Friday  29/04/2011/2011 Issue 14092

الجمعة 25 جمادى الأول 1432  العدد  14092

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

العشق واحة من واحات الإنسانية التي تحتاج النفس البشرية السوية أن تتروح فيها من حين لآخر، فإن لم تدخلها قهرا دخلتها طواعية ولو خيالا. العشق واحة إنسانية التروح فيها هو تلذذ بالحرمان والآلام، وهكذا هو شأن الواحات الإنسانية إذا سمت وارتقت في درجات الإنسانية. فالتنسك واحة إنسانية يتلذذ العُباد فيها بسهر الليالي وصيام الهواجر، في الحج:

« ترَاهُمْ على الأنضاءِ شُعْثًا رؤوسُهُمْ

وغُبْرًا وهُمْ فيها أسَرُّ وأنْعَمُ».

والحرب واحة إنسانية يبذل الأبطال فيها نُحورَهُمْ متلذذين فيها بآلامهم وجروحهم وقيودهم في سجونهم وجلدهم حال أسرهم، وفقدان أحبتهم وإخوانهم يتسلون تلذذا بقول الشاعر:

« أبَني أبِينَا نَحْنُ أهْلُ مَنَازِلٍ

أبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنْعَقُ

نَبْكي على الدّنْيا وَمَا مِنْ مَعْشَرٍ

جَمَعَتْهُمُ الدّنْيا فَلَمْ يَتَفَرّقُوا».

والأمومة واحة إنسانية تتلذذ الأم فيها بآلام الحمل والوضع والسهر والرعاية.

تنصل كثير من الحكماء والعقلاء من العشق لأنهم رأوه منقصة في حقهم فباحت بها حكمهم وأشعارهم

«بادٍ هَواكَ صَبَرتَ أَم لَم تَصبِرا..

وَبُكاكَ إِن لَم يَجرِ دَمعُكَ أَو جَرى»

ومن أبرز هؤلاء وأعظمهم علما وزهدا ابن القيم -رحمه الله- وميميته التي وإن كانت في الجنة والحج إلا أنها قصيدة العشاق الأولى لكل من عشق فعف حقيقة أو خيالا.

ورأى بعضهم العشق ضعفا فاعتذر لنفسه وادعى خصوصية حاله فقال:

«وما كنت ممن يدخل العشق قلبه

و لكن من يبصر جفونك يعشق»

واستخف آخرون به حتى ذاقوه فأدركوا حقيقته فقالوا:

«وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ

فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ»

العشق، كالكره والغضب، جميعها من صفات الإنسانية، الجامع بينها أن الإفراط فيها مهلك وقبيح والتفريط فيها هو جمود في الإنسانية غير سوي، قد يكون نوعا من أنواع الجنون. وهذه الصفات هي من الصفات غير الملازمة للإنسانية على كل أحوالها؛ فهي تأتي وتذهب مع حضور دواعيها ومسبباتها أو انصرافها. وبالرغم من أنها صفات فطرية بالخلقة، إلا أن العاقل يمكنه التحكم فيها وضبطها قبل أن تتحول إلى مرض مهلك مستعص شأنها في ذلك شأن الأنانية والحسد والغيرة؛ فالإنسان يولد معها فأما الطفل فيُظهرها وأمـا الكبــير فيكتمهـا وأما العاقل فيهذبها ويوجهــها في الخــير والحق والنماء.

غلب الرجالُ النساء في الشعر، فعلا صوت شكواهم على صوت المرأة فحملوها مسئولية الظلم والهجران والتقلب، فقالوا:

« إذا غدرت حسناء وفت بعهدها

فمن عهدها ألا يدوم لها عهد

وإن عشقت كانت أشد صبابة

وإن فركت (إي كرهت) فاذهب فما فركها قصد (أي اعتدال)

وإن حقدت لم يبق في قلبها رضى

وإن رضيت لم يبق في قلبها حقد».

والرجال في هذا ظالمون للمرأة، كما هم ظالمون لها في أمور كثيرة. فما كانت المرأة لتغدر أو تحقد أو تهجر لولا أن الرجل قد سبقها إلى ذلك فأراها من نفسه ما هو أشد غدرا ولؤما. ففكر المرأة وسلوكها تبعا للرجل منذ أن خُلقت من ضلع آدم إلى أن تقوم الساعة. والتبعية لا تعني الدونية في المقام ولكن التأخر في الترتيب الزمني، والمتأخر يتبع المتقدم. وعلى كل حال؛ فالواقع يشهد أن المرأة يُسعدها اتهام الرجل لها بالظلم والشدة، فهي تسعد بأن تُوصف بالشدة والجبروت، وإن كانت على خلاف ذلك تماما، وشاهد ذلك قول المتنبي متغزلا:

«يا أُختَ مُعْتَنِقِ الفَوَارِسِ في الوَغى

لأخوكِ ثَمّ أرَقُّ منكِ وَأرْحَمُ»

(أي أن حال أخوك في مكان الحرب في حال قتله لفوارس الأعداء، أرق منها وأرحم).

كم طوى الزمان من قصص العُشاق، وكم يطوي منها اليوم، وكم سيطوي منها غدا دون أن يعلم بها إلا نفس العاشق أو العاشقة..

فالمسكوت عنه في حكايات العشق والعشاق قولهم:

« لهوى النفوس سريرة لا تُعلم

عرضا نظرت وخلت أنني أسلم».


hamzaalsalem@gmail.com

 

المسكوت عنه
لهوى النفوس سريرة لا تعلم..
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة