خليجنا العربي الأبي ووطننا الأم العريق، وأهلنا الأشاوس الميامين الأسلاف..، نعم، لقوات درع الجزيرة التي ذهبت لحفظ الأمن بالبحرين..

فعلى إيران أن تدرك ذلك، وأن تعود إلى رشدها، وأن تعي أن أعمالها وتصرفاتها وأطماعها باتت مكشوفة لدى شعوب المنطقة ودولها بل ولكافة شعوب العالم وحكوماته.. فتكف عن تدخلاتها وتصدير ثورتها الطائفية، وتبتعد عن التعالي والتطاول على شعوبنا وغيرها.. وأن تنشغل بإصلاح نفسها، و إسعاد شعبها، وإنصاف مواطنيها، والقضاء على فقرهم وعوزهم، والانشغال بالتنمية والإنتاج -كما هو حال غيرها من الدول المحبة للأمن والسلام - وألا تغطي فشلها في ذلك كله بدعوة تصدير ثورتها، وإثارة الفتنة الطائفية بين الشعوب والحكومات والتدخل في شؤون غيرها.. فذلك أولى وأجدى.. إذ للحكمة والروية وسعة الصدر والدفع بالتي هي أحسن حدود، وللخداع والاستبداد نهاية، وللغي والحقد والإفساد والإرهاب أجل (ولينصرن الله من ينصره).. والله الهادي إلى سواء السبيل..

وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميةلشؤون المعاهد العلمية وأستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء7 - 5 - 1432 هـ

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة